حين أعلن الملياردير الأمريكي إيلون ماسك عزمه شراء منصّة تويتر، ودخل في صفقة ملغومة للاستحواذ عليها بقيمة 44 مليار دولار أمريكي، ثارت ثائرة كثيرين ممن رأوا في ذلك تقويضًا للقيم التي تدعي الشركة تمثيلها وحمايتها، وفي مقدمتها الحق في الوصول إلى المعلومات غير المضللة، والحماية من الأشكال المختلفة للمضايقات الرقمية ضمن سياسة رشيدة لضبط المحتوى، واعتبار أن هذه السياسات شديدة الأهمية لأي نقاش ديمقراطي.
تعدّ الصين أكبر مصدر لإيرادات شركة تويتر من الإعلانات العالمية
لقد بشّر إيلون ماسك بحماية "حرية التعبير"، وبدا في تعليقاته مائلًا جهة اليمين، ملمحًا غير مرّة إلى رفضه غلق الحسابات المخالفة لقواعد الاستخدام، مثل حساب دونالد ترامب، أو الحسابات التي تحرض ضد أفراد بناء على توجهاتهم الجنسية، والامتناع عن حذف المحتوى باستثناء ما يشكّل مخالفة صريحة للقوانين وحسب، كتلك التي تشتمل على تحريض مباشر على العنف. لم يرحب كثيرون بهذا المعنى لحريّة التعبير لدى، ورأوا فيه تماهيًا مع خطاب اليمين المتطرف في الولايات المتحدة وخارجها.
لكن التحفظ الآخر الأبرز على استحواذ إيلون ماسك على تويتر، كان متعلقًا بالصين، والعلاقة التي تربط الرئيس التنفيذي لشركة تيسلا بالحكومة الصينية، واحتمال أن تمثّل سيطرته على منصّة بالغة الأهمية مثل تويتر فرصة سانحة للصين للضغط عليه لأهداف تتعلق بحماية سمعتها ومصالحها على المنصّة، باعتبار أنها ثاني أكبر الأسواق للسيارات التي تنتجها شركته.
إلا أن تحقيقًا مطولًا لوكالة رويترز، قد كشف عن أن الصين ليست بحاجة لماسك لتعظيم نفوذها على المنصّة، رغم أنها تحظر تويتر كليًا داخل أراضيها، وتمنع سكانها الذي يتجاوز عددهم 1.4 مليار نسمة من استخدامها. وبحسب تقرير رويترز، فإن السلطات الصينية تعتمد بشكل مكثف على الإعلانات العالمية على المنصّة، حتى أنها باتت أكبر مصدر أجنبي لإيرادات تويتر من الإعلانات وأسرع أسواقها نموًا خارج الولايات المتحدة.
فقد راجعت رويترز وثائق مناقصات حكومية، وسندات مالية وتغريدات مروّجة، بين العام 2020 و2022، تظهر في مجموعها قيام السلطات المحلية في الصين، ومكاتب تابعة للحزب الشيوعي الصيني، بشراء إعلانات من تويتر للترويج للصين والدعاية لها على المنصّة، وذلك عبر الاستفادة من استثناء تنظيمي على حالة الحظر التي تفرضها تويتر على الإعلانات الخاصة بالحكومة الصينية.
ويظهر التقرير، ولأول مرّة، الأهمية الفائقة للصين في حسابات الربح والإيرادات لصالح تويتر، والتي تواجه ضغوطًا متواصلة من المستثمرين لتعزيز نمو الشركة وتحقيق أهدافها المالية، والتخوف من تأثير المعركة القضائية مع إيلون ماسك على سمعة الشركة وقيمتها السوقية.
خلاف في تويتر بشأن الصين
وبحسب أربعة مصادر تحدثوا لرويترز، فإن العمليات في الصين قد باتت نقطة شديدة الحساسية داخل تويتر، بين فريق يولي اهتمامًا مطلقًا باستغلال أية فرصة لتحقيق المزيد من الإيرادات، وبين فريق آخر يجد إشكالًا في تعامل شركة أمريكية مع كيانات ذات صلة بالحكومة الصينية وتمثل مصالحها، ودون اعتبار للتوتر المتزايد بين الصين والولايات المتحدة، وهو ما يضعف موقف تويتر إزاء اتهامات وجهت لها مؤخرًا باحتمال إضرارها بالأمن القومي الأمريكي.
فوفق شكوى قدمها مدير الأمن السابق في الشركة، بيتر زاتكو، فإن الإدارة التنفيذية العليا في تويتر قد كانت تدرك بأن "قبول الأموال الصينية يعرض سلامة المستخدمين في الصين للخطر"، وأن الشركة قد تجاهلت هذه المحاذير، بدعوى أنها بحاجة شديدة إلى تلك الإيرادات، وأنها "لا تستطيع التفكير بشيء سوى بزيادة مداخيلها". وهي ادعاءات لم يتسنّ التحقق من صحتها بعد على نحو مستقبل، بحسب ما تنبه رويترز، والتي أشارت أيضًا بأن الشركة نفسها قد نفت ذلك.
