شهدت الأعوام القليلة الماضية سلسلة من حرائق الغابات الضخمة التي أرعبت العالم، كان أكثرها هولًا في تركيا واليونان، وفي الجزائر وأجزاء من تونس، وقبلها في لبنان والمملكة المتحدة وأستراليا، وفي الهند وسيبيريا والولايات المتحدة، وغيرها من بقاع اليابسة. وما تزال فرق الإطفاء المسنودة بالطائرات والمروحيات تكافح في عدد من البؤر الساخنة النيران التي تهدّد النظام البيئي برمّته، وتدلّل على عمق كارثة التحولات المناخية التي يرجّح العلماء أن العالم الحديث قد بات عاجزًا عن وضع حدّ لها، حتى لو أبدى رغبة في ذلك. نستعرض في هذا المقال كارثة حرائق الغابات حول العالم، أسبابها ونطاق انتشارها المتوقع في السنوات المقبلة.
حرائق الغابات ليست ظاهرة جديدة، إلا أن نطاق تأثيرها وفترات استمرارها، تزداد توسعًا من عام إلى آخر
عالم يحترق
من المعلوم أن حرائق الغابات ليست ظاهرة جديدة، إلا أن نطاق تأثيرها بات يتوسّع مؤخرًا حتى شمل مناطق لم يسبق لها أن كانت بؤرًا للحرائق. كما أن مدد اضطرامها تطول قبل خمودها أو السيطرة عليها. ففي أستراليا، نشب في العام الماضي أكبر حريق مسجّل ومعروف في غاباتها، كما شهد العالم حرائق واسعة في غابات الأمازون، التي عانت على مدى السنوات الثلاثة الماضية أكبر حرائق مسجّلة في تاريخها، وهو ما حصل في آسيا الوسطى، في مناطق لم تكن فيما مضى "نقاطًا ساخنة" تهدّدها الحرائق كما تهدّد مناطق أخرى في مواسم محدّدة من العام. وفي الولايات المتحدة، ضربت غاباتِ ولاية كاليفورنيا سلسلةٌ من الحرائق تعدّ أضخم حرائقها المسجّلة على الإطلاق، وهو ما حصل أيضًا في مناطق من أوريغون وواشنطن عام 2020.
أحد التحليلات البارزة التي نشرت منتصف العام الماضي، خلص إلى أن التغير المناخي قد جعل الظروف مواتية لاشتعال الحرائق على ذلك النحو غير المسبوق في أستراليا، في الحرائق التي شهدتها بين 2019 و2020، وأن تلك الظروف قد زادت من فرصة اشتعال الحرائق بنسبة 30 بالمئة على الأقل. وهو ما أكّدته مراجعة شاملة أجرتها مؤسسة "ساينس بريف" (Science Brief)، على 73 دراسة، جميعها خلصت إلى أن التغير المناخي في العالم يسهم في جعل الغابات "قنبلة موقوتة" يمكن أن تشتعل على نطاق واسع ووتيرة سريعة، وعلى نحو يهدّد الحياة البرية والبشريّة على السواء، ويستنزف الأغطية الحرجية الخضراء الضرورية للتوازن البيئي.
اقرأ/ي أيضًا: بالفيديو: مشاهد صادمة لحرائق الغابات في تركيا مع استمرار جهود إخمادها
إلا أنّ ثمة أبحاثًا أخرى قد لاحظت أنه وعلى الرغم من التغير المناخي وأثره في تهيئة الظروف المواتية لحرائق الغابات، فإن المساحة الإجمالية التي تحترق من الغابات سنويًا تشهد تراجعًا ملحوظًا في العقدين الماضيين، وقد وضعوا عدة تفسيرات لهذه المفارقة، منها تطور أساليب الكشف عن الحرائق ومكافحتها في العالم المتقدّم، إضافة إلى التغيّر الحاصل في استخدام الأراضي البريّة من قبل البشر، وتحويل الغابات والسهول العشبية، إلى مناطق زراعية، أو تطويرها حضريًا لاستيعاب الأعداد المتزايدة من السكان.
