اتسم دور المجموعات في النسخة الخامسة عشر من كأس العالم 1994 بالكثير من الأحداث المؤسفة. كان أبرزها صدور نتائج اختبار المنشطات الذي أقصى مارادونا من البطولة، كذلك دفع الكولومبي أسكوبار حياته ثمناً لتسجيل هدفاً في مرماه أمام أمريكا صاحبة الضيافة، فقُتل فور عودته لبلاده، بشكل عام لم يفشل أحد من المنتخبات الكبيرة في بلوغ دور الـ16، بينما قدّمت نيجيريا والسعودية بمشاركتهما الأولى أداءً مبهراً وضعهما في دور الـ16.
واصلت رومانيا نتائجها القويّة، فقضى زملاء جورجي حاجي على أحلام باتيستوتا ورفاقه، عندما أقصوا الأرجنتين من الدور ثمن النهائي 3-2، هذه الأخيرة شاركت في اللقاء وهي متأثّرة كثيراً بغياب نجميها مارادونا للإيقاف وكانيجيا للإصابة، في وقت تخطّت به هولندا بسهولة فريق إيرلندا 2-0، كذلك فعلت إسبانيا عندما طردت سويسرا من البطولة وانتصرت عليها 3-0، بينما أنهت السويد مغامرة السعودية وغلبتها 3-1.
نجحت كافّة الفرق الواصلة إلى دور الثمانية بالتسجيل وهي المرّة الوحيدة التي يحدث ذلك في تاريخ كأس العالم
تعذّبت ألمانيا حاملة اللقب كثيراً قبل أن تصل إلى الدور ربع النهائي، فتغلّبت على بلجيكا 3-2، حالها كحال بلغاريا التي انتهت مباراتها مع المكسيك بالتعادل 1-1، فلجأ الفريقان لركلات الترجيح التي أفرحت الفريق الأوروبي، واصطدمت البرازيل بأمريكا صاحبة الضيافة، والتي لم تستغلّ تفوّقها العددي عندما طُرد ليوناردو مع نهاية الشوط الأول، فحسم بيبيتو اللقاء للبرازيليين بهدف وحيد.
ظنّ الكثيرون أن نيجيريا ستطيح بإيطاليا مستضيفة النسخة السابقة، فالفريق الأفريقي يتقّدم بهدف، بينما تعاني إيطاليا من نقص عددي بسبب طرد زولا، لكن مع وجود لاعب اسمه روبيرتو باجيو عادت إيطاليا إلى نقطة الصفر، حيث سجّل باجيو هدف التعادل قبل نهاية المباراة بدقيقتين، وأضاف هدفاً ثانياً في الدقيقة الخامسة من الشوط الإضافي الأول عبر ركلة جزاء، وهنا حجزت إيطاليا مكانها في الدور ربع النهائي، وخرجت نيجيريا من البطولة مرفوعة الرأس.
أكمل رجل اللحظات الأخيرة "روبيرتو باجيو" تألّقه في الدور ربع النهائي، وحجز مكاناً للآزوري في المربّع الذهبي، عقب تسجيله هدف الفوز على إسبانيا في الدقيقة 87، في اللقاء الذي انتهى 2-1، ولحقت السويد بإيطاليا عقب مباراة مثيرة مع رومانيا، فانتهى الوقت الأصلي بالتعادل 1-1، والإضافي 2-2، وابتسمت ركلات الترجيح للسويديين.
كان من المنطقي أن تبلغ ألمانيا الدور نصف النهائي على حساب بلغاريا، فزملاء لوثر ماتيوس وصلوا إلى المباراة النهائية في النسخ الثلاث السابقة، بينما دخلت بلغاريا المونديال وفي رصيدها بالبطولات السابقة 16 خسارة دون أن تحقق أي فوز، وخسرت مباراتها الأولى أمام نيجيريا فكانت الخسارة السابعة عشر، قبل أن تنتفض من جديد وتتغلّب على الأرجنتين واليونان، وتبلغ الدور ربع النهائي على حساب المكسيك.
تقدّمت ألمانيا بهدف عن طريق قائدها لوثر ماتيوس من ركلة جزاء في الشوط الأول، وقبل نهاية اللقاء بربع ساعة، سجّل زملاء نجم برشلونة ستويتشكوف هدفين في ظرف 3 دقائق، وهنا تحقّقت المعجزة، وحجزت بلغاريا مكاناً تاريخيّاً لها في المربّع الذهبي، كذلك حجزت البرازيل آخر البطاقات المؤهّلة للدور نصف النهائي، وذلك على حساب هولندا عندما غلبتها 3-2، بفضل الثنائي الرائع بيبيتو وروماريو، وحقّقت البطولة هذه رقما استثنائيّاً في دور الثمانية، إذ نجح كافّة الفرق الواصلة إليه بتسجيل الأهداف، سواء كانت خاسرة أم رابحة، وهي المرّة الوحيدة التي يحدث ذلك في تاريخ كأس العالم.
