02-مايو-2019

الشيف الفلسطيني سفيان مصطفى (الترا صوت)

في مدينة القدس، ولد الشيف سفيان مصطفى، لأسرة توارثت المطبخ جيلًا بعد جيل، فالأم كانت ابنةً لطباخة في البلاط المغربي، عُرفت بحسن موائدها، ومن ثم نقلت ما لديها من معرفة وفنون لبناتها، لتنهل الأم من علمها وذوقها، وأضافت على ذلك المعرفة بالنباتات والأعشاب ومواسمها، وأجزاء اللحوم، وفوق كل ذلك صاحبة ذوق رفيع وخيال مبدع، لم تتقيد بالدارج والمألوف، وإنما تقنعت بروح المغامرة.

الشيف سفيان مصطفى: بدون اللغة لا يمكن أن يكون هناك مطبخ، وبدون طبخ لم يكن الإنسان قادرًا على إيجاد لغة وصنع ثقافة

كان لهذا كله مردود على اهتمام سفيان الصبي - حينها- بالمطبخ، فقد بدأ اهتمامه مبكرًا بالمطبخ، حتى وإن لم يكن في أحد خططه للمستقبل، بالإضافة لدور الأب الذي كان يعمل صحفيًا، ما فرض على الأسرة كثيرًا من التجوال لطبيعة عمله، ما بين يافا وحيفا والقدس وعمّان مرورًا بالكويت وانتهاءً بالدوحة، فقد ساعد هذا الأم لزيادة معرفتها وانفتاحها على المطبخ العربي باختلاف قومياته، كما سمح للابن بأن يخالط كل العرب باختلاف ثقافاتهم وفنونهم وكذلك مطابخهم، حتى أصبح مطبخ الأم جامعًا لمطابخ الأمة من مشرقها لمغربها.

اقرأ/ي أيضًا: المطبخ العربي في أوروبا: هل يقدم رأيًا ثقافيًا؟

الملفت في الأمر أن خلال فترة تكوين الشيف سفيان مصطفى لم يكن المطبخ جزءًا من خططه، حتى أنه انتقل إلى بريطانيا ليدرس الهندسة، وبالفعل امتهنها خمس سنوات بعد التخرج في مصنع الحديد والصلب بدولة قطر. لكن أثناء دراسته لم يستسغ استبدال طعام أمه بآخر من صنع العائلة البريطانية التي أقام معها، فبدأ التأمل في طعوم طعامها بالتجربة بعد الأخرى، معتبرًا ذلك تواصلًا مع موطنه من خلال المطبخ.

اشتد المرض على الأم في آخر عمرها، وفي إحدى الزيارات قرر سفيان تولي مهمة إطعامها، واستمر في خدمتها بإعداد ما تشتهيه من طعام، بعد أن جعله مناسبًا لحالتها الصحية، حتى وافتها المنية، ومن وقتها قرر أن يهب وقته ومجهوده لخدمة مطبخ أمه الفلسطيني، إكرامًا لوالدته، فأصبح محور بحثه ودراسته وكتاباته ومجمل عمله، ليخرج انشغاله من المطبخ الفلسطيني فقط حتى شمل المطبخ العربي عامة، حتى وصل إلى مشروع "من مكة إلى قرطبة".

في هذا الحوار الذي أجراه "الترا صوت" مع الشيف سفيان مصطفى، نتطرق للحديث حول رحلته من الهندسة إلى المطبخ العربي، وأهمية المطبخ وتأثيره على الهوية العربية، وعن تداخل اللغة والمطبخ، والفرق بين الرغبة في الأكل والشهوة للطعام.


  • يبدو من دراستك للهندسة أن الطبخ لم يكن ضمن خططك، خاصةَ وأنك امتهنتها قرابة خمس سنوات، فمن أين كان التحول؟

صحيح، لقد درست الهندسة، ولكني تبنيت المطبخ من منطلق وطني، مرض الوالدة كان البداية، تبنيت وقتها مطبخ أمي الذي قلت لنفسي يجب ألا يموت، بعدها حصلت على الجواز البريطاني وذهبت إلى فلسطين المحتلة، وبقيت هناك أربع سنوات بدأت خلالها، فذهبت إلى مدينة الناصرة وأسست مطعم الزيتونة، وقدمت فيه بعض الأطباق التراثية بحلة العصر، وخلال ذلك كنت أكتب في جريدة فصل المقال.

سفيان مصطفى
الشيف سفيان: المطبخ في اللغة العربية هو العقل

وفي يوم أرسل لي رئيس التحرير نسخة من مقال للباحث ديفيد وينز، مسؤول الدراسات الإسلامية في جامعة لانكستر البريطانية عن المطبخ العربي وأطباق يزيد عمرها عن الألف سنة من بغداد. مقاله أثار في الفضول لأعرف أكثر، فوجدت العديد من كتب الطبخ العربية من القرون الوسطى من الشام وبغداد ومصر والأندلس، سعيت إلى الحصول عليها، وعندما تصفحتها كنت أجد أكلات كما كانت تعدها أمي.

قلت لنفسي حينها إن مطبخ أمي الفلسطيني ما هو إلا المطبخ العربي بترجمة فلسطينية، مثله مثل كل مطابخ الدول العربية، وخرجت بنتيجة أن هذا المطبخ هو مطبخ الجميع، الكل شارك فيه: المصري الحجازي والشامي، وغيره. 

وبالإضافة إلى مطبخ فارس، فهذا المطبخ تشكل تحت مظلة الحضارة الإسلامية والإسلام هو من عَوْلَمه، حين دمج كل مطابخ المنطقة إلى بعضها، فبدأ هذا بانتشار أطعمة الحجاز في عصر الخلافة الراشدية، لأنها طعام الرسول. وفي زمن الخلافة الأموية انتشر المطبخ الشامي ثم العباسي والأندلسي والفاطمي وهكذا، أما المطبخ العباسي فكان مزيجًا بين طعام بلاد الرافدين وطعام الفرس.

  • إذًا كان مطعم الزيتونة هو البداية، هلّا أخبرتنا عن التجربة، وكيف تحولت الفكرة إلى مشروع "Taste Of Jerusalem"؟

بعد عودتي إلى فلسطين المحتلة، ذهبت إلى مدينة الناصرة، وبرزت لدي فكرة تأسيس مطعم الزيتونة، وكانت هذه هي تجربتي الأولى في مطعم، فكان أول ما فعلته هو تخلية طعامنا الذي سنقدمه مما قد علق فيه من إضافات وتأثيرات سلبية نتيجة الاحتلالات والعولمة، ومن ثم كانت مرحلة تطوير هذه الأطباق بما يناسب العصر وتجديديها لتتماشى مع المطابخ العالمية، حتى خرجت أول قائمة طعام من إعدادي، قدمت فيها بعض الأطباق التراثية بعد أن ألبستها حلة عصرية دون أن العبث في طعوم الأطباخ أو المساس بالهوية العربية للمطبخ.

لم أكن طباخًا ولم أدرس الطبخ في ّجامعة ما، ولم يعلمني أحد كيف أطبخ، ولكن في تجربة الزيتونة كان يصاحبني عزم وإصرار ورؤيا، وهدف وضعته نصب عيني. ولاقت لائحة طعام المطعم استحسانًا كبيرًا من الجمهور والنقاد والإعلام المحلي، واستمرت فكرة المطعم، لا أطباقه، في مطعم "أزكادنيا" بالقدس بعد ذلك، وبعد ما يقارب عشرة أعوام انتقلت الفكرة إلى مقهى "فتّوش" في مدينة حيفا.