ففي هذا البحث المنشور في مجلة "Science" وجد فريق من الباحثين، بالاعتماد على بيانات من الأقمار الصناعية، أن المساحة التي أتت عليها حرائق الغابات قد تقلصت بنسبة تصل إلى 25 بالمئة خلال 18 عامًا، على الرغم من التغير المناخي والتأثيرات التي نجمت عنه. ويعدّ هذا التراجع في المساحات التي التهمتها الحرائق مؤشرًا مهمًا على حجم التغيرات التي يمكن أن تحصل على المناخ والغطاء النباتي وقدرة الطبيعة على تصريف الانبعاثات الضارّة وحبسها.
هذه المفارقة بين مسارات التغيّر المناخي والتأكيد على خطورتها على كوكب الأرض، والتراجع المسجّل في المساحات المحروقة من الغابات خلال عقدين من الزمن، تطرح على العلماء والباحثين العديد من الأسئلة الحساسة، سواء ما تعلق منها بالتغير المناخي والأنشطة البشرية الضارة بالبيئة، إضافة إلى مسائل أخرى ذات أبعاد اجتماعية وسياسية واقتصادية، لا يمكن تجاهلها في حال الحاجة إلى الوصول إلى إجابات أكثر وضوحًا بشأن ظاهرة حرائق الغابات في العالم.
متى وأين تندلع الحرائق في الغابات عالميًا؟
في أي وقت من العام، ثمّة حريق في غابة ما، في جزء ما من العالم. ثمّة خرائط تفاعلية حيّة تظهر باستمرار التنبيهات الخاصّة بحرائق الغابات حول العالم، مثل الخريطة التي تعدّها مؤسسة "غلوبال فوريست ووتش"، والتي تظهر أماكن توزّع حرائق الغابات في العالم خلال 24 ساعة ماضية.
ومن الضروري هنا تعريف "حريق الغابة"، ذلك أن المصطلح يشير إلى أي نوع من الحرائق التي لا يمكن التحكّم بها، والذي ينتشر في الأراضي البريّة، كالغابات أو المراعي أو السهول أو المستنقعات، وذلك للتفريق بينها وبين بعض الحرائق يمكن إشعالها بشكل مقصود ومسيطر عليه لبعض الأغراض العمليّة، خاصة في عمليات يطلق عليها اسم "الإحراق المحدد" (Prescribed Burning)، والتي تكون عادة تحت رقابة السلطات وموافقتها.
ولحرائق الغابات آثار هائلة على البشر والحياة البرية والغطاء النباتي، وعلى الاقتصاد بطبيعة الحال، وما يتبع ذلك من توترات سياسية واجتماعية. فحرائق الغابات تعدّ من أكبر الظواهر التي تسهم في زيادة انبعاثات الغاز، كما أنها مسؤولة عن 5 إلى 8 بالمئة من حالات الوفيات المبكر حول العالم والتي يتسبب بها تدني جودة الهواء.
وفي حين تندلع بعض حرائق الغابات بشكل طبيعي، ربما بسبب صاعقة برقية أحيانًا، فإن العديد منها يكون بتدخل بشري، سواء بشكل مقصود أو غير مقصود. وتقدّر نسبة الحرائق التي تندلع بشكل طبيعي، من دون خطأ أو تدخّل بشري، بحوالي 4 بالمئة فقط من مجموع الحرائق سنويًا. وتختلف النسب من منطقة إلى أخرى. ففي الولايات المتحدة مثلًا، 84 بالمئة من الحرائق سببها البشر، بشكل مقصود أو غير مقصود، بينما تنخفض هذه النسبة في كندا مثلًا إلى 55 بالمئة، بينما بقية الحرائق تحدث بشكل طبيعي.
