06-أكتوبر-2024
بيجر

أحد أجهزة النداء "البيحر" المتفجرة

نشرت صحيفة واشنطن بوست الأحد تفاصيل العملية الإسرائيلية التي نجم عنها تفجير أجهزة نداء ولاسلكي في جنوب لبنان أواسط شهر أيلول/سبتمبر الفائت، وأسفرت عن استهداف الآلاف من عناصر حزب الله، حيث بيّنت تورط الموساد بالعملية، والتفاصيل المعقدة لهذا الاختراق الأمني الكبير.

رواية الواشنطن بوست اعتمدت على تصريحات العديد من المسؤولين الأمنيين والسياسيين والدبلوماسيين الإسرائيليين والعرب، إضافة إلى أميركيين مطلعين على الأحداث وفق الصحيفة، حيث تحدثوا معها بشرط عدم الكشف عن هويتهم لأنهم يناقشون معلومات استخباراتية حساسة حسب وصفها.

عملية تفجير أجهزة النداء وأجهزة اللاسلكي تم التخطيط لها لسنوات، وساهم فيها مجموعة من العملاء التابعين للموساد، وآخرون لا يتبعون لجهات الاستخبارات الإسرائيلية، وبيّنت الصحيفة أن هذا الهجوم الذي حدث في أيلول/سبتمبر الفائت لم يدمر صفوف قيادة حزب الله فحسب، بل شجع الاحتلال أيضًا على اغتيال زعيم الحزب حسن نصر الله.

وحسب الصحيفة، فإن حزب الله احتاج قبل عامين كان بحاجة لأجهزة نداء تناسب عناصره، فوجد ضالته في جهاز من طراز AR924 وهو جهاز ضخم بعض الشيء ولكنه قوي، ومصمم لتحمل ظروف ساحة المعركة. وكان يتمتع بتصميم تايواني مقاوم للماء وبطارية ضخمة الحجم قادرة على العمل لشهور دون شحن. والأفضل من كل هذا أنه لم يكن هناك أي خطر من إمكانية تعقب أجهزة النداء من قِبَل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية. وحسب الصحيفة فقد أعجب زعماء حزب الله بهذه الأجهزة إلى الحد الذي دفعهم إلى شراء خمسة آلاف جهاز منها، والبدء بتوزيعها على المقاتلين من المستوى المتوسط ​​وأفراد الدعم في شباط/فبراير الماضي.

أجهزة الاتصال اللاسلكية المفخخة في لبنان بدأت في عام 2015، وكانت تحتوي على حزم بطاريات ضخمة، ومتفجرات مخفية، ونظام إرسال أعطى إسرائيل إمكانية الوصول الكامل إلى اتصالات حزب الله.

ووفقًا لمسؤولين إسرائيليين وأميركيين مطلعين على الأحداث، فقد نشأت فكرة عملية أجهزة النداء "البيجر" في عام 2022، لكن وقتها كان الهدوء النسبي يسود الحدود اللبنانية مع الأراضي المحتلة، وحينما كان حزب الله يبحث عن شبكات إلكترونية مقاومة للاختراق لنشر الرسائل، ولدت فكرة إنشاء أمر شبيه بـ"حصان طروادة" فيما يخص الاتصالات، حيث توصل الموساد إلى زوج من الحيل التي من شأنها أن تدفع الحزب إلى شراء أجهزة تبدو وكأنها غير قابلة للاختراق. وكانت الخطة تهدف إلى تزويد حزب الله بأجهزة اتصال لاسلكية مفخخة، وهي مثالية لهذه المهمة، حيث تم تصميم المعدات من قبل الموساد وتم تجميعها في "إسرائيل".

الصحيفة أشارت عبر مصادرها إلى أن أجهزة الاتصال اللاسلكية المفخخة في لبنان بدأت في عام 2015. وكانت أجهزة الاتصال اللاسلكية المتنقلة تحتوي على حزم بطاريات ضخمة، ومتفجرات مخفية، ونظام إرسال أعطى إسرائيل إمكانية الوصول الكامل إلى اتصالات حزب الله.

لكن حسب المسؤولين الإسرائيليين، فإنهم اكتفوا بالتنصت على حزب الله لمدة تسع سنوات، مع الاحتفاظ بخيار تحويل أجهزة الاتصال اللاسلكية إلى قنابل في أزمة مستقبلية. ولكن بعد ذلك جاءت فرصة جديدة و"منتج جديد براق"، وهو عبارة عن جهاز اتصال لاسلكي صغير مزود بمتفجرات قوية. وفيما وصفته الصحيفة بالمفارقة، فقد انتهى الأمر بحزب الله إلى دفع أموال غير مباشرة للإسرائيليين مقابل القنابل الصغيرة التي من شأنها أن تغتال أو تصيب العديد من عناصره.

ولأن قادة حزب الله كانوا على دراية بالتخريب المحتمل، لم يكن من الممكن أن تأتي أجهزة الاتصال اللاسلكي من إسرائيل أو الولايات المتحدة أو أي حليف إسرائيلي آخر. فحسب الواشنطن بوست، في عام 2023، بدأت "المجموعة" تتلقى طلبات لشراء كميات كبيرة من أجهزة النداء التي تحمل علامة أبولو التايوانية، وهي علامة تجارية معروفة وخط إنتاج يتم توزيعه في جميع أنحاء العالم ولا توجد روابط واضحة بينه وبين المصالح الإسرائيلية أو اليهودية، وقال المسؤولون للصحيفة إن الشركة التايوانية لم تكن على علم بالخطة.