بعد ذلك تأسست شركة "Taste Of Jerusalem" في بريطانيا لإنتاج سلسلة كتب وصفات "من مكة إلى قرطبة"، وللتعليم والاستشارات. وبدأنا إنتاج سلسلة الكتب قبل قرابة ثلاث سنوات، وكان الهدف الرئيسي من السلسلة هو توثيق الطعوم العربية التراثية التي توصلت إليها خلال بحثي، وليست الأطعمة، فالأطعمة كلها من اختراعي، لذلك فأنا أعتبر "Taste Of Jerusalem" عنوانًا يجمع هذه المجموعة من الكتب أكثر من كونها شركة.

  • في كتاباتك دائمًا ما تتحدث عن ضرورة الحفاظ على الطعوم لا الطعام، فما الفرق؟

صحيح، الطعام هو الشيء الذي تقوم بأكله، يعني مثلًا الملوخية طعام وكذلك الكشري، ولكن ما هو "طعم" هذه الأطباق؟ هنا يكون الفرق، فعلى سبيل المثال: إذا تكلمنا عن طعم الكشري، ستجد أن طعم الكشري بشكل أساسي ناتج عن البصل المحروق (التقلية) والصلصلة، إذا لم يُضَف إلى الطبق مكون العدس، ستجد أن الطعم لن يختلف، وكذلك في أكلة فلسطينية مثل "المجدرة"، إذا قمت بإضافة صلصة الكشري إليها فستفقد طعمها الأصلي وتتحول لكشري، هذا كان الأساس الذي اعتمدت عليه تجربة مطعم الزيتونة، أي أن يكون تجديد في الطعام لا الطعوم، لأن الطعوم هي أساس المطبخ.

المطبخ العربي
الشيف سفيان مصطفى: تشكل المطبخ الفارسي تحت مظلة الحضارة الإسلامية

لذلك فالطعوم بالنسبة لي هي أهم ما يجب أن نهتم به للحفاظ على مطبخنا التراثي، فهي أساس هوية المطبخ، وهذا ما قامت عليه قائمة طعام مطعم الزيتونة، ولذلك عندما بدأت في التعامل مع الأكلات التي التراثية قمت في البداية بالفصل بين مكونات الطعام عن الزيادات التي تضفي طعوم جديدة على هذه الأطباق، ومن هنا كان التجديد في الأطباق (الطعام)، على أساس عدم التعرض للطعوم الأصلية، فالطبيعي أن تتغير الأطعمة عبر الزمان ومن انتقالها من مكان لآخر، أما الطعوم فثابتة، وإذا دخل أي تغيير عليها خرجت من مطبخها، كما يحدث فيما نسميه باستيراد الأكلات، بإضافة طعومنا الأصيلة، فمثلًا الكشري هندي، وغالبًا أنه جاء إلى مصر حيث تمت إضافة الصلصلة والمعكرونة إليه، ليصبح بطعومه الجديدة جزءًا من المطبخ العربي.

  • هل يمكن الحفاظ على هوية المطبخ العربي في وقت أصبح العالم فيه منفتحًا على بعضه، والكل مُطّلع على مطبخ الآخر؟

خلال دراستي للمطبخ، كان شغلي الشاغل هو دراسة طعومنا العربية وفرزها ووضع قواعد للطعم العربي، بحيث لا يتأثر الطعم الأصلي للمطبخ، والمفترض أن يكون الطعم هو الضابط لكل أطباقنا التراثية. 

أنا شخصيًا لا أرى مشكلة في طبخ الأطباق الأجنبية، ولكن المشكلة تكمن في نسبها للمطبخ العربي، فهذا يؤثر على المطبخ العربي. على سبيل المثال هناك طبق إنجليزي شهير يسمى بـ"فطيرة الراعي"، وهو عبارة عن لحم مع بصل، ويوضع عليها طبقة من مهروس البطاطس. لو طبخنا اللحم كما نطبخه في مطبخنا، وأضفنا توابلنا، واستبدلنا الحليب في البطاطس بالرائب، لن تصبح فطيرة الراعي إنجليزية. وبنفس الطريقة، ليس من الصحيح أن يقدم أي طبق عربي وإلى جانبه "مايونيز" مثلًا، لأنه طعم دخيل على المطبخ العربي.