الظروف التي خلقها التغير المناخي زادت من فرصة اشتعال الحرائق بنسبة 30 بالمئة على الأقل
وثمة مناطق أخرى تعرف بأن لها مواسم محددة خلال العام تنتشر فيها الحرائق، بسبب ظروف الجفاف أو بسبب بعض الممارسات والأخطاء البشرية، مثل عمليات الحرق الزراعي. كما أن ثمة مناطق أخرى حول العالم تعاني من أخطار اندلاع حرائق الغابات فيها على مدار العام.
اقرأ/ي أيضًا: 5 تحذيرات كبرى أطلقها التقرير الأخير للهيئة الحكومية الدولية للتغيّر المناخي
ومع أن حرائق الغابات تندلع في مختلف مناطق العالم، إلا أن الحرائق الأكبر والأسرع توسعًا تحدث غالبًا في الأراضي العشبية الشاسعة في أستراليا، وأفريقيا، وآسيا الوسطى، وفق البيانات التراكمية من وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا".
وتشهد أفريقيا على وجه الخصوص عددًا كبيرًا من الحرائق الكبرى سنويًا في أراضيها العشبية، بل إن بعض الباحثين يقدّرون بأن 70 بالمئة تقريبًا من حرائق العالم تندلع في القارة الأفريقية.
في العام 2019، شهد العالم سلسلة، غير مسبوقة حتى ذلك العام، من حرائق الغابات، على صعيد حجمها والوقت الذي استغرقته حتى أُخمدت أو خمدت. ففي المملكة المتحدة مثلًا، كان العام 2019 عامًا قياسيًا على مستوى المساحة الإجمالية التي التهمتها النيران، وقد وقعت معظم الحرائق حينها بين شباط/فبراير ونيسان/ابريل. أما في سيبيريا، فقد اندلع أكثر من 100 حريق هائل بين حزيران/يونيو وتموز/يوليو من العام 2019. وفي آب/أغسطس دمّرت الحرائق جزءًا كبيرًا من غابات الأمازون، في حريق قياسي يعدّ ثالث أكبر حريق سجّل في تلك المنطقة على الإطلاق. واستمرت الحرائق تندلع في بقية الأشهر من ذلك العام، حتى وصلت أمريكا الشمالية في أيلول/سبتمبر، وأندونيسيا، وقبل نهاية العام 2019 اندلعت أكبر حرائق أحراش شهدتها أستراليا في تاريخها الحديث.
ثمّ دارت الدائرة من جديد، في العام 2020، وسجّلت حرائق في مناطق جديدة، في جنوب غرب الصين مثلًا، حيث قتلت الحرائق 19 شخصًا، وأجبرت 25 ألفًا على إخلاء مساكنهم. أما المنطقة التي كانت الأكثر التهابًا للعام الثاني على التوالي، فكانت سيبيريا، والتي سجّلت ما عرف باسم "حرائق الزومبي"، وتسببت في إطلاق ملايين الأطنان من الانبعاثات الضارة، وهو ما تكرّر هذا العام أيضًا، وعلى نطاق أوسع مما مضى.
هل يعني أن الحرائق ستزداد بشكل مطّرد سنويًا؟
بالنظر إلى البيانات المسجّلة المتعلقة بالحرائق خلال العام 2019، و2020، وما يشهده العالم من حرائق مستمرّة ومتصاعدة النطاق خلال العام 2021، فإن مستقبل حرائق الغابات في العالم سؤال يبعث على الرعب لدى المختصين والمراقبين والناشطين البيئيين. فحرائق الأمازون سجّلت خلال العام 2020 رقمًا قياسيًا جديدًا في آب/أغسطس، كما تمّ تسجيل حرائق قياسية غير مسبوقة من العام 1998 في الأراضي الرطبة في البرازيل، المعروفة باسم "بانتانال"، والتي تعدّ واحدة من أكبر مناطق المستنقعات والمراعي الشاسعة في العالم. وقد استمرّ النمط ذاته في الولايات المتحدة، حيث تم تسجيل حرائق قياسية في كاليفورنيا، وعموم الساحل الغربي، والذي توقّع الخبراء أن يشهد حرائق غير مسبوقة منذ بدء توثيق الحرائق في بداية الثمانينات. وفي هذا العام، سجل في كاليفورنيا "حريق ديكسي"، الذي بات الحريق الأكبر في تاريخ كاليفورنيا، وأتى على أكثر من 1،811 كم مربع من الأراضي.