قبل بدء البطولة رفض المدرّب البرازيل كارلوس ألبرتو بيريرا استدعاء المهاجم روماريو لتشكيلته، ومع تعالي الأصوات المطالبة بذلك، وكثرة الإصابات في صفوف الفريق، رضخ بيريرا أخيراً للجماهير والصحافة، واستدعى روماريو الذي شكّل مع بيبيتو ثنائيّاً خارقاً، فلم يخسر الاثنان أي مباراة لعباها مع السامبا بجوار بعضهما في البطولات كافّة، وتزامن لقاء هولندا مع يوم ميلاد ابنة جديدة لبيبيتو، وعندما سجّل الهدف الثاني لبلاده في المباراة احتفل بطريقة خلّدت ميلاد ابنته، فاصطف هو وروماريو وزميل لهما، وهزّوا أيديهم في محاكاه لتهدئة بكاء الرضيع، فكانت هذه اللقطة من أشهر لحظات الاحتفال بالهدف في تاريخ البطولة.
روبرتو باجيو: حتى يومنا هذا ما زلت لا أتقبّل ما حدث، إنّه مثل كابوس يطاردني
قاد روبيرتو باجيو إيطاليا إلى المباراة النهائيّة، بتسجيله هدفي فريقه على بلغاريا التي اكتفت بهدف وحيد من ركلة جزاء نفّذها ستويتشكوف، في وقت استفادت به البرازيل من النقص العددي لدى السويد بسبب الطرد، فسجّل روماريو هدف اللقاء الوحيد قبل نهاية المباراة بعشر دقائق، تاركاً للسويد أمل الظفر بالمركز الثالث، وهو ما ناله الفريق الإسكندنافي بفوزه الكبير على بلغاريا4-0.
جمعت المباراة النهائيّة فريقان يملكان 3 كؤوس عالم، ويطمحان للانفراد بالرقم القياسي كأول من يحمل الرابعة، أرادت إيطاليا أن تثأر من هزيمة نهائي 1970، عندما خسرت أمام زملاء بيليه في ظروف مشابهة، إذ كان كل فريق يملك بطولتين ويطمح للظفر بالثالثة من أجل الاحتفاظ بكأس جول ريميه، لكن البرازيل حقّقت المُراد آنذاك وفازت 4-1.
فشل الفريقان باختراق دفاعات الخصم في الشوطين الأصليين والإضافيين، فتمّ اللجوء لركلات الترجيح، وهي أوّل بطولة في تاريخ كأس العالم تُحسم بهذه الطريقة، وهنا حقّقت البرازيل الفوز بعد إهدار نجم إيطاليا الأوّل روبيرتو باجيو ركلة بلاده الأخيرة، إذ صوّب الكرة فوق مرمى الحارس تافاريل بأمتار.
لم تكن إيطاليا قادرة على الوصول إلى المباراة النهائيّة دون مجهودات باجيو، إذ كان حاسماً في لقاءات الأدوار النهائيّة أمام نيجيريا وإسبانيا وبلغاريا، وسجّل الأهداف التي أهّلت فريقه إلى الأدوار التالية بنفسه، لكنّ الركلة الأخيرة أمام البرازيل محت كلّ إنجازاته مع الآزوري وقضت على جهوده، يقول باجيو "إنّه جرح لن يندمل أبداً، لم يخطر ببالي أن الأمر سينتهي بهذا الشكل، حتى يومنا هذا ما زلت لا أتقبّل ما حدث، إنّه مثل كابوس يطاردني".
قبل بداية النسخة الخامسة عشر من كأس العالم، أُجري استطلاع للرأي في البرازيل لتحديد توقّعات الجماهير وحظوظ بلادهم في المنافسة على اللقب، فتوقّع 10% فقط أن تفوز البرازيل بالبطولة، بينما شكّك 90% في قدرة المدرّب كارلوس ألبيرتو بيريرا على رفع الكأس الغالية، والتي فشل بنيلها أعظم جيل برازيلي في مونديالي 1982و 1986، لكنّ بيريرا صنع المستحيل، وحمل الكأس الرابعة لفريق السامبا، وشهدت هذه النسخة أرقاماً تاريخيّة، والكثير من الأحداث التي حفظها تاريخ كرة القدم، فماذا عنها؟