  • أليس من المتوقع أن تتأثر الطعوم بتغير الأماكن ومرور الزمن أيضًا، فكيف يمكن وضع قواعد لها؟

ثبات الطعم في ذات المطبخ، يفسره وجود قواعد الطعم التي تعطي الطبق طعمه. وكذلك طعامنا العربي له قواعده التي تناسبه وتناسبنا، هذه القواعد مدروسة ومتوارثة، فببساطة يمكنك أن تتبع تاريخ كل طبق في مطبخنا العربي، إلى أين انتقل ومن أين جاء.

 الشيف سفيان مصطفى: يمكن القول إنه لولا اكتشاف اللحم المشوي لما استطاع الإنسان صنع الحضارة!

لذلك أرى أن بدراسة المطبخ وطعومه، يمكن فهم التركيبة الديموغرافية للعالم العربي، فنحن كعرب يجمعنا ما أسميه بـ"لسان الأم"، ليس فقط اللغة، ولكن أيضًا المطعم، فالطعام تتعلمه من الأم، بداية من الرضاعة، مرورًا بما تطبخه لك من طعام، فكما تأكل هي، تأكل أنت. 

اقرأ/ي أيضًا: عن معركة الفلافل وكسل المواقع الصحفية العربية

ولا يمكن إغفال أحد الشقين، أي اللغة والمطبخ، لدرجة أننا إذا حاولنا إيجاد الفروق بين المطابخ العربية، سنجد أنه لا يتعدى الاختلاف بين لهجاتنا، اللغة واحدة واللهجات تتغير، وكذلك المطبخ، فكل منهم يعتمد على الآخر.

  • حدثنا أكثر عن اعتماد اللغة والمطبخ على بعضهما البعض!

بدون اللغة لا يمكن أن يكون هناك مطبخ، وبدون طبخ لم يكن الإنسان قادرًا على إيجاد لغة وصنع ثقافة، لذلك تجد علاقة الطعام باللغة علاقة وثيقة، فتاريخهما واحد. بداية الطعام كانت بحسب العلماء، قبل أكثر من مليوني عام، عندما انتشرت النيران في الغابات بفعل تغييرات في الغلاف الجوي، وصاحب هذا تناول الإنسان أول مرة للحم المشوي، بعد أن تناول اللحم الني لمئات السنوات.

 ومن أجل تناول اللحم الني كان يحتاج لجهد كبير في هضمه، لذلك كان جسد الإنسان يستخدم أكبر قدر ممكن من الدم للجهاز الهضمي، على حساب باقي أعضائه ومنها الدماغ، على العكس من اللحم المشوي الذي لا يحتاج إلى جهد للهضم، فأصبح هناك متسع لنمو عقل الإنسان. إذًا يمكن القول إنه لولا اللحم المشوي لما صنع الإنسان الحضارة!

المطبخ العربي
الشيف سفيان مصطفى: المطبخ العربي سباق على أي مطبخ آخر عالميًا

حتى هذه المرحلة لم يعرف الإنسان لغة للتواصل إلا الإيماء والإشارة، فاللغات باختلافها تحتاج لتجريد، والإنسان البدائي قلد الطبيعة في كل شيء، ولكن التجريد لم يكن في الطبيعة من حوله. صحيح أن البشر بطبيعتهم التي أوجدوا عليها من فم ولسان، يستطيعون النطق والتحدث. لكن انشغال الدورة الدموية بعملية الهضم حال بين ذلك، لذلك فإن اللحم المشوي كان بداية المطبخ، وفي ذات الوقت كان بداية اللغة. لذا فاللغة هي بوتقة الإنتاج الإنساني، فبدون اللغة لن يكون هناك أي فنون أخرى.

بعد أن جمعت كتب الطبخ العربي من القرون الوسطى، وجدت صعوبة في فهمها، لذلك قررت لكي أفهم المطبخ، يجب أن أفهم اللغة. لذا فإن بحوثي كانت تسير في خطين: الطعام واللغة. 