أما في أوروبا والشرق الأوسط، فقد تسبب الحرائق بدمار هائل في الغابات والممتلكات والثروة الحيوانية والقطاع السياحي، وهو ما شهدته كلّ من تركيا واليونان، كما أودت الحرائق البريّة بحياة العشرات في الجزائر خلال الأيام الماضية، إضافة إلى إخلاء الآلاف من مساكنهم بعد أن وصلتها النيران من الغابات المجاورة. وفي روسيا، اضطرت السلطات إلى إخلاء بعض القرى النائية في سيبيريا، والتي تشتعل بها الحرائق في 155 موقعًا على الأقل، مسببة "جحيمًا" غير مسبوق في تلك البقعة البعيدة المهجورة، والتي بالرغم من كونها بعيدة، ولا تكترث بها وسائل الإعلام كثيرًا، إلا أنّها من أكثر الحرائق التي تثير قلق العلماء والمختصين.
"جحيم" سيبيريا
وفق وكالة "كوبيرنيكوس" الأوربية لمعلومات تغير المناخ (CAMS)، فإن الحرائق المشتعلة في سيبيريا منذ حزيران/يونيو الماضي قد أطلقت في الجو أكثر من 188 ميغاطن من الكربون، وهو ما يعادل 505 ميغاطن من ثاني أكسيد الكربون، وهو رقم ليس بعيدًا عمّا تطلقه دولة كبرى مثل ألمانيا من الملوّثات خلال عام كامل. وقد دمّرت النيران في تلك المنطقة التي تشهد درجات حرارة غير مسبوقة حوالي 500 ألف كم مربع من الغطاء النباتي، وفق التقديرات المسجّلة نهاية تموز/يوليو الماضي.
المتوسّط.. من الجنّة إلى الجحيم في أسبوع واحد
شهدت منطقة المتوسط هي الأخرى ارتفاعًا أعلى من المعدل في درجات الحرارة هذا الصيف، حتى وصلت في بعض المناطق في تركيا وقبرص إلى 50 درجة مئوية، وفي اليونان سجّلت درجة 45 مئوية، وقد شكّلت هذه الدرجات المرتفعة من الحرارة المتزامنة مع توسّع المسطّحات الجافّة، إلى تحويل الغابات إلى قنبلة موقوتة. فسرعان ما اندلعت الحرائق في تركيا، لتكون أسوأ حرائق غابات منذ عقد على الأقل، وكذلك جزيرة إيفيا اليونانية، البعيدة عن العاصمة أثينا 100 كم فقط، والتي شهدت أسوأ كارثة بيئية في تاريخها بسبب الحرائق الهائلة التي دمرت غاباتها.
وفي حين يمكن للسلطات أن تتحدث عن تورّط بعض الأطراف في إشعال بعض الحرائق هنا أو هناك، إلا أن الباحثين يؤكدون على أن للتغيّر المناخي عواقب تسهم في زيادة خطورة اندلاع حرائق الغابات الشرسة، وأهمّ عامل يعزى للتغيّر المناخي هو ما يتسبب به من زيادة الجفاف في الأراضي العشبية، ما يعني زيادة خطر اندلاع وتفشي الحرائق في وقت قياسي، وصعوبة السيطرة عليه بشريًا.
فعندما تزداد الحرارة تزداد معدلات التبخر، ما يعني سحب المكونات الرطبة من النباتات والأرض، وهذا الجفاف كفيل بخلق ما يعرف باسم "ظروف علبة النيران" (TinderBox Conditions)، والتي تعني أنه وبمجرّد شرارة نار واحدة، يمكن أن تهتاج النيران بسرعة لتأكل مساحات شاسعة من الأراضي والغابات. وهي نفس الظروف التي يمكن أن تنشأ في ظروف الجفاف التي تضرب بعض المناطق.
