ألتراصوت- فريق الترجمة
يواجه أندرو كومو، حاكم ولاية نيويورك، اللحظة الأكثر اضطرابًا وإرباكًا في مسيرته السياسية، وربما في حياته الشخصية، وذلك بعد اتهامات له من عدّة نساء، من بينهنّ موظفات حاليات وسابقات يعملن معه، بالتحرش الجنسي وارتكاب بعض السلوكيات "غير اللائقة" التي صدرت عنه أثناء التعامل معهنّ خلال الأعوام الماضية.
يواجه أندرو كومو اتهامات من 11 امرأة على الأقل بأنه تعرض لهنّ بطريقة غير لائقة ترقى إلى التحرّش الجنسي خلال السنوات الماضية
أثارت تلك الاتهامات عاصفة من الجدل في الولايات المتحدة الأمريكية، ما دعا النائب العام في الولاية، ليتيشا جيمس، بفتح تحقيق عاجل للنظر في تلك الادعاءات، والاستعانة باثنين من كبار المحامين لمتابعة القضية بكل تفاصيلها وإعداد تقرير أولي مستقل بشأنها. كما انطلقت سلسلة من الدعوات التي تطالب أندرو كومو بالاستقالة من منصبه، وهي مطالبات اشترك بها خصومه الجمهوريون مع بعض الديمقراطيين من الحزب الذي ينتمي إليه كومو، ومن مختلف الولايات الأمريكية، حتى أن مجلس الولاية نفسه، والذي يسيطر عليه الديمقراطيون، قد اجتمع من أجل البدء بإجراءات تهدف إلى عزل أندرو كومو من منصبه على خلفية تلك الادعاءات المتواترة، إضافة إلى مساءلته عن طريقة التعامل مع جائحة كورونا، وارتفاع عدد الوفيات المرتبطة بكوفيد-19 في الولاية، وحالات الوفاة التي حصلت في عدد من دور رعاية المسنين خلال الفترة الأخيرة.
أما أندرو كومو فقد أبدى موقفًا رافضًا بشكل قاطع لدعوات الاستقالة، والتي اعتبرها مغرضة وتنمّ عن انتهازية سياسية لا غير، وأنها مدفوعة بحالة من "ثقافة الإلغاء" على حدّ تعبيره، رغم أنّه عبّر عن اعتذاره على "التصرف بطريقة جعلت الآخرين يشعرون بعدم الارتياح"، مؤكّدًا أنه لم يكن يقصد ذلك، وأنّ الاتهامات الموجهة ضدّه ليست دقيقة.
وقد اندفع عدد من الموظفين الحاليين والسابقين في مكتب كومو، إلى الحديث عمومًا عن "بيئة العمل المسمومة" إلى جانبه، ولاسيما للموظفات اليافعات، إلى جانب الحديث من عدد محدّد من الموظفات عن وقائع تحرّش جنسي من طرف أندرو كومو، وهي ادعاءات لم يتم الحسم بشأنها قانونيًا بعد، إذ ما تزال القضيّة في مراحلها التمهيدية، إلا أنّها رغم ذلك تشكّل تهديدًا كبيرًا لمستقبل أندرو كومو السياسي.
القصّة الكاملة للادعاءات ضدّ كومو
تشارلوت بينيت، وهي مساعدة سابقة عملت لصالح أندرو كومو، وتبلغ من العمر 25 عامًا، اتهمت حاكم الولاية بالتحرش الجنسي بها العام الماضي. وقد قالت تشارلوت بينيت، بحسب نيويورك تايمز، بأن السيد كومو قد استفسر منها عن حياتها الجنسية، وما إذا كانت قد عاشرت من قبل أي رجل أكبر عمرًا منها.
وفي تفصيل آخر، قالت بينيت أنها في إحدى المرات كانت وحدها برفقة أندرو كومو في مكتبه، وذلك حين سألها إن كانت ترى أن العمر يشكّل حاجزًا في العلاقات العاطفية، وهو سؤال شعرت بينيت بأنه يستبطن تلميحًا من كومو واستدراجًا لها نحو علاقة جنسية. وفي حديث لها مع نيويورك تايمز قالت بينيت: "لقد فهمت بأن الحاكم يرغب لو ينام معي، وقد شعرت بضيق ورعب شديدين حينها".
وقد أوضحت بينيت أنها قد نقلت تلك الحادثة وأفضت بها إلى كبير الموظفين في مكتب أندرو كومو، كما أنها قدمت تقريرًا مطولًا بشأن الحادثة أمام لجنة استشارية خاصة بمكتب حاكم الولاية، وقد تم نقلها على إثر ذلك إلى وظيفة أخرى، قبل أن تترك العمل مع إدارة الولاية بشكل كامل في تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي.
