22-أكتوبر-2024
اضطرابات عقلية

صورة أرشيفية لجنود الاحتلال وسط الأنقاض في شمال غزة في نوفمبر الماضي (رويترز)

رصدت شبكة "CNN" الأميركية في تقرير نشرته، اليوم الثلاثاء، الآثار النفسية وانتشار حالات الانتحار بين الجنود العائدين من القتال في غزة، مشيرين إلى أنهم شهدوا "أهوالًا لا يمكن للعالم الخارجي فهمها بشكل كامل"، حيث تقدم رواياتهم لمحات نادرة عن وحشية الحرب، التي يرى منتقدو رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أنه يريدها "بلا نهاية"، بينما يدفع الجنود الثمن غير المباشر للعدوان الإسرائيلي على غزة.

تفيد الروايات التي رصدتها الشبكة الأميركية بأن آلاف الجنود الإسرائيليين، الذين شاركوا في العدوان الإسرائيلي على غزة منذ أكثر من عام، يعانون من اضطرابات نفسية شديدة، أدت في حالات عدة إلى الانتحار. وتقول قيادة جيش الاحتلال إنها تقدم الرعاية لآلاف الجنود الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة، أو الأمراض العقلية الناجمة عن الصدمات التي تعرضوا لها أثناء العدوان، ومن غير الواضح عدد الجنود الذين انتحروا، حيث لم يقدم الجيش رقمًا رسميًا.

" لن يفهم أحد ما رأيته"

وتعتبر الحرب الإسرائيلية على غزة هي أطول حرب يخوضها كيان الاحتلال منذ إنشائه، ومع توسع الحرب الآن إلى لبنان يقول بعض الجنود إنهم يخشون أن يتم تجنيدهم في صراع آخر. يقول أحد الأطباء في جيش الاحتلال بعد خدمته لأربعة أشهر في غزة لـ"CNN"، شريطة عدم الكشف عن هويته: "الكثير منا خائفون للغاية من التجنيد مرة أخرى للمشاركة في حرب لبنان. كثيرون منا لا يثقون بالحكومة في الوقت الحالي".

آلاف الجنود الإسرائيليين الذين شاركوا في العدوان الإسرائيلي يعانون من اضطرابات نفسية شديدة أدت في حالات عدة إلى الانتحار

وبحسب الشبكة الأميركية، فإن جندي الاحتياط، إيليران مزراحي (40 عامًا)، وهو أب لأربعة أطفال، عاد بعد مشاركته في الحرب على غزة لمدة ستة أشهر إلى منزله شخصًا مختلفًا، وفقاً لما ذكرت عائلته، حيث كان يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة، وانتحر قبل أن يعاد إرساله للجبهة من جديد. قالت والدته: "لقد خرج من غزة، لكن غزة لم تخرج منه. ومات بعد ذلك بسبب الصدمة التي تعرض لها".

أوضحت عائلة مزراحي أنه أمضى 186 يومًا في القطاع حتى أصيب في ركبته، ثم أصيب بتلف في السمع في شباط/فبراير الماضي، عندما أصابت قذيفة سيارته، وتم نقله من غزة لتلقي العلاج. وتم تشخيص إصابته باضطراب ما بعد الصدمة في نيسان/أبريل الماضي، حيث تلقى جلسات علاج كلامية أسبوعية لكن العلاج لم ينفعه. وبيّنت والدته أنهم "لم يعرفوا كيف يعاملونهم (الجنود). قالوا (الجنود) إن الحرب كانت مختلفة تمامًا. لقد رأوا أشياء لم يرها أحد من قبل في إسرائيل".

ووصفت العائلة حالة ابنها بأنه كان يعاني أثناء إجازته من نوبات غضب وتعرق وأرق وانطواء اجتماعي، وكان يقول لهم إن: "من كان معي في غزة فقط هم من يمكنهم فهم ما أمر به". بينما ذكرت شقيقته: "كان يقول دائمًا: لن يفهم أحد ما رأيته". وتتساءل والدته إن كان ابنها ربما قتل شخصًا ولم يستطع التعايش مع ذلك.

بعد انتحار مزراحي ظهرت على وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو له، وهو يهدم منازل ومباني في غزة، ويقف أمام هياكل مدمرة. وتقول شقيقته إنها رأت الكثير من التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي تتهم مزراحي بأنه "قاتل" وتشتمه، وترد عليه برموز تعبيرية غير سارة "لقد كان الأمر صعبًا".

