تتزايد المؤشرات على توجه إسرائيل لفرض حكمٍ عسكري في قطاع غزة. فنظرًا لعدم ثقة الحكومة الإسرائيلية بالبدائل المطروحة على الطاولة للسيطرة على القطاع، تولدت لديها قناعة بضرورة الاحتفاظ بوجود دائم فيه، ولن يكون ذلك إلا بإنشاء منطقة عسكرية خالية من المدنيين في شمال غزة.
وقد تكون هذه المنقطة تمهيدًا لإعادة المستوطنين والمستوطنات إلى قطاع غزة، وهذا بالضبط ما يدعو إليه رموز الصهيونية الدينية في حكومة الاحتلال، مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش. لكن هذا التوجه الذي أصبح قناعةً إسرائيلية، لم يتم حتى اللحظة اتخاذ قرار سياسي بشأنه حسب صحيفة "يديعوت أحرنوت".
ورصدت وسائل إعلام إسرائيلية مجموعة من الخطوات التي تُثبت أن حكومة الاحتلال أصبحت قاب قوسين أو أدنى من فرض حكمٍ عسكري في غزة، الأمر الذي يرى فيه متابعون "تغييرًا جذريًا في استراتيجيات حكومة نتنياهو العسكرية والاستيطانية".
أهم الخطوات على تطبيق استراتيجية الحكم العسكري
ضمن مساعي فرض السيطرة الدائمة على غزة، قام جيش الاحتلال الإسرائيلي مؤخرًا بتوسيع نطاق القوات العسكرية بشكل تدريجي، وتزامن ذلك مع إنشاء مواقع عسكرية جديدة في مواقع حساسة. وفي السياق ذاته، جرى تمديد شبكة الطرق التي يسيطر عليها الجيش في أنحاء مختلفة من قطاع غزة.
لا يحظى خيار الحكم العسكري لغزة بدعم المستوى الأمني، بينما تؤيده رموز الصهيونية الدينية في حكومة الاحتلال بقوة
وعلى مستوى آخر، أكدت صحيفة "يديعوت أحرنوت" أن وزارة الأمن في إسرائيل بدأت تنسق مع شركات خارجية تعمل تحت إشراف إسرائيلي مباشر، وذلك لتنسيق المساعدات الإنسانية في غزة، وهي خطوة تعتبر يديعوت أحرنوت أنه "لم يكن من الممكن تصورها قبل هذا التوقيت"، فلطالما كانت المساعدات الإنسانية تقدم ضمن قنوات دولية معروفة.
ضغط الجناح الديني المتطرف يُثمر نتائجه
لا يمكن تفسير التحول نحو استراتيجية تنفيذ الحكم العسكري في غزة دون أن نأخذ بعين الاعتبار توازنات وحسابات الحكومة الإسرائيلية. ففي حين كان وزير الأمن السابق يوآف غالانت يعارض خطط الاستيطان في غزة، كان سمو تريش وبن غفير يدفعان نحو خيار الحكم العسكري وعودة المستوطنات والاستيطان إلى غزة. وبإقالة غالانت وتعيين يسرائيل كاتس مكانه، يبدو أن الخطط الاستيطانية التي يدفع نحو الجناح المتطرف في طريقها إلى التنفيذ.
الملاحقة القانونية والإدانة السياسية
يواجه التوجه الإسرائيلي لفرض حكم عسكري في غزة وإعادة المستوطنات إلى القطاع المحتل تحديات قانونية وسياسية، فالحكومة الإسرائيلية، حسب "يديعوت أحرنوت"، تتعرض لضغوط قانونية كثيرة، على رأسها تلك المطروحة في محكمة العدل الدولية ومنظمات حقوق الإنسان. إذ ليس من المستبعد، أن تسفر الملاحقات القانونية لإسرائيل عن نتائج خطيرة على المستوى الدولي، وأن تتم "ملاحقة قادة إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي بسبب تعاملهم مع الفلسطينيين في القطاع".
إضافةً إلى هذا التحدي القانوني، هناك ثمن سياسي واقتصادي يواجه حكم غزة عسكريًا، ففي حال تحملت إسرائيل مسؤولية إدارة القطاع أو حكمه، ستجد نفسها "معنيةً بتلبية احتياجات السكان الفلسطينيين من مساعدات إنسانية وكهرباء وصرف صحي، وهو أمر قد يكون صعبًا في ظل الوضع الراهن"، وفقًا لـ"يديعوت أحرنوت".
يضاف إلى ذلك أن مسألة الحكم العسكري لغزة لا تحظى بإجماع داخل إسرائيل، حيث تعارضها العديد من الأحزاب، بل إن أوساطًا في حزب الليكود تعارض هذا التوجه أيضًا، فضلًا عن صعوبة الإقناع بهذه الخطة خارجيًا، حيث ترفض بعض الدول العربية والقوى الدولية هذا التوجه.
ومع ذلك، من الملاحظ أن حكومة نتنياهو لا تكترث كثيرًا بتلك التحديات والمشاكل، فهي تحاول قدر الإمكان "استغلال فرصة ما بعد الحرب في غزة للتغيير الدائم في الواقع على الأرض".
وفي هذا الصدد، يتم الحديث عن استراتيجية أخرى غير بعيدة من استراتيجية الحكم العسكري، وهي إقامة "مناطق آمنة داخل غزة" تؤوي الفلسطينيين، لكن الهدف الرئيسي منها هو "الفصل العسكري الدائم بين الفلسطينيين في غزة وإسرائيل".
تجدر الإشارة إلى أن بعض دوائر صنع القرار في إسرائيل، وقطاع من معارضة نتنياهو، يتحدثون عن بديل آخر للحكم العسكري، وهو تمكين السلطة الفلسطينية من إدارة غزة، لكن نتنياهو يرفض بقوة مثل هذا الطرح.
أما بالنسبة لفكرة الإدارة الإقليمية أو إدارة غزة من طرف جهات متعددة، والتي يمكن لنتنياهو قبولها، فإن الأطراف المعنية ترفض "ممارسة أي دور داخل قطاع غزة طالما استمرت قوات الاحتلال في الانتشار هناك".