من جهته علق أندرو كومو على اتهامات بينيت، وقال إنها كانت "مجتهدة ومحلّ تقدير"، وأنه يحترم حقّها في التعبير عن نفسها والحديث عما تشعر به. إلا أنّه أكّد أنّه لم يقدم على أي تصرف من شأنه أن يفهم على أنّه محاولة للتقرب منها، أو التحرّك بأي طريقة غير لائقة تجاهها.
"قبلة حميمية"
إلى جانب اتهامات تشارلوت بينيت، كانت مساعدة أخرى لأندرو كومو، تدعى ليندسي بويلان، قد كشفت عن اتهامات لحاكم الولاية بالتحرش الجنسي بها، بعد أن كانت قد ألمحت إلى ذلك بشكل غير مباشر عبر تغريدات لها نشرتها في كانون الأول/ديسمبر الماضي. ثم وفي منشور طويل لها، تحدثت ليندسي بويلان بالتفصيل عن حوادث عديدة جعلتها لا تشعر بالراحة مع أندرو كومو، وذلك أثناء عملها في مكتب التطوير الاقتصادي للولاية، بين العامين 2015 و2018.
تقول بويلان (36 عامًا) في منشورها الشخصي، بأن المسؤول عنها قد أبلغها في إحدى المرّات بأن حاكم الولاية "مفتون بها"، وقالت أنّ كومو قد تجرأ في إحدى المرّات وحاول أن "يمدّ يديه إلى أسفل ظهري، ويتحسّس ذراعي وساقي".
وبحسب بويلان، فإن السيد كومو قد أخبرها في إحدى المرّات أنّه يجب أن يلعبا "لعبة التعرّي"، وذلك أثناء سفرها معه في مهمة رسمية على أطراف الولاية. أما الاتهام الأبرز الذي أدلت به بويلان، فهو ادعاؤها بأن السيد كومو قد طبع قبلة على شفتيها، بشكل مفاجئ، وهي في مكتبه في مانهاتن، وقد كان ذلك في العام 2018.
تقول بويلان: "وبينما نهضت للمغادرة، واتجهت نحو الباب، اعترض كومو طريقي وقبلني على شفتي".
وقد صدر بيان عن مكتب حاكم الولاية، اشتمل على نفي قاطع لتلك الاتهامات.
اتهام ثالث بالتحرّش
آنا روخ (33 عامًا)، كانت طرف الاتهام الثالث، وقد تحدثت عن محاولة أندرو كومو التحرش بها أثناء المشاركة في حفل زفاف في سبتمبر/أيلول عام 2019، حيث وضع كومو يده أسفل ظهرها، فعمدت هي إلى سحبها، فرفعها كومو ووضعها على خديها، وسألها إن كان بوسعه أن يقبّلها، فما كان منها، بحسب وصفها، إلا أن انسحبت حين حاولت كومو الاقتراب منها أكثر.
وفي حين لم يعلّق أندرو كومو بشكل مباشر على هذه الاتهامات الأخيرة، إلا أن بيانًا صدر عن مكتبه، جاء فيه بأن حاكم الولاية يعترف بأنه ربما كان قد أقدم على قول بعض الأمور التي "يمكن أنها قد فهمت على نحو خاطئ بأنها مداعبة غير مرغوبة".
أندرو كومو يعتذر ويرفض الاستقالة
بعد تداول تلك الاتهامات العديدة، والتي أفصحت عنها نساء أخريات وصل عددهن إلى 11 امرأة، صدر بيان عن أندرو كومو يقرّ فيه بأسف بأنه قد ارتكب في بعض المواقف "بعض أشكال المداعبة المازحة مع الموظفين" على نحو اعتقد أنّه كان "بحسن نيّة". ثم صرّح أندرو كومو بأنه يشعر بالخجل من تصرفاته، وأنّه يعتذر عمّا بدر منه، مؤكدًا في الوقت ذاته أنه لم يكن يقصد مخالفة قواعد اللباقة، وانتهاك ما هو ملائم في مكان العمل أو خارجه.
وقال كومو في تصريح صحفي: "أدرك الآن أنني قد تصرفت بطريقة جعلت من حولي يشعرون بعدم الراحة"، وأضاف كومو بأنه لم يحصل أنّه قد "لامس أي شخص بشكل غير لائق". إلا أنّه أوضح بأنّه إن كان هنالك من شعر بالأذى جراء ذلك، فذلك يعني أن ما حصل كان خاطئًا.
سلسلة من الاتهامات الجديدة
تصريحات كومو الإعلامية، واعتذاره عن بعض التصرفات التي بدرت منها، والتي ادعى أنها "أخذت على غير ما هو مقصود منها"، دفعت عددًا آخر من النساء اللواتي عملن أو تواصلن مع حاكم ولاية نيويورك إلى الحديث عن وقائع أخرى شعرن بالإساءة البالغة بسببها، واتهمنه فيها بالتصرف غير اللائق تجاههن، بما في ذلك التحرّش الجنسي.