شخصان آخران مطلعان على المسألة أبلغا رويترز بأن فريق المبيعات التابع لتويتر في الصين نجح في بناء علاقات وثيقة مع جهات حكومية محلية هناك، وذلك ضمن إستراتيجية عالمية وضعتها تويتر لمنافسة جوجل وفيسبوك في قطاع الإعلانات الرقمية.
كما أرست تويتر علاقات تجارية واسعة مع عملاء آخرين داخل الصين، مثل شركات تطوير الألعاب، ومنصات التسويق والتجارة الإلكترونية، والشركات التقنية الكبرى، والتي تشتري من تويتر إعلانات بمئات ملايين الدولارات سنويًا، بحسب المصادر التي تحدثت إلى رويترز، ورفضت الكشف عن هويتها، علمًا أن تويتر لم تستجب لطلب التعليق على هذه الادعاءات، سواء ما تعلق منها بالخلافات داخل الشركة حول التعامل مع الصين، أو حجم التعاملات التي لديها مع عملاء في الصين، واكتفى متحدث باسم الشركة بالإشارة إلى أن شركته لم تخف يومًا حقيقة أن لديها تعاملات تجارية مع مؤسسات تجارية صينية.
تضارب في المواقف
اتخذت تويتر موقفًا معلنًا ومعروفًا بشأن رفض الترويج للحسابات السياسية والمرتبطة بالجهات الرسمية الصينية، وكان ذلك في العام 2019. إلا أن الشركة عادت في آب/أغسطس من العام ذاته، لتتحدث عما بدا أنه مخرج ضروري لها للتراجع عن موقفها السابق، إذ سمحت بقبول طلبات الإعلان من حسابات (تابعة للدولة)، في حال كانت ذات محتوى ترفيهي أو رياضي أو سياحي. ثم عادت الشركة إلى موقفها الأصلي، في آذار/مارس الماضي، وألغت ذلك الاستثناء، وحظرت على المشاريع الإعلامية الممولة من الحكومات الإعلان على منصتها.
رغم ذلك، رصدت رويترز منذ آذار/مارس الماضي عشرات الإعلانات لحسابات حكومية محلية صينية، وحسابات تابعة لوسائل إعلام رسمية، علمًا أن تويتر، مثل غيرها من المنصات، تجني إيرادات من العملاء الذين يعلنون عبر منصات إدارة الإعلانات، وهو ما يسمح في تجاوز سياسات الشركة الخاصة بالإعلانات.
تنامي إيرادات تويتر من الصين بمئات الأضعاف
تنامت إيرادات تويتر القادمة من الصين بحوالي 800 ضعف منذ العام 2014، لتكون بذلك السوق الأسرع نموًا للشركة عالميًا. كشف عن ذلك مدير عمليات تويتر في الصين، آلان لان، عبر حسابه على لينكدإن، والذي أقدم على حذفه بعد مراجعته من فريق رويترز في آب/أغسطس الماضي. ولم تعلق تويتر على هذا الرقم، ولم تفلح الوكالة في التواصل مع آلان لان، الذي يترأس حاليًا فريق مبيعات الشركة في سنغافورة.
وبحسب مراجعة أجرتها رويترز، فإن السلطات الصينية كثفت من نشاطها في شراء الإعلانات على منصات التواصل الاجتماعي الأجنبية، ولاسيما في الفترة إبان جائحة كوفيد-19، وهو نشاط تواصل زخمه بين العامين 2020 و2022، على الرغم من الإغلاق العام الذي شهدته الصين بسبب سياستها الصارمة لمنع تفشي الفيروس.
وقد راجعت رويترز أكثر من 300 حساب لجهات حكومية محليّة في الصين، إلا أن نسبة ضئيلة منها موسومة على المنصّة بأنها تابعة لجهة حكومية. وبحسب الوثائق التي اطلعت عليها الوكالة، فإن الغالبية العظمى من هذه الحسابات مشغلة عبر مصادر خارجية لصالح تلك الوسائل الإعلامية.
تويتر في الصين.. للإعلان فقط
تقرير رويترز حول نشاط الحكومة الصينية على تويتر واعتمادها على المنصّة للترويج لدعايتها، يأتي في الوقت الذي تكثف فيه بكين من حملات التضييق والاعتقال ضد مواطنين تمكنوا من كسر الحظر على تويتر واستخدامه للتعبير عن آراء سياسية معارضة. وبحسب التقرير ذاته، فقد أصدرت محاكم صينية في السنوات القليلة الماضية عشرات الأحكام القضائية بحق مواطنين صينيين لمجرد استخدامهم منصّة تويتر أو منصات أجنبية أخرى لانتقاد السلطات.