ووفق دراسة نشرت عام 2015، فإن معدل عدد الأيام التي تستمر بها حرائق الغابات بالاشتعال، قد ازداد بشكل مطرد خلال السنوات الماضية، نتيجة للتغيّر المناخي. وثمّة أدلة معتبرة، وفق دراسات أجريت على عدة مناطق حول العالم، تؤكّد على أن التغير المناخي يخلق ظروفًا جويّة ملائمة لاندلاع حرائق الغابات واشتعالها بمستويات شديدة الضراوة، وذلك لأن قابلية اشتعال الأراضي في تلك الظروف تكون عالية.
إلا أنّه تجدر الإشارة إلى أن الدراسات الشاملة المنجزة التي تؤكّد الرابط بين التغيّر المناخي والحرائق في مختلف مناطق العالم ما تزال قليلة، نظرًا للصعوبات الجمّة التي تعترض الباحثين في هذا المجال. فثمة العديد من العوامل الجويّة المتغيّرة التي لا بدّ من أخذها بالاعتبار في كلّ مرة، مثل درجة الحرارة والهطل المطري، وسرعة الرياح أيضًا، والتي تؤثر بشكل كبير على حركة النيران، إضافة إلى مستوى الرطوبة في التربة، والذي يؤثّر على حجم الحرائق.
كل هذه العوامل المتغيرة والمؤثرة على ظاهرة حرائق الغابات تجعل من الصعب إجراء دراسة إطارية شاملة توضّح الصورة الكاملة لأثر التغير المناخي على احتمالية نشوب الحرائق وعلى مدى شدّتها وسرعتها. كما أنّ تعدّد هذه العوامل وتغيرها يعقّد مهمّة الباحثين في الحصول على بيانات طوليّة وآنيّة دقيقة يمكن الوثوق بها، خاصة في المناطق النامية من العالم.
لكن لم تراجعت المساحات التي تلتهمها النيران خلال السنوات الماضية؟
وبالنظر إلى التزايد المستمرّ للتغيّر المناخي في العالم، وتأثيره على الظروف الجويّة، فإنه يحقّ لنا أن نفترض بثقة بأن المساحات التي تطالها الحرائق كل عام في ازدياد. إلا أن العديد من الأبحاث التي تراقب حرائق الغابات عالميًا قد لاحظت خلاف ذلك. فوفقًا لورقة نشرت في مجلة "Science"، فإن إجمالي المساحة التي طالتها نيران الحرائق قد انخفضت بنسبة 25 بالمئة تقريبًا بين العامين 2003 و2015.
إلا أن العلماء يقدمون عدة تفسيرات للتراجع الحاصل في المساحات التي تلتهمها النيران عالميًا، على الرغم من تزايد الاحترار العالمي وعدم تراجع التغيّر المناخي. ولعل السبب الأكثر أهمية وتأثيرًا هنا، هو التغيرات الواسعة على الاستخدام البشري للأرض، خاصة في مناطق الساحل الأفريقي. وهذا ما يؤكده الباحث الذي شارك في إعداد الورقة البحثية التي رصدت هذا التقلص في المساحات المحروقة عالميًا، حيث يقول:
"ليس الأمر مرتبطًا وحسب بالتغير المناخي. فلقد لاحظنا خلال العقدين الماضيين تراجعًا في المساحة المحروقة عالميًا، وهذا يعود بشكل رئيسي إلى التغيّر في استخدام الأرض. فثمة مساحات شاسعة، خاصة في أفريقيا، كانت سهولًا عشبية (سافانا)، إلا أن النموّ السكّاني الحاصل في تلك المناطق، تم تحويلها إلى أراض زراعية وحضريّة."
ومن المعروف أن السافانا هي مساحات من الأراضي العشبية والأشجار المتفرقة على أطراف المناطق الاستوائية، وهي تغطي قرابة نصف إفريقيا، وهي أراض معروفة بأنها بيئة خصبة للحرائق منذ آلاف السنين. إلا أن السنوات الماضية قد شهدت عمليات واسعة لتحويل هذه الأراضي إلى أراض زراعية، لتلبية الطلب المتزايد طردًا مع التزايد المتسارع في النمو السكاني. ومع تقلص تلك المساحات التي كانت فيما سبق أراضي عشبية، فإنها ستكون بمنجىً عن الحرائق.
