"ياللهول، لقد حطموا تمثال ماريان!" صرخت مذيعة قناة "France Info" الفرنسية، التي كانت تبث صور فض اعتصام قوس النصر ذات سبت مطلع كانون الأول/يناير 2018، لتجهش بالبكاء بعدها.
أولغا ميسيك من روسيا وآلاء صالح في السودان وعهد التميمي في فلسطين وويدا موحدي من إيران؛ 4 نساء تحولت لأيقونات ثورية
كان ذلك بداية نقاش طويل عريض اجتاح فرنسا نهاية السنة الماضية، وحركة السترات الصفراء تعيش أوجها في الشارع، تصطدم بقوى القمع وتتمترس داخل قوس النصر ومداره. بينما السؤال الذي بقي مطروحًا في الرأي العام الفرنسي: هل الوجه الطيني الذي ظهر محطمًا في الصور الإعلامية هو فعلًا وجه ماريان؟
اقرأ/ي أيضًا: المرأة كأيقونة للثورات العربية
مريان، أو السيدة الراعية للثورة الفرنسية (1792) والشرط الوجودي للدولة الحديثة، تحطيم تمثالها يعتبر إهانة لعموم الشعب الفرنسي، تتخذها زعيمة حزب التجمع الوطني رمزًا لحزبها اليميني، ويرى فيها اليسار مجد التحرر؛ الشيء الذي جعل كل القوى تصطف وقتها ضد المحتجين بوصفهم "مخربين". هؤلاء المحتجون نفسهم خرجت بينهم النساء في جبة ماريان، كاشفين عن نهودهن في إشارة إلى عودة الثورة من جديد.
القضية أن ماريان، وانتقالها من الوجود السياسي إلى الرمزي كأيقونة للأمة الفرنسية ككل، فعالية لا يختص بها الفرنسيون وحدهم، ولا القرن الـ18 وحده. هكذا نرى لكل انتفاضة أو ثورة وفي كل وقت أيقونة تخلقهَا، وكثيرًا ما تكون المرأة هي الرمز أو الجامعة لكل رمز، والمعبرة عن الانتفاضة العامة على كل ما مضى. إليكم أربع قصص لأيقونات نسائية ثورية معاصرة:
1. أولغَا ميسيك.. وحدها في وجه بوتين
مقرفصة تحمل في يدها نسخة من الدستور الروسي، تقرأ منها على مسامع عساكر القمع التي تحاصرها. مشهد دار بأحد شوارع موسكو خلال المظاهرات التي شهدتها العاصمة الروسية آخر الشهر الماضي، بطلته مراهقة تبلغ من العمر 17 ربيعًا، أولغا ميسيك التي غدت رمز الاحتجاجات المعارضة لحكم فلاديمير بوتين، بعد أن جالت صورها مواقع التواصل الاجتماعي.
بعد أسبوعين من المظاهرات المناهضة لنظام بوتين في روسيا، في عشية 27 تموز/يوليو الماضي، قررت السلطات الروسية تغيير إستراتيجيتها في إدارة الأزمة بتفعيلها وجهها القمعي الفج، وهكذا اعتُقل أكثر من 1300 ناشط سياسي لتمنعهم من التجمهر في الشارع مجددًا. أولغا ميسيك كانت واحدة من المعتقلين، بالرغم من كونها قاصرًا!
تم اعتقالها بعد أن كانت متواجدة في المسيرة، وهي تتلو: "للمواطنين الروس الحق في تنظيم مظاهرات سلمية: مسيرات، لقاءات واحتجاجات"، معتمرة سترة واقية للرصاص كحماية لتواجدها بالصفوف الأولى في المظاهرة، والجماهير تصمت ليعقب التصفيق تلاوتها الدستور فقرة بفقرة والكاميرات كلها موجهة صوبها.
