ثمة أسباب عديدة تدفعنا إلى قراءة مذكرات ويوميات قادة دولة الاحتلال الإسرائيلي، سيما أولئك الذي ينتمون إلى ما يُعرف بـ"جيل المؤسسين"، أهمها على الإطلاق أن كتاباتهم تقدّم صورة واسعة لأفكارهم وتجاربهم في احتلال الأرض ومحو التاريخ الفلسطيني سواء قبل وقوع النكبة، أو بعد قيام "إسرائيل".
وتتيح هذه المذكرات واليوميات فهم فكر الحركة الصهيونية وآليات عملها والعديد من المواضيع الأخرى، مثل الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وتشكيل العصابات الصهيونية الإرهابية، وحرب عام 1948، إلى جانب السياسات والاستراتيجيات التي وضعوها للتعامل مع الفلسطينيين والعرب ما بعد قيام دولتهم الاستعمارية القائمة على ممارسة العنف والإرهاب منذ 75 عامًا.
وفيما يلي وقفة مع يوميات ومذكرات أبرز قادة دولة الاحتلال.
1- دافيد بن غوريون
ينتمي دافيد بن غوريون (1886 – 1973) إلى الجيل المؤسس لدولة الاحتلال، أو ما يُعرف بين الإسرائيليين بـ"الآباء المؤسسين"، إذ لعب دورًا مركزيًا في تنفيذ المخططات الصهيونية على أرض فلسطين منذ عشرينيات القرن الفائت وحتى مطلع ستينياته، كما كان أول رئيس وزراء لدولة الاحتلال التي جرى تأسيسها على أنقاض المجتمع الفلسطيني.
لذا، تكتسب يومياته "يوميات الحرب 1947 – 1949" أهمية كبيرة لناحية فهم المشروع الصهيوني، وحرب 1948، والرواية الإسرائيلية بشأنها، وما ترتب عليها من كوارث يعاني الفلسطينيون منها حتى الآن، إذ دوّن بن غوريون في يومياته الأحداث والوقائع التي كان شاهدًا عليها وجزءًا منها، إضافةً إلى ملاحظاته بخصوص الحرب سواء كانت سياسية أو عسكرية أو دولية، ناهيك عن تصوراته حول مآلاتها، ونظرته إلى الفلسطينيين والعرب، ما يجعل منها مرجعًا مهمًا لفهم حرب 1948، وسياسات الحركة الصهيونية ثم دولة الاحتلال واستراتيجياتها تجاه فلسطين.
صدرت الطبعة العربية من "يوميات الحرب 1947 – 1949" عن "مؤسسة الدراسات الفلسطينية"، عام 1993، في 880 صفحة بترجمة سمير جبور الذي نقلها عن العبرية مباشرةً.
2- غولدا مائير
تحضر غولدا مائير (1898 – 1978) في تاريخ دولة الاحتلال بوصفها أول رئيسة وزراء، والوحيدة، في تاريخها. كانت تُلقّب بـ"المرأة الحديدية" حتى هزيمتها في حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، التي تكشف في مذكراتها الكثير من التفاصيل بشأنها، سيما لجهة تعامل قادة دولة الاحتلال معها ومع نتائجها التي لم تكن متوقعة بسبب نظرة والفوقية والتعالي التي سادت بينهم بعد حرب 1967.
لا تُلقي المذكرات (صدرت في عدة طبعات عربية بعناوين مختلفة) الضوء على حياتها الشخصية والسياسية فقط، بل تكشف أيضًا عن مساهمتها في الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وبداية الاستيطان على أرضها، وتنفيذ مخططات الحركة الصهيونية، وكيفية قيام دولة الاحتلال التي كانت من مؤسسيه إضافةً إلى الكثير من التفاصيل المتعلقة بالصراع العربي – الإسرائيلي من وجهة النظر الصهيونية، وتُعتبر من أشد الصهاينة حقدًا على العرب.
3- موشيه ديان
اكتسب موشيه ديان (1915 – 1981) مكانته داخل دولة الاحتلال بالجرائم التي ارتكبها بحق الفلسطينيين خلال نشاطه في صفوف عصابات "الهاغاناه" التي ارتكبت الكثير من الجرائم والمجازر بحق الفلسطينيين قبل وأثناء حرب 1948. ثم بدوره في العدوان الثلاثي على مصر، وحرب 1967، حيث كان يشغل حينها منصب وزير الدفاع، ناهيك عن إدارته للمناطق المحتلة وترهيب سكانها.
تتضمن مذكراته (صدرت في طبعات عربية مختلفة) الكثير من التفاصيل عما سبق، إضافةً إلى مواضيع أخرى عديدة حول تأسيس العصابات الصهيونية، وإجرامها بحق الفلسطينيين، وحرب 1948 وطريقة إدارة تلك العصابات لها، وصولًا إلى إعلان دولة الاحتلال، وما شهدته الفترة بين إعلانها وحرب تشرين الأول/أكتوبر 1973 من أحداث فارقة في تاريخ المنطقة، كان ديان شاهدًا عليها، وجزءًا منها، ضمن صفوف جيش الاحتلال ثم داخل حكومته.
4- مناحيم بيغن
يتحدّث مناحيم بيغن (1913 – 1992) في يومياته (ترجمها إلى اللغة العربية معين أحمد محمود، وصدرت عن "دار المسيرة" في بيروت بعنوان "يوميات الإرهابي مناحيم بيغن" عام 1973)، عن هجرته إلى فلسطين عام 1942، وتأسيسه لمنظمة "الأرجون" (إيتسل) العسكرية الإرهابية التي ارتكبت العديد من العمليات الإرهابية ضد الشعب الفسلطيني، أبرزها مذبحة دير ياسين في نيسان/أبريل 1948. ناهيك عن تفجير فندق الملك داوود في القدس، واغتيال الوسيط الأممي الكونت فولك برنادوت بالتعاون مع منظمة "شتيرن" (ليحي) الإرهابية.
ويحكي كذلك عن فكره الصهيوني، ويكشف جانبًا من تفكيره الإجرامي وممارساته الإرهابية، ودوره في حرب 1948، وكراهيته للفلسطينيين والعرب، وصولًا إلى دوره السياسي بوصفه رئيسًا لوزراء دولة الاحتلال بين 1977 – 1983، وهي السنوات التي شهدت توقيع اتفاقات كامب ديفيد للسلام بين "إسرائيل" ومصر، واجتياح لبنان.
5- إسحق رابين
تتمحور مذكرات إسحق رابين (1922 – 1995) حول دوره في منظمة "البالماخ" الصهيونية الإرهابية، التي تُعتبر القوة الضاربة لمنظمة "الهاغاناه" الإرهابية، خلال حرب 1948 التي شارك فيها بوصفه قائدًا للواء "هرئب"، الذي كان من ضمن القوات الصهيونية التي قاتلت من أجل السيطرة على مدينة القدس، وقانت باحتلال الجزء الغربي من المدينة.
كما يتحدّث عن دوره في حرب عام 1967 بوصفه رئيسًا لأركان جيش الاحتلال خلال تلك الفترة، ثم عمله سفيرًا لدولة الاحتلال لدى الولايات المتحدة الأمريكية ودوره في التحريض ضد الفلسطينيين والعرب وحشد الدعم لـ"إسرائيل"، وصولًا إلى ترأّسه حكومة الاحتلال بين 1974 – 1977، أي بعد حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، ودوره في التمهيد لاتفاقيات السلام مع مصر.