بالنسبة لأي طفل في العالم، فإن الأيام الحالية تمثل عودة الحياة الدراسية، حيث تفتح المدارس أبوابها لاستقبال الأطفال من أجل مواصلة تحصيلهم العلمي، بعد أشهر من العطلة الصيفية. لكن الحال يختلف بشكل كلي بالنسبة للأطفال في قطاع غزة المحاصر، فهم منذ 338 يومًا ما زالوا محاصرين، وسط وابل من القصف والقتل والدمار، والذي خلف حتى الآن استشهاد ما يقارب 41 ألف شهيد وإصابة نحو 95 ألفًا بجروح، وجلّ الشهداء والجرحى من النساء والأطفال.
وكالة أسوشيتد برس نشرت مساء السبت تقريرًا لها، استعرضت من خلاله معاناة أطفال غزة مع قدوم المدارس، فهم للعام الدراسي الثاني تواليًا دون تعليم، فمعظم أطفال القطاع المحاصر يعانون لمساعدة أسرهم في النضال اليومي من أجل البقاء، وسط القصف الإسرائيلي المدمر.
ونوّهت الوكالة إلى أنه قرابة 625 ألف طفل في سن الدراسة بغزة، فاته ما يقارب عامًا كاملًا من التعليم، حيث أغلقت المدارس بعد بداية الهجوم الإسرائيلي، وتضررت أكثر من 90% من مباني المدارس بفعل قصف الاحتلال، والكثير منها بإدارة وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، وهو ما أكده المرصد الأورومتوسطي في تقرير له الأحد، حيث استهدف الاحتلال بشهر واحد 16 مدرسة إيواء في غزة، كما أشارت الأسوشيتد برس إلى أنه نحو 85% من هذه المدارس تم تدميره بما يجعلها في حاجة إلى إعادة بناء، وهذا يعني أن الأمر قد يستغرق سنوات قبل أن تصبح صالحة للاستخدام مرة أخرى.
كذلك أدى النزوح القسري حسب الوكالة إلى طرد نحو 1.9 مليون شخص من منازلهم، وهم يمثلون الغالبية الكاسحة لعدد سكان غزة البالغ 2.3 مليون نسمة، هؤلاء احتشدوا في مخيمات مترامية الأطراف، تفتقر إلى أنظمة المياه أو الصرف الصحي، أو اجتمعوا في مدارس تتبع للأونروا، وتعمل الآن كملاجئ لهم.
الأسوشيتد برس: نسبة التعليم مرتفعة للغاية في غزة ووصلت إلى 98% قبل العدوان، والآن جلّ الأطفال يتوقون للعودة للمدارس
وأشارت الأسوشيتد برس في تقريرها أن التعليم مثّل أولوية عالية بين الفلسطينيين في قطاع غزة، فقبل بداية العدوان الإسرائيلي على غزة كان معدّل الإلمام بالقراءة والكتابة مرتفعًا في القطاع، بما يقارب 98% من عدد السكان، ونقلت الوكالة عن المتحدثة باسم اليونيسيف تيس إنغرام أن الأطفال أخبروها بافتقادهم المدرسة وأصدقائهم ومعلميهم، وأثناء وصف أحد الأطفال لمدى رغبته في العودة إلى الفصل، سألها أحد الأطفال: "يمكنني العودة للمدرسة، أليس كذلك؟" وقالت إنغرام: "كان هذا مفجعًا بالنسبة لي".
وعلى الرغم من توق الأطفال للعودة للمدارس، فإنه لم يعد أمامهم خيارًا سوى مساعدة أسرهم، فاستعرضت الوكالة شهادات لبعض الأطفال وهم يحملون أكوامًا من الأنقاض التي جمعوها في منزل مدمر، لبيعها من أجل استخدامها لبناء قبور لضحايا مجازر الاحتلال، ونقلت الوكالة عن طفل عمره 4 سنوات يحمل قطع من الخرسانة: "أي شخص في سننا ببلدان أخرى يدرس ويتعلم، نحن لا نفعل ذلك، نحن نعمل في شيء يتجاوز قدراتنا، نحن مجبرون على ذلك من أجل الحصول على لقمة العيش".
واستعرضت الوكالة بعضًا من المشاهد اليومية في حياة أولئك الأطفال، حيث يسيرون حفاة الأقدام على الطرق الترابية لحمل المياه في أوعية بلاستيكية من نقاط التوزيع إلى أسرهم التي تعيش في مدن الخيام التي تعج بالنازحين، وينتظر آخرون في مطابخ الجمعيات الخيرية مع حاويات لإحضار الطعام.
الحرمان المطول من التعليم يهدد بإلحاق أضرار طويلة الأجل بأطفال غزة، لكنه ليس المشكلة الوحيدة، فقد انتشر بينهم سوء التغذية والأمراض
وأشارت الأسوشيتد برس إلى تأكيد العاملين في المجال الإنساني أن الحرمان المطول من التعليم يهدد بإلحاق أضرار طويلة الأجل بأطفال غزة، وهو ما قالته تيس إنغرام المتحدثة باسم اليونيسيف، حيث إن الأطفال يعانون في نموهم المعرفي والاجتماعي والعاطفي: "كلما طالت فترة بقاء الطفل خارج المدرسة، كلما زاد خطر تركه بشكل دائم وعدم العودة".
ونقلت الوكالة عن أحد الآباء في غزة أن أطفاله كانوا يستمتعون بالمدرسة قبل العدوان، فقد "كانوا طلابًا متميزين، لقد ربيناهم جيدًا". لكنه الآن يعيش هو وأبناؤه الأربعة وابنته في خيمة في مقبرة في خان يونس، بعد أن اضطروا إلى الفرار من منزلهم في الأحياء الشرقية من المدينة، وقال إن الأطفال يخافون النوم بجوار قبور الموتى، لكن ليس لديهم بديل. وقال والد الأطفال الأربعة: "أبكي عليهم عندما أراهم بأيدي ممزقة"، وأضاف في تصريحه لأسوشيتد برس: "في الليل، لا يستطيع الأطفال المنهكون النوم بسبب آلامهم وأوجاعهم، إنهم يرقدون على فراشهم مثل الموتى".
الغياب عن التعليم لن يكون المشكلة الوحيدة التي تحدث مع أطفال غزة، فقد انتشر سوء التغذية والأمراض على نطاق واسع بالقطاع المحاصر بسبب حملة الإبادة الجماعية التي ينتهجها الاحتلال، وتبعات ذلك ما زالت كارثية على الأطفال، وبحسب المتحدثة باسم اليونيسيف فإن جميع أطفال غزة البالغ عددهم قرابة 1.1 مليون طفل يحتاجون إلى مساعدة نفسية واجتماعية.