12-نوفمبر-2024
عودة ترامب تقلق إيران

(Getty) يفضّل ترامب نهج الضغوط القصوى في التعامل مع إيران

يُجمع المتابعون للسياسة الخارجية الأميركية على أن إيران هي أكبر المتضررين من عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وذلك لاعتبارات عديدة يمكن إجمالها في اعتبارين رئيسيين، الأول هو نهج ترامب (الضغط القاسي) في التعامل مع إيران في ولايته الرئاسية الأولى، وإصراره على فاعلية ذلك النهج خلال حملته الانتخابية.

والثاني هو تماهي ترامب مع الرؤية الإسرائيلية التي تصر على عدم التسامح مع برنامج إيران النووي ولو كلف ذلك خوض حرب إقليمية، ستكون شرارتها في هذه الحالة توجيه ضربة عسكرية كبيرة لمنشآت إيران النووية، وهو قرار يبدو أن نتنياهو مقبل على اتخاذه وينتظر لتنفيذه الضوء الأخضر من الولايات المتحدة، الذي يبدو قريبًا مع وصول ترامب لسدة الحكم مرة ثانية.

ويشار إلى أن فترة ترامب الرئاسية الأولى شهدت التخلص من أحد أبرز عناوين نفوذ إيران الإقليمي، وهو الجنرال قاسم سليماني الذي تم اغتياله في ضربة جوية في العاصمة العراقية بغداد، الأمر الذي أدخل الصراع بين طهران وواشنطن مرحلة خطيرة.

تهوين إيراني

سعت إيران إلى التهوين من فوز ترامب بتأكيدها أنه لا فرق عندها بين "مرشح ديمقراطي وآخر جمهوري". فقد كانت لإيران حسب المتحدث باسم خارجيتها إسماعيل بقائي "تجارب مريرة من سياسات وتوجهات سابقة مع مختلف الإدارات الأميركية"، لكن المتحدث الإيراني استدرك قائلًا إن "الانتخابات فرصة لإعادة النظر في التوجهات غير الصحيحة، وما يهم إيران ويشكل معيارًا لتقييمها هو أداء الإدارة الأميركية".

مارس ترامب سياسة الضغوط القصوى على إيران أثناء ولايته الرئاسية الأولى، ووجه لها ضربة قوية تمثّلت في اغتيال قاسم سليماني 

ومن الملاحظ أن الموقف الرسمي الإيراني أخذ في التغير تدريجيًا مع انتشار معلومات تتحدث عن "خطة إيرانية لاغتيال ترامب"، الأمر الذي دفع طهران إلى توجيه رسائل مباشرة للرئيس الأميركي المنتخب، حيث قالت ردًا على تلك المعلومات إنها "مؤامرة إسرائيلية لزيادة الطين بلة بين طهران وواشنطن على ما يشوب علاقات البلدين أصلًا من توترات"، وفقًا لتصريحات الناطق باسم الخارجية الإيرانية.

وتأكيدًا للرسالة ذاتها، تولى وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، توضيح موقف بلاده، مضمنًا نفي المعلومات حول "مخطط الاغتيال" رسائل طمأنة أخرى بتأكيده أن إيران "لا تسعى بتاتًا إلى امتلاك الأسلحة النووية"، مضيفًا أن بلاده "تحترم خيار الشعب الأميركي في اختيار ترامب رئيسًا"، وزاد عراقجي متوددًا "هناك حاجة إلى بناء الثقة بشكل متبادل وليس باتجاه واحد".

ماذا عن نهج ترامب المتوقع تجاه إيران؟

يتوقع غالبية المحللين الإيرانييين أن يكرر ترامب مع بلادهم نهج "الضغوط القصوى"، مع وجود أمل لدى بعضهم بأن يغير الساكن الجديد للبيت الأبيض نهجه بسبب المتغيرات الجديدة على الساحة الدولية.

ويرى فؤاد إيزدي، وهو خبير في العلاقات الإيرانية الأميركية من التيار المحافظ، أن "العوامل التي جعلت ترامب يعادي إيران ما زالت قائمة، وبعضها يعود إلى سياسات الإدارة الأميركية في معاداة إيران بعد الثورة الإسلامية بغض النظر عمن يحكمها"، مؤكدًا في حديث مع صحيفة "العربي الجديد" أن "الإدارات الأميركية عندما تتغير لا تتغير سياساتها بل تكتيكاتها". ومن وجهة نظر إيزدي، فإن "ما يجعل ترامب أكثر عداءً من غيره هو وجود مساعدين له أكثر تطرفًا في معاداة إيران والإسلام"، وفق تعبيره.

زدْ على ذلك أن ترامب، بخلاف ولايته الرئاسية الأولى، يحظى حاليًا "بدعم غير مسبوق من الحزب الجمهوري"، ما يمنحه جرأةً أكبر على التشدد تجاه إيران. وفي هذا الصدد، يقول الخبير في العلاقات الإيرانية الأميركية إيزدي: "لا مؤشرات بشأن احتمال أن يغير ترامب سياسته ضد إيران، بل هناك علامات بأنه ربما يواصل هذا النهج بشكل أكثر تطرفًا من قبل".

على الطرف المقابل، يعتقد الباحث الإيراني حميد رضا غلام زادة أن ترامب في ولايته الثانية سيكون مختلفًا عن ترامب في ولايته الأولى "ليس فقط تجاه إيران بل في ملفات أخرى أيضًا"، والسبب في ذلك حسب غلام زاده يعود لأمرين "الأول أن ترامب في دورته الثانية من الرئاسة يريد تحقيق مكاسب كبرى عكس رئاسته الأولى التي كان يسعى فيها للعمل من أجل فوزه ومراعاة قاعدته التصويتية".

والأمر الثاني "أن المنطقة قد تغيرت كثيرًا بالمقارنة مع ما كانت عليه قبل ثماني سنوات، إذ إن أجواء المنطقة تغيرت، وإيران خلال العام الأخير أظهرت قوتها الهجومية وتمكنت من تخطي الدفاع الجوي الأميركي في المنطقة، كما أنها أثبتت قوتها الدفاعية في التصدي بنجاح للهجوم الإسرائيلي الأخير في 26 تشرين الأول/أكتوبر المنصرم"، وفق ما قاله لـ"العربي الجديد". 

ويخلص غلام زاده بناءً على ما سبق ذكره إلى أن ترامب "غير قادر على مواصلة نهجه السابق في ظل التغيرات في المنطقة والعالم، كما أن لديه تجربة سياسة الضغوط القصوى التي فشلت في تحقيق أهدافها"، مضيفًا أن الرئيس الأميركي المنتخب "يعلم أن تكرار هذه الضغوط لن تجلب إيران إلى طاولة التفاوض، ولذلك هو مضطر لاتباع نهجٍ مختلف".

ولا يستبعد غلام زاده أن يتوصل الطرفان إلى ما وصفها بـ"اتفاقيات غير مباشرة"، مستبعدًا التوصل "لاتفاقيات مباشرة بسبب إصدار ترامب أوامر باغتيال اللواء قاسم سليماني".