الجيش لا يسمح بتقديم رقم حول حالات الانتحار

بحسب طبيب من جيش الاحتلال تحدث للشبكة الأميركية، فإن الجنود يواجهون معضلات أخلاقية حين يلتقون بالمدنيين في غزة، حيث إن هناك فكرة مسبقة عند الجنود بأن سكان غزة "سيئون، وأنهم يدعمون حماس، وأنهم يساعدون حماس، وأنهم يخبئون الذخيرة"، لكن في الميدان تغيرت بعض هذه المواقف "عندما ترى المدنيين في غزة أمام عينيك بالفعل".

وكانت صحيفة "هآرتس" العبرية قد ذكرت أن عشرة جنود انتحروا في الفترة الممتدة من السابع من تشرين الأول/أكتوبر حتى 11 أيار/مايو الماضيين، فيما قال الطبيب النفسي وقائد وحدة الرد القتالي في جيش الاحتلال، عوزي بيتشور، إن الجيش لا يسمح للسلك الطبي بتقديم رقم حول عدد حالات الانتحار منذ الحرب في غزة.

وقال بيتشور إن: "معدل الانتحار في الجيش مستقر إلى حد ما في السنوات الخمس أو الست الماضية"، مشيرًا إلى أنه في الواقع كان في انخفاض على مدى السنوات العشر الماضية. وأشار إلى أنه حتى لو كان عدد حالات الانتحار أعلى، فإن النسبة حتى الآن "هي نفسها تمامًا مقارنة بالعام السابق، لأن لدينا المزيد من الجنود"، مضيفًا: "هذا لا يعني أن هناك اتجاهًا لمزيد من الانتحار"، ولم يقدم أي معلومات عن عدد حالات الانتحار أو معدلها مكتفيًا بالقول: "كل حالة بالنسبة لنا مفجعة".

توضح "CNN" أن أكثر من ثلث الجنود الذين تم إبعادهم من القتال يعانون من مشاكل تتعلق بالصحة العقلية، ففي بيان صدر في آب/أغسطس الماضي، قالت إدارة إعادة التأهيل التابعة لوزارة الأمن الإسرائيلية إنه في كل شهر، يتم إبعاد أكثر من ألف جندي جريح جديد من القتال لتلقي العلاج، ويشكو 35 بالمئة منهم حالتهم العقلية، بينما يعاني 27 بالمئة منهم "رد فعل عقلي أو اضطراب ما بعد الصدمة".

وأضافت أنه بحلول نهاية العام من المرجح أن يتم قبول 14 ألف مقاتل جريح لتلقي العلاج، ومن المتوقع أن يواجه حوالي 40 بالمئة منهم مشاكل في الصحة العقلية. وعلى الرغم من ارتفاع معدلات الانتحار في صفوف جيش الاحتلال، إلا أن وزار الصحة الإسرائيلية قالت إن هناك: "انخفاضًا في حالات الانتحار في إسرائيل بين تشرين الأول/أكتوبر وكانون الأول/ديسمبر (الماضيين) مقارنة بالأشهر نفسها في السنوات الأخيرة".

تأثير الحرب لا يزال قائمًا

وبحسب "CNN"، قال طبيب آخر إن هناك ضابط صحة نفسية مخصصًا لكل وحدة من وحدات الجيش، مضيفًا أن تأثير الحرب لا يزال قائمًا، حيث يعاني الجنود الذين لا تتجاوز أعمارهم 18 عامًا من الصدمات النفسية في غزة. لافتًا إلى أنهم غالبًا ما يبكون أو يبدو عليهم الخدر العاطفي.

من جانبه، قال عالم نفس في جيش الاحتلال، إن إحدى الطرق التي يساعد بها الجيش الجنود المصابين بصدمات نفسية على استئناف حياتهم هي محاولة "تطبيع" ما مروا به، جزئيًا من خلال تذكيرهم بالأهوال التي ارتكبت في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، واعتبر أن "هذا الوضع ليس طبيعيًا بالنسبة للبشر"، مضيفًا أنه عندما يعود الجنود من ساحة المعركة وهم يعانون من أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، فإنهم يسألون: "كيف أعود إلى المنزل بعد ما رأيته؟ كيف أتواصل مع أطفالي بعد ما رأيته؟".

وتنهي "CNN" تقريرها بالإشارة إلى أنه من المرجح أن تكون الاضطرابات النفسية في غزة كبيرة أيضًا، حيث سلطت جماعات الإغاثة والأمم المتحدة الضوء مرارًا وتكرارًا على العواقب الكارثية التي خلفتها الحرب على المدنيين في غزة، والذين أصيب العديد منهم بالفعل بندوب ناجمة عن الحصار الذي دام 17 عامًا، وعدة حروب مع إسرائيل.

وقالت الأمم المتحدة في تقرير صادر في أغسطس/آب الماضي إن تجارب سكان غزة تتحدى "التعاريف الطبية الحيوية التقليدية" لاضطراب ما بعد الصدمة، "نظرًا لعدم وجود "ما بعد" في سياق غزة".