فقد نقلت الواشنطن بوست عن كارين هينتون، وهي مستشارة عملت مع كومو حين شغل منصب وزير الإسكان الفدرالي، أنها قد تعرضت لموقف محرج مع كومو، حين عانقها بشكل حميمي، بعد أن استدعاها عام 2000 إلى غرفته الفندقية، وقالت إنها قاومته حين حاول تكرار ذلك التصرف. وهو اتهام نفاه كومو، ووصف هينتون بأنها "خصم سياسي". أما وول ستريت جورنال، فقد تحدثت مع آنا ليس، وهي مساعدة سابقة للسيد كومو، واتهمته بأن قد بادر في أحد الأيام إلى تقبيل يدها، وسؤالها بعض الأسئلة عن حياتها العاطفية، وهو اتهام علق كومو بشأنه، وقال إنه متسق مع طريقة تعامله الطبيعية مع الموظفين العاملين معه، وأنّ الأمر لم يكن محاولة للتحرّش أو المضايقة. كما توالت اتهامات أخرى من عدد من النساء، بعضهن تحدثن لصحف محليّة دون الكشف عن أسمائهن، كان من بينها اتهامات بالتحرّش الجنسي المباشر، وهو ما نفاه أندرو كومو، قائلًا إنّه لم يقدم على أي تصرّف يمكن تصنيفه ضمن "التحرش الجنسي".
تحقيقات من مكتب المدعي العام
وقد أطلقت المدعية العامة، وهي ديمقراطية، تحقيقًا مباشرًا بشأن الاتهامات ضد أندرو كومو، مستعينة بمحامي ادعاء فدرالي سابق في مانهاتن، ومحام آخر متخصص بقانون العمل، وسيكون للمحققين سلطات واسعة في النظر في الاتهامات ومتابعة القضية، بما في ذلك صلاحية الاستدعاء وطلب الوثائق والحديث مع الشهود، وإلزامهم بالحديث تحت "القسم"، والنظر في السجلات والأرشيف وسجلات الكاميرات. وسيصدر تقرير نهائي بالتحقيق ونتائجه، إلا أنّ إعداده قد يستغرق عدّة أشهر. وقد أعرب مكتب أندرو كومو عن الاستعداد الكامل للتعاون مع المحققين، وأن المكتب قد أوعز لكافة الموظفين والموظفات بتسهيل عمل المحققين والتعاون معهم في حال طلب منهم ذلك.
وقد أفاد التحقيق الأولي المستقل الذي أطلقته المدعي العام في الولاية، ليتيشا جيمس، بأن أندرو كومو قد تورط بالفعل بأشكال من التحرّش الجنسي ضد عدة نساء، وذلك بحسب ما أعلن عنه مكتب المدعي العام للولاية يوم الثلاثاء، 3 آب/أغسطس 2021. وقد وجد التحقيق بأن كومو قد تحرش بعدد من الموظفات الحاليات والسابقات في مكتبه، إضافة إلى عدد من النساء خارجه. وقالت ليتيشا جيمس إن التحقيق قد كشف عن تورط أندرو كومو بعملايت "ملامسة وتقبيل وعناق عن غير رغبة من الطرف الآخر"، كما أنه أطلق تعليقات غير لائقة في عدة وقائع.
وعلى إثر النتائج الأولية للتحقيق، تصاعدت الضغوط على أندرو كومو بالاستقالة من منصبه، وهو الموقف الذي تبناه الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن كذلك، إضافة إلى رئيسة مجلة النواب نانسي بيلوسي، وعضوا مجلس الشيوخ عن الولاية، والذين دعوا جميعهم كومو إلى الاستقالة على خلفية الاتهامات التي ثبتت في حقه بحسب تقدير المحققين، والذين رأوا أن حجم الاتهامات واتساقها بين جميع النساء يقوّض موقف كومو، بالرغم من إصراره على الإنكار.
ما يزال أندرو كومو مصرًا على نفي جميع الاتهامات الموجهة ضدّه كما أنه يرفض دعوات الاستقالة من منصبه
أما أندرو كومو، فما يزال مصرًا على نفي جميع تلك الاتهامات. وقال في تصريح صحفي يوم الثلاثاء الماضي: "دعوني أؤكّد لكم مباشرة وبشكل جازم أنني لم ألمس أي شخص على نحو غير لائق، ولم أقدم على أي مبادرة جنسية غير لائقة".
اقرأ/ي أيضًا:
تقرير رسمي: ثلثا المجنّدات في الجيش البريطاني تعرضن للتحرش الجنسي والتنمّر
تقرير صادم: 50 ألف حالة اعتداء وتحرش جنسي في الجامعات البريطانية سنويًا
كيرا نايتلي: لن أمثّل مشاهد عارية في أعمال يخرجها رجال