خطة المبيعات أتت من مسؤولة تسويق موثوق به من قبل حزب الله وله صلات بأبولو، وهي ممثلة مبيعات سابقة في الشرق الأوسط للشركة التايوانية، أسست شركتها الخاصة وحصلت على ترخيص لبيع مجموعة من أجهزة النداء التي تحمل علامة أبولو التجارية، في وقت ما من عام 2023، عرضت على حزب الله صفقة على أحد المنتجات التي تبيعها شركتها.

ونقلت الصحيفة عن مسؤول إسرائيلي أن تلك الفتاة هي من أقنعت حزب الله بأن جهاز النداء الأكبر والبطارية الأكبر أفضل من النموذج الأصلي، وقالت لهم "من الممكن شحنه بكابل، والبطاريات تدوم لفترة أطول".

وحسب الواشنطن بوست، فإن مسؤولة المبيعات لم تكن على علم بالعملية، وأن أجهزة النداء تم تجميعها فعليًا في "إسرائيل" تحت إشراف الموساد، وكانت تتضمن ميزة فريدة: "حزمة بطارية تخفي كمية ضئيلة من المتفجرات القوية".

وقال مسؤولون إسرائيليون للصحيفة: "إن مكون القنبلة كان مخفيًا بعناية شديدة في إنجاز هندسي لدرجة أنه كان من المستحيل اكتشافه تقريبًا، حتى لو تم تفكيك الجهاز"، ويعتقد المسؤولون الإسرائيليون أن حزب الله فكك بعض أجهزة النداء وربما فحصها بالأشعة السينية.

وعمل الإسرائيليون على تغيير آلية فك الشيفرات في أجهزة النداء، فكان على عناصر حزب الله الضغط على زرين في آن معًا من أجل قراءة الرسالة المشفرة، وعمليًا، كان ذلك يعني استخدام كلتا اليدين، وبالتالي "سيكونون غير قادرين على القتال بعد إصابة اليدين".

ونوهت الصحيفة أن معظم كبار المسؤولين الإسرائيليين لم يكونوا على علم بهذه العملية، حتى 12 أيلول/سبتمبر الفائت، حيث استدعى فيه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مستشاريه الاستخباراتيين لعقد اجتماع لمناقشة العمل المحتمل ضد حزب الله، ووفقاً لملخص الاجتماع فقد قدم مسؤولو الموساد لمحة أولى عن أحد أكثر عمليات الموساد سرية، فهم وضعوا أجهزة اتصال مفخخة في أيدي وجيوب الآلاف من مقاتلي حزب الله.

وقال مسؤولون للصحيفة إن نقاشًا حادًا اندلع في جميع أنحاء المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، فالجميع بما فيهم نتنياهو أدركوا أن الآلاف من أجهزة النداء المتفجرة يمكن أن تلحق أضرارًا لا توصف بحزب الله، لكنها يمكن أن تؤدي أيضًا إلى رد فعل عنيف، بما في ذلك ضربة صاروخية انتقامية ضخمة من قبل قادة حزب الله الناجين، مع احتمال انضمام إيران إلى المعركة، فيما نفى مسؤولون أميركيون للصحيفة علم الولايات المتحدة بأجهزة "البيجر" المفخخة.

وفي نهاية المطاف، وافق نتنياهو على تشغيل الأجهزة في حين أنها قد تلحق أقصى قدر من الضرر. وعلى مدى الأسبوع التالي، بدأ الموساد الاستعدادات لتفجير أجهزة النداء وأجهزة الاتصال اللاسلكية المتداولة بالفعل.

وأشارت الصحيفة إلى أن النقاش اتسع بعد ذلك حول حملة أكبر، وهي استهداف زعيم حزب الله نفسه، حيث زعم مسؤولون في الموساد أنهم كانوا على علم بمكان نصر الله في لبنان لسنوات ويتتبعون تحركاته عن كثب، ولكنهم امتنعوا عن ذلك، على يقين أن الاغتيال قد يؤدي إلى حرب شاملة.

وفي السابع عشر من أيلول/سبتمبر، كانت آلاف أجهزة النداء "البيجر" التي تحمل علامة أبولو تدق أو تهتز في وقت واحد، في مختلف أنحاء لبنان وسوريا. وظهرت جملة قصيرة باللغة العربية على الشاشة: "لقد تلقيت رسالة مشفرة".

لقد اتبع مقاتلو حزب الله التعليمات الخاصة بفحص الرسائل المشفرة، بالضغط على زرين، فانفجرت هذه الأجهزة، وبأقل من دقيقة، انفجرت الآلاف من أجهزة الاتصال عن بعد، بغض النظر عما إذا كان المستخدم قد لمس جهازه أم لا، وفي اليوم التالي، بالطريقة نفسها انفجرت مئات من أجهزة الاتصال اللاسلكية.