هذا التقلص الحاصل على مساحات الأراضي المحروقة خلال العقدين الماضيين لوحظ كذلك في أجزاء من أمريكا الجنوبية، وفي مدغشقر، وأجزاء من جنوب شرق آسيا، حيث يتم العمل على تحويل المناطق البريّة ذات القابلية الأعلى للاشتعال، إلى أراض زراعية رطبة.
ثمة أسباب أخرى أشار إليها الباحثون تفسر هذا التراجع في الأراضي المحروقة في بعض الدول المتقدّمة مثلًا، وهي تزايد القدرات التقنية لديها للكشف عن الحرائق والسيطرة عليها ومكافحتها.
ثمة أسباب تفسر هذا التراجع في الأراضي المحروقة في بعض الدول المتقدّمة مثلًا، وهي تزايد القدرات التقنية لديها للكشف عن الحرائق والسيطرة عليها ومكافحتها
رغم ذلك، يقول مارك بارينغتون، وهو من كبار الباحثين في وكالة "كوبيرنيكوس" الأوروبية لمعلومات تغير المناخ، فإن شكل ونطاق هذه الحرائق حول العالم، في الأمريكيتين، وفي سيبيريا، وشمال أفريقيا، والمتوسط، يدلّ على أن موجات الحرّ قد باتت أكثر حرًا، وأن الظروف الجافّة تهدّد باشتعال المزيد من الحرائق وتوسعّها، واستمراراها لفترات أطول قبل السيطرة عليها وإخمادها، مقارنة بالسنوات الماضية. وعلى الرغم من كون نشاط الحرائق يعتمد على بعض الظروف الجويّة التي قد تتفاوت من عام إلى آخر، إلا أن الوضع العام يؤشّر إلى أن الحرائق ستزداد سوءًا في المستقبل، مع تزايد درجات الحرارة والجفاف في أشهر الصيف.
لا يمكن الجزم علميًا بما قد يشهده العالم من حرائق للغابات في السنوات المقبلة، إلا أن استمرار التغيّر المناخي ينذر بتوسّع الظاهرة
ومن بين كل هذه المناطق التي سبقت الإشارة إليها، يبدو أن سيبيريا على وجه التحديد هي التي شهدت هذا التدهور المتواصل من عام إلى آخر، على مدى السنوات الخمسة الماضية على الأقل. أما في بقية المناطق، فثمّة تباين في الأرقام والنشاط المسجّل من عام إلى آخر، وهذا ما يحول دون الجزم بما يمكن أن يكون عليه الحال في السنة المقبلة أو السنوات التي تليها.
تجدر الإشارة أخيرًا إلى أن لحرائق الغابات، رغم العديد من آثارها المدمّرة، بعض المنافع غير المباشرة. فوفقًا لدائرة الغابات الوطنية الأمريكية، تساعد حرائق الغابات في القضاء على أعداد ضخمة من الحشرات الضارّة، والتخلص من بعض أنواع النباتات الطفيلية المضرّة بالأشجار الحرجية والنظام البيئي داخل الغابات، وتوفير العناصر الغذائية المهمّة لنموّ نباتات وأشجار جديدة. فثمّة أنواع من الأشجار تعتمد في تكاثرها على الحرائق، إذ تتفتّح مخاريط بذورها في درجات الحرارة العالية، ما يعني فرصة نموّ غابات في بقع جديدة، ولاسيما مع زيادة إمكانية وصول أشعة الشمس إليها.
اعتمدت هذه المقالة بشكل أساسي على ترجمة أجزاء من المصادر التالية:
-
Explainer: How climate change is affecting wildfires around the world
-
The devastating wildfires of 2021 are breaking records and satellites are tracking it all