18-أبريل-2019

تعتمد دعايات تأييد التعديلات الدستورية في مصر على التخويف (أ.ب)

الترا صوت - فريق التحرير

يعلق الممثل المصري شريف منير، دعاية للاستفتاء على التعديلات الدستورية، لكنها دعاية بالتوجيه لاختيار "نعم"، مع تغييب كامل لوجود "لا" كاختيار مطروح للمستفتي كامل الحرية فيه، ولو حتى من باب "الديكور" الديمقراطي.

 تمثل الدعاية للتعديلات الدستورية في مصر، نموذجًا شارحًا لكيفية استخدام التخويف عبر الدعاية الكاذبة، لإخضاع الجماهير

بل إن صانعي الدعاية، التي بدأها أحد أحزاب ائتلاف دعم مصر، الذي يمثل الأغلبية في البرلمان؛ جعلوا شعار دعايتهم "اعمل الصح"، ليربط خطابه الدعائي بـ"الصحيح الوحيد الممكن"!

اقرأ/ي أيضًا: بعد التعديلات الدستورية ورئاسة الاتحاد الأفريقي.. هل سيصاب السيسي بفأل سيئ؟!

شارك.. أو انتظر الخوف من المستقبل!

المقطع الدعائي المصور الذي يحث على النزول للمشاركة في استفتاء التعديلات الدستورية، تضمن خطابًا يستخدم التخويف من المستقبل، كعصا سحرية للإخضاع؛ تخويفٌ من الفوضى، ومن الإرهاب، والانفلات الأمني، ومن كل ما يمكن أن يخافه المواطن المصري.

وفي حين وردت كلمة الخوف في المقطع الدعائي، كثير من المرات، لم ترد كلمة مثل "الطموح" سوى مرتين فقط، ما يدفع للتساؤل عن استخدام النظام لعصا التخويف، بدلًا من الإشارة لـ"الإنجازات" واستخدامها كمحفز لتمرير ما يشاء؟!

عصا الخوف السحرية

مع التطور، بات الناس يتمتعون بحماية متزايدة من الأخطار، نتيجة تقدم معارفهم وقدراتهم على مواجهة ما كان يقض مضاجع أسلافهم، خاصة فيما يتعلق بالطبيعة. لكن مع تراجع الخوف البشري من الطبيعة، حلت العديد من المخاوف الأخرى، غير أنها في كثير من الأحيان، مخاوف متخيلة.

دعاية موجهة لتأييد التعديلات الدستورية في مصر

أشار الفيلسوف الرواقي سينيكا، إلى ذلك الخوف المتخيل، في الكتاب الذي وضعه روبين كامبل "رسائل من فيلسوف رواقي"، فقال: "هناك المزيد من الأشياء التي من المحتمل أن تخيفنا أكثر من أن تسحقنا. نعاني في كثير من الأحيان من الخيال أكثر من الواقع".

وفي حين أن كثيرًا من هذه المخاوف المتخيلة هي من صنع الإنسان، فإن الكثير منها يأتي نتيجة السردية التي يطرحها الموجودون في السلطة، فقد أدرك هؤلاء منذ أمد بعيد قوة الخوف، كوسيلة ناجعة في كثير من الأحيان، في السيطرة على الجموع، حتى وإن كان الخوف متخيلًا، أو لا صلة له بواقع يصنع تهديدًا.

كتب الفيلسوف الأيرلندي في القرن الـ18، إدموند بيرك، إنه "لا يوجد شعور يسلب المرء فعليًا كل سلطاته في التفكير والتصرف كالخوف".

جذور الخوف في التاريخ المصري

أدركت الطبقات الحاكمة لآلاف السنين قوة الاستثمار في الخوف عند رعاياها كوسيلة للتحكم الاجتماعي. لاحظ هنري فرانكفورت، عالم المصريات الألماني، في كتابه "المغامرة الفكرية للإنسان القديم"، أنه في الفترة ما بين عامي 1800 و1600 قبل الميلاد، انتشر "ذهان الخوف" في مصر القديمة، وذلك بسبب الغزو الأجنبي.

لافتات دعائية للمشاركة في الاستفتاء على الدستور بميدان التحرير في القاهرة

في البداية كان هذا الذهان حقيقيًا بسبب التهديدات المحتملة في كل وقت، لكن حتى بعد جلاء الغزاة، سعت السلطة لأن يبقى الخوف بين السكان وإن بشكل مصطنع، مدركةً أن السيطرة أسهل على مجموعة من الخائفين.

يقول فرانكفورت في كتابه، إن "الرغبة في الأمن والحاجة إليه، لا يمكن أن تستمر في ظل امتداد الإمبراطورية المصرية وسيطرتