توصل تحقيقٌ مطولٌ لموقع Disclose الفرنسي إلى أنّ الحكومة الفرنسية، بخلاف ما هو معلنٌ من مواقفها، سمحت بتسليم إسرائيل معداتٍ إلكترونيةٍ للطائرات بدون طيار المشاركة في قصف المدنيين والمنشآت المدنية بما فيها المستشفيات في غزة.
وكشف التحقيق، استنادًا لوثائق سريةٍ، أن أحدث شحنةٍ من المواد الحربية المصنعة من قبل شركة "طاليس" (Thales) الفرنسية كان من المفترض أن تتم في ال 26 من أيار/مايو المنصرم.
وأشار التحقيق إلى أنه منذ بدء الهجوم الإسرائيلي على غزة وحماس في 13 تشرين الأول/أكتوبر 2023، قامت القوات المسلحة الإسرائيلية بإخراج أسطولها من الطائرات بدون طيار من الحظائر العسكرية.
واعتبر التحقيق أن استخدام تلك المركبات هو “قصة هذه الحرب”، وبحسب المسؤول عن كتيبة الطائرات بدون طيار 166، المعروفة أيضًا باسم سرب فايربيرد، فإن مهمة أسطول الطائرات بدون طيار هي مراقبة أراضي غزة، واستطلاع الأهداف وإطلاق النار.
ومن خلال تجميع العديد من تقارير المنظمات غير الحكومية والبيانات الصادرة عن القوات المسلحة الإسرائيلية، أحصت مجموعة ديسكلوز ما لا يقل عن ثماني غارات قاتلة شنتها طائرات إسرائيلية بدون طيار ضد المدنيين والبنية التحتية في غزة منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023.
سلمّت الحكومة الفرنسية معدات إلكترونية لطائرات إسرائيلية بدون طيار ، على الرغم من إعلانها عن مواقف مختلفة، من أجل استخدامها في قصف المدنيين والبنية التحتية المدنية في قطاع غزة
وتعتبر الطائرة Hermes 900 واحدة من "الطيور النارية" الرئيسية في السرب 166. حيث أجنحتها الطويلة هي السمة المميزة لها. وهذه المسيّرة قادرة على الطيران لأكثر من 30 ساعة على ارتفاع حوالي 9000 متر.
شركة طاليس الفرنسية تزود هيرميس 900 بأجهزة الإرسال والاستقبال
لقيادة هذه المسيرة المتطوّرة يجلس الطيارون خلف جدارٍ من الشاشات، على بعد عدة مئاتٍ من الكيلومترات في بعض الأحيان من منطقة العمليات. ومن هناك، يمكنهم الضرب حسب الرغبة. بعض القنابل في هذه المسيرة “يمكن أن تقتل سائق السيارة، وتترك الشخص في المقعد الخلفي على قيد الحياة". أما البعض الآخر من قنابلها "فلديه نطاق قتلٍ يتراوح بين خمسة وعشرة أمتار". واعترف قائد السرب 166 بنفسه باستهداف مستشفًى في خان يونس جنوب قطاع غزة بشكلٍ مباشرٍ في شهر شباط/فبراير الماضي بواسطة هذه الطائرات.
وعلى الرغم من أن طائرات هيرميس 900 تُستخدم حاليًا لقصف غزة، إلا أن مجموعة طاليس، التي تمتلك الدولة الفرنسية فيها حصةً تبلغ 26٪، قامت مؤخرًا بتسليم المعدات الإلكترونية المستخدمة في بناء هذه الطائرات المسلحة بدون طيار، وذلك وفقًا لما كشفت عنه عشرات الوثائق السرية التي حصل عليها موقع ديسكلوز.
ويضيف التحقيق أنه وفقًا للوثائق الصادرة عن الشركة الرائدة في صناعة الأسلحة الفرنسية – بما في ذلك الإيصالات والكتالوج التجاري – ووزارة القوات المسلحة وشركة Elbit Systems – الشركة الإسرائيلية المصنعة للطائرة Hermes 900 – فإن المعدات المعنية هي أجهزة إرسال واستقبال صممت خصيصًا للطائرات العسكرية المُسيرة الحديثة من طراز "هيرميز 900" التي يستخدمها الجيش الإسرائيلي في عملياته الهجومية.
وبحسب التحقيق، كان من المفترض أن يتم نقل ما لا يقل عن ثمانية من أجهزة الإرسال والاستقبال هذه إلى إسرائيل بين كانون الأول/ ديسمبر 2023 ونهاية أيار/مايو 2024. وذلك بعد عدة أشهر من القصف الجوي الأول على قطاع غزة.
ويؤكد التحقيق أنه تم تسليم جهازيْ إرسالٍ واستقبالٍ في عام 2024، حسبما أكدت شركة طاليس لموقع ديسكلوز، قبل أن توقف الجمارك الفرنسية تصدير الأجهزة الست الأخرى.
يشار ههنا إلى أن عقْد عدم إعادة التصدير الذي أبرمته المديرية العامة للعلاقات الدولية بوزارة القوات المسلحة، ينصّ على أن أجهزة الإرسال والاستقبال الثمانية "لا يجوز بيعها أو إهداؤها أو تأجيرها أو تحويلها دون موافقة مسبقة من الحكومة الفرنسية".
ويعلق معدو التقرير بالقول "لا يمكن للدولة الفرنسية أن تدعي أيضًا أن أجهزة الإرسال والاستقبال التي تبيعها شركة طاليس يمكن استخدامها "كمكونات للقبة الحديدية". وذلك في إشارة منهم إلى ما صرح به وزير الدفاع الفرنسي منذ بداية العدوان على عزة من تأكيدٍ على أن صادرات المعدات العسكرية الوحيدة التي سمحت بها فرنسا نحو إسرائيل هي لنظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي، وذلك "حتى لا تسقط الصواريخ على المواطنين الإسرائيليين".
ووفقًا للتحقيق، فإنّ رخصة تصدير معدات الاتصالات هذه المستخدمة لتجهيز الطائرات بدون طيار القاتلة، والتي تمت الموافقة عليها من قبل أعلى مستويات السلطة، تُوفّر المزيد من الأدلة على الافتقار إلى الشفافية والمراقبة فيما يتعلق بمبيعات الأسلحة.
علمًا بأنّ وزارة الدفاع الفرنسية تدّعي منذ بداية الهجوم الإسرائيلي على غزة أنها تصرفت بشكل لا تشوبه شائبة. ففي 20 شباط/فبراير أجاب الوزير سيباستيان ليكورنو على سؤالٍ مكتوبٍ من أحد أعضاء البرلمان الفرنسي حول شحنات الأسلحة إلى إسرائيل، قائلًا إن "المعدات المصدرة [إلى إسرائيل] لا تشمل الأسلحة في حد ذاتها"، لكن الوزير الفرنسي فشل، حسب التحقيق، في الإشارة إلى أن الحكومة سمحت بخروج بعض معدات شركة طاليس المستخدمة لتجهيز الطائرات بدون طيار المشاركة في الهجوم على غزة. كما التزم الوزير الصمت بشأن حقيقة موافقة الحكومة على تسليم قطع الغيار المستخدمة لتجميع طلقات الذخيرة الخاصة بالبنادق الرشاشة.
بدأت قصة العقد السري بين فرنسا وإسرائيل في الثاني من آذار/مارس 2023، عندما تقدمت شركة "Elbit Systems"، الشركة الرائدة في صناعة الأسلحة الإسرائيلية والشركة المصنعة للطائرة "Hermes 900"، بطلبية مع شركة "Thales Six GTS" من أجل شراء ثمانية أجهزة إرسال واستقبال TSC 4000 IFF من الشركة الفرنسية مقابل 55000 يورو لكل وحدة، أي بمبلغ إجمالي قدره 440000 يورو. وكان من المقرر تسليم أول جهازيْ إرسال واستقبال في 23 تشرين الأول/أكتوبر 2023، لكنّ التأخير الذي حدث أدى لعدم مغادرة الجهازين مصنع المجموعة في لافال إلا في 17 تشرين الثاني/نوفمبر 2023، وذلك بعد عدة أسابيع من بدء الهجوم الإسرائيلي على غزة. وعلى الرغم من تحذير الأمم المتحدة لعدة أيام من أن "النساء والأطفال حديثي الولادة يتحملون وطأة الصراع"، إلا أنه يبدو أنه لا يوجد شيء يمكن أن يمنع تنفيذ العقد على النحو الواجب.
وفي 5 كانون الأول/ديسمبر، كانت المستندات المطلوبة للتسليم الأول جاهزة. وفي مطار شارل ديغول، تم تحميل جهازي إرسال واستقبال على متن طائرة مستأجرة من قبل شركة برولوج، وهي شركة متخصصة في "النقل السري المصنف على أنه مسألة دفاعية سرية للغاية"، وفقا لموقعها على الإنترنت. وكانت الشحنة متجهة إلى موقع شركة إلبيت سيستمز في رحوفوت، وهي مدينة تبعد حوالي 20 كيلومترًا عن مطار تل أبيب الدولي، وفقا لفاتورة أصدرتها الشركة. ورحوفوت هي على وجه التحديد المكان الذي يتم فيه بناء طائرات هيرميس 900 بدون طيار، وفقًا لتقرير لرويترز. وكان من المقرر شحن أجهزة الإرسال والاستقبال الستة المتبقية إلى إسرائيل في 26 أيار/مايو 2024.
ومع ذلك، وفقًا لمعلوماتنا، فإن الطرود محتجزة حاليًا في مطار رواسي شارل ديغول، بسبب عدم وجود تصريح جمركي.
ونظرًا لطبيعة المكونات الإلكترونية التي باعتها شركة طاليس لشركة إلبيت سيستمز واستخدامها، كان ينبغي لوزير القوات المسلحة سيباستيان ليكورنو أن يعلق رخصة التصدير إلى إسرائيل بمجرد علمه بـ "الهجمات الموجهة ضد المدنيين أو الأهداف المدنية" كما يقتضي القانون. خاصة أن مصالح وزارة القوات المسلحة قامت بمراجعة جميع تراخيص التصدير إلى إسرائيل نهاية عام 2023، بحسب صحيفة لوموند. وبحسب ما ورد قرروا تعليق شحنات "المكونات التي يمكن استخدامها لتصنيع قذائف المدفعية".