حسب الشيخ جعفر (1942 - 2022) شاعر عراقي من محافظة ميسان. تخرج من معهد غوركي للآداب في موسكو عام 1966. عينَ رئيسًا للقسم الثقافي في إذاعة بغداد 1970 - 1974، ومحررًا في جريدة الثورة العراقية.
من دواوينه الشعرية: نخلة الله، الطائر الخشبي، زيارة السيدة السومرية، عبر الحائط في المرأة، وفي مثل حنو الزوبعة. ولهُ مؤلفات في السيرة، وترجمَ عن شعرًا من اللغة الروسية.
اختيرت هذه القصيدة من ديوان "الطائر الخشبي" الذي قال عنه الشاعر عواد ناصر في مقال منشور في الترا صوت: "سجّل هذا الديوان لحسب براءة اختراع القصيدة المدوّرة، بروح عراقية وبصمة عربيّة، حيث المغامرة الجديدة، كتقنيّة، لم تباغت الشّعر وتربكه، بل أمدّته بطاقة فنيّة متدفّقة، لا تحسب أيّ حساب، لمقتضيات السّياق النقديّ السّائد، ولا تتوقّف عند مقتضيات المنطق الصّارم للغة الدارجة".
العشب والحيوان والنار القديمة أصدقائي،
الريح تحمل لي أريج الحندقوق، العشب
والحيوان والنار القديمة أصدقاء صبية خجلى،
ارتجفت أمام عينيها، ضممتُ، بكت، وما كنا
سوى طفلين يحتضنان بعضهما، ارتشفت، ولم أذق
من قبل غيرهما، ندى شفتين، تحمل لي أريج
الحندقوق الريح، في قصب الضفاف؟ الماء
يجري؟ الفجر كان نداوة وشذى قديم،
ضباب قديم
ونهر قديم
الماء في الضوء القديم، الماء في الظل القديم
الماء يحمله صغيرًا، عمره يومان، حلوًا نائمًا،
يلتف حول العنق منديل، وتنفتح العيون
الخضر تحت الماء، ذا نغل؟ أنحمله إلى البستان؟
عمي ادفنه تحت النخل.. قيل: تعيش خلف
سياجها القصبي امرأة أحبت واحدًا من صبية
الجيران، قيل: عيونها خضر وخداها مرايا
قيل: أرملة إذا انحلت ضفائرها ارتمت
ذهبًا يشع على البساط.. لمحتها يومًا، أتذكر
أيها النهر القديم؟
ضباب قديم
وفجر قديم
أحببت وجهك؟ وجه ابنتك؟ ارتجفت أمام
عينيها، أعدني أيها النهر القديم، أعد مذاق
الحندقوق، وددت لو أطوي يديّ عليك
أبكي يا ابنتي ابكي ويضحك في عيونك كوكبي
اللاهي.. إلهي لو أعود، أعود طفلًا في رذاذ
الريح يخفق ثوبه البالي، معًا نعدو وراء التل
طعم الخبز والرشاد في شفتي.. طعم القبلة
الأولى، والبروق الخضر تخطفني، أقص عليك
شيئًا عن كنوز الجن؟ يحرقني شحوبٌ في يديك
أتفهمين، الماء والسفن الثقيلة والنخيل
الماء يجري، الفجر كان مدثرًا بالسحب كان
شممت عشبًا يابسًا وندى يشع، شممت
عشًا دافئًا في الفجر، أنكرني دخان الروث
والكرب المبلل، أنكرتني النار والطين القديم
بحثت عن ثوبي الممزق وارتعاشة هيكلي المهزول
تنبحني كلاب طفولتي البيضاء.. (أزرق كان
وجهك في زجاج الريح، مرتجفًا أراك، يداك
تلتقطان ريش البطة المذبوحة البيضاء، أسمع
كالصدى الخابي عويلك واطفاق الريح والسعف
الشتاء يحط قربك لقلقًا ويفر، بيت
من حجار ضمنا بيت وراء النخل نبنيه ويهدمه
اللصوص، والتر تسهر فوق وجهك.. لعبة
الصبر القديمة في يدي تحطمت، وجهي على
لهب المرايا وردة تبتل حين أراك تبكي، البطة
البرية البيضاء، من يدري، اتخفق في ضباب
عيونك الساهي القديم؟ تلم شعري بقايا
القش حين تعود نحجلُ..) أنكرتني الريح،
جفَّ دمي القديمُ، الماء يجري، امتد قوس
من شفاهك، هل يمر حنيني الهمجي؟ يدفق
في عروقي الطين واليقطين، ما انهدمت غصونك
في يديَّ، إليّ ورقي المخبأ في الجذور،
أتحتَ هذي النخلة العجفاء يغفو صحو أوراقي؟
اتركي في راحتي نعومة أو رعشة من وجنتيكِ
يمر دونهما الزمانُ وتخفقان مدى انتظاري
الماء يجري، واحفري في مقلتي وفي يدي
شحوب وجهك كلما أصحرت في شفة الهجير
ارتحت في ظل ندي من طراوة هدبك الخجلان
وجهك صحو أوراقي القديم
ضباب قديم
طين قديم..
(وأضم، في خجل، يديَّ على بقايا دفء ليلٍ
مقمر، والنخل بات يجوده طل يهف الى
الصباح، وفي ارتخاءٍ كنتُ ارقص في ارتخاء،
حلوة بيضاء كنتُ.. تضيء وجهك ضحكة قمرية
في مقلتيها، حلوة مثلي؟ انزلقت على يديها
متعبًا خجلان تغرب في شحوب يدي
القديم) الماء يجري، العشبُ والحيوان
والنار القديمة اصدقائي، الماء يجري، وجهي
القروي يهرم في المقاهي
فانفضي عن جبيني الغبار
وامسحي عن جفوني المطر
وجهك الحلو في كل بار
مر بي فانتشر
في عروقي الضباب القديم.