من هنا بحثت في مصطلح "المطبخ"، وكالعادة كان العربية سبّاقة، فوجدت مثلًا أن الطهي يختلف عن الطبخ، فالطهي ما هو إلا إنضاج المأكول، فيما الطبخ هو صناعة الطعام، لذلك فأنت تطبخ السلطة ولا تطهوها، ولو أن الطهيّ هو ذاته الطبخ لسموا المطبخ مطهى، وهذا لا يجوز. وعليه لا يجوز أن تقول فن الطهي، فالطهي لا فن فيه، والصحيح هو فن الطبخ.

ولك أن تعلم أن الطبخ في اللغة العربية هو العقل! لذلك يطلق على الصبي الناضج "مطبخ"، وكما قال ابن خلف الطائي: "المال يغشى رجالًا لا طباخ بهم"، بمعنى لا عقول لهم. أما الطهي فمأخوذ من الشدة والظلام، لذلك فإن عملية الطهي تنتهي عند تعريض المأكول للحرارة إما شويًا أو خبزًا أو سلقًا. 

في البداية كان الأكل لدى الإنسان بغاية الشبع لتلبية لحاجات الغريزية، حتّى عرف طعم اللحم المشوي، فعرف الطهي، وعندما تطور واستقر، أقام مطبخًا وأبدع فن الطعام، عندها لم يعد يطلب الشبع فحسب، بل المتعة أيضًا عبر الشهوة.

فالأكل يمثل مرحلة الغريزة، بينما الطعام شهوة، لكنّه في نفس الوقت يعالج الإحساس الغريزي بالشبع، وغريزة الأكل يعبر عنها الجوع ويشبعها امتلاء البطن. وتحقيق هذه المهمة غاية في السهولة، ولا تحتاج حتى إلى طهي، ففي البدء عاش الإنسان على ما يلتقطه من ثمار الأشجار وما يفترسه من حيوان، ولم يكن يعرف الطهي، مثله مثل بقية الحيوانات. أما إشباع شهوة المطعم، فتتطلب الاهتمام بأكثر من عنصر، مثل الطعم والرائحة والقوام، وهذا يحتاج إلى علوم وفنون بدأت باكتشاف النار والتحكم بها، والاستقرار والانشغال بالزراعة، وانتهت بالمطبخ الذي نعرفه اليوم.

  • كيف ترى الطباخين العرب حاليًا؟

للأسف لا يمكن أن نتعبر طباخي العرب اليوم ممثلين للمطبخ العربي. المطبخ العربي حاليًا في أسوأ حالاته. مع البحث تجد أن مطابخنا العربية في طريقها للزوال، والتجديد أو التغيير عند الطباخين أصبح معناه التقليد، على الرغم من أن مطبخنا العربي ثري جدًا بالطعوم والأطباق. 

عند زيارتك لأغلب المطاعم العربية تجد أن قوائمها لا تحوي طعامًا عربيًا، وإذا قرر طباخ أن يجتهد لطبخ طعام عربي حديث، فإنه يخلط الحابل بالنابل، ليخرج طبق يفتقد الهوية. والإعلام يتحمل جزءًا كبيرًا في ذلك الأمر.

الحقيقة التي لا يمكن إغفالها، أن المغلوب تراه مولعًا دائمًا بتقليد الغالب، كما قال ابن خلدون في مقدمته. وهذا ما نعيشه اليوم من اتباع ثقافة الغرب والانسحاق أمامها والبحث فقط عن محاولة تقليدها، بما في ذلك المطبخ. 

إذا تحدثت مع أحد الطباخين العرب عن أننا أول من صنع البوظة (المثلجات)، فلن يصدق ذلك، لمجرد اعتقاده بأن الغرب أسبق، في حين أن ما كان يطبخ إبان العصر العباسي، أمامنا سنين ضوئية حتى نستطيع طبخ ما يقاربه، ولكن الطباخ العربي ليس لديه ثقة في مطبخه لأنه مهزوم.

سفيان مصطفى
الشيف سفيان مصطفى: المطبخ العربي حاليًا في أسوأ حالاته

يمكن القول إن الشيف الشرقي مهان لأنه غير متسق مع مطبخه، فطموحه أن يصبح "شيف عمومي"، يطبخ أي طعام غير العربي؛ مبررًا ذلك بأن هذه هي المطابخ والأكلات الدارجة، وأن هذا ما يطلبه الجمهور العربي.

لكن المفروض أن تكون العلاقة بين الشيف والجمهور في الاتجاه المعاكس، الطباخ هو من يختار ما يأكله الناس وليس العكس، باعتبار الطباخ ممثلًا للثقافة، فمن واجباته أن يثقف الناس بمطبخها العربي، لا أن يفسد ذوقها بأطباق لا تتسق مع ثقافتها. ولكن كيف للطباخ أن يثقف الآخرين في حين أنه غير مطلع على ثقافته في الأساس؟! لذلك فأنا أراهم طهاةً لا طباخين.

  • اتجاهك للمطبخ كان من منطلق الغيرة على المطبخ الفلسطيني في الأساس، ألا تخشى على هوية المطبخ من الضياع أو نسبها للكيان الإسرائيلي؟

في الحقيقة هذا الأمر لا يشغلني كثيرًا، لأن الصهاينة لن تطول إقامتهم، لذلك فهم عاجزون عن نسب هذا المطبخ إلى ثقافتهم رغم محاولاتهم، لأن هذا الادعاء بذلك سينتهي عاجلًا أم آجلًا لا محالة. 

لكن المشكلة تكمن في وقاحة الطرح، ولكن كما وضحت من قبل، فإن المطبخ طعوم لا أطعمة، مهما تأثرت أطعمته بالصهاينة، فإن ذلك لا يؤثر على المطبخ الفلسطيني، خاصة وأنهم لا يملكون روح المطبخ، وتفتقر ثقافتهم لفنون وعلوم المطبخ، خاصة كونهم دولة شتات، فلا توجد ثقافة واحدة تجمعهم.

لذلك كان لا بد من لسان يجمعهم، بشقيه اللغة والمطبخ، في الشق الأول لجأ الصهاينة إلى إحياء لغة ميتة، وهي اللغة العبرية، وهي في الحقيقة لغة عربية قديمة جدًا. أما في شق المطبخ، فقد بدأوا في سرقة المطبخ العربي، ليس فقط الفلسطيني.

  • ما هي خطواتك القادمة لـ"Taste Of Jerusalem"؟

لدي رؤية وحلم لهذا المشروع الذي أراه أكبر من شخصي، لذلك أتمنى أن أستطيع نقل هذا العلم الذي اكتسبته خلال بحوثي وقراءاتي، للطباخين، وخاصة الصغار منهم، وإعطاءهم الثقة بما يمتلكونه في ثقافتهم من فنون وريادة، قبل أن ينضموا إلى سابقيهم من الطهاة المهزومين أمام الغرب.

الشيف سفيان مصطفى: الصهاينة لا يملكون روح المطبخ الذي حاولوا سرقته، وتفتقر ثقافتهم لفنون وعلوم المطبخ

ربما إذا علم الطباخ العربي أن أطباقًا من المطبخ الفرنسي الذي ينسحق أمامه، قد تعلمها الفرنسيون من كتاب البغدادي، قد يعيد هذا من ثقته بعروبته وهويته، فالطباخ في الأصل هو ممثل لثقافته، فكيف يمكن للطباخ العربي تمثيل ثقافة هو لا يعلم عنها شيئًا من الأساس؟! ولذلك أتمنى أن تحتضن أحد المؤسسات المعنية بتعليم الطبخ، هذه الفكرة وهذا العلم.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الطعام أحد محددات الهوية الوطنية

كرات اللحم السويدية.. طبق تركي باعتراف حكومة السويد!