تقول أولغا إنها لا تنتمي لأي جهة سياسية، ومشاركتها في المظاهرات نابع من إرادتها الحرة في الديموقراطية وحقوق الإنسان التي انتفت في عهد قبضة بوتين الحديدية، كما تصفها. لكن وهي الآن أيقونة الحراك الجماهيري التي تعرفه البلاد، تعدُ بمواصلة نضالها السياسي، الذي لا ترى نفسها في المستقبل خارجه، على حد تصريحها لوسائل الإعلام.
2. آلاء صالح.. كنداكة السودان
آلاء الصالح، التي اشتهرت بفيديو "حبوبتي كنداكة" أثناء اعتصام القيادة بالسودان، ممثلة الوجه البارز لثورة الشعب، بعد أن رصدتها الكاميرات معتلية سقف سيارة، تنشد:"النار ما تحرق.. يحرق سكوت الزول".
توضح الزميلة مها عمر في مقالها: "المرأة كأيقونة للثورات العربية"، أن "الكنداكة هو لقب أطلق على الملكات النوبيات اللاتي ملكن زمام السلطة في التاريخ، واللاتي يقدر التاريخ عددهن بـ11 ملكة"، مضيفةً في ما يخص آلاء صالح، أن "المشهد اللافت للفتاة، التقطته عين الرسام والأيقوني، وتحول إلى رمز فوري، فرُسمت تارة بتجريدية تجعلها وحدها بطلة المشهد، وتارة وحول رأسها هالة وكأنها العذراء تخطب في الناس، أو بمنظور ثوري مع إقتباس من هتافها مع الحشود".
هكذا خرجت آلاء صالح من شكلها الحياتي الطبيعي، شابة تدرس الهندسة، إلى الرمز الذي طغى على وجودها وشعبها يعيش طفرته التاريخية تلك، وبالتالي غدت صورتها أكثر من صورة فتاة أو تناقضها داخل المجتمع الذكوري، إلى تعبير صريح للرفض في عمومه؛ رفض الدكتاتورية، رفض القمع والقهر.
3. ويدا موحدي.. فتاة شارع الثورة الإيرانية
لا زالت صورة ويدا موحدي، وهي ترفع غطاء رأسها واقفة وسط شارع الثورة بالعاصمة طهران، تحرك وتلهم الحركات النسوية. كيف لا وقد كانت أول من يتجرأ علنًا على كسر قوانين نظام الملالي الإيراني، سنة 2017 في مظاهرات مناوئة للنظام وقتها.
ويدا موحدي، البالغة آنذاك من العمر 30 سنة، حظيت بمصيرها المتوقع: الاعتقال، بمجموع أحكام 19 شهرًا سجنًا. ذلك قبل أن تعصف صورها بوسائل التواصل الاجتماعي، وتتجند حركات حقوقية لنصرتها.
أما الحركة النسوية الإيرانية، فألهمت جماهير ويدا النسويات لإطلاق سلسلة من الاحتجاجات تحت شعار "فتيات شارع الثورة"، للنضال من أجل إسقاط قوانين الحجاب والتمييز بين الجنسين، اللذين يأخذان في أيديولوجية النظام الحاكم الدين كقاعدة أساسية لهم.
4. عهد التميمي.. صفعة على خد الاحتلال
عهد التميمي، الفلسطينية الغنية عن التعريف، بعد أن اعتقلتها سلطات الاحتلال على خلفية صفعها لجندي إسرائيلي دخل باحة بيتها، لتتحول بعدها عهد إلى أيقونة عالمية معاصرة للنضال الفلسطيني، وتصير محفل المنظمات المتعاطفة مع القضية ووجهها الإعلامي.
هذا، ولم تعز القضية الفلسطينية أيقونات طوال تاريخها، نسوة حملن السلاح أو حملن في أرحامهن من حملوا السلاح في وجه المحتل، بذلك تكون كل نسوة فلسطين بما هن نسوة من تلك الأرض أيقونات لصراع مرير من أجل الحرية.
اقرأ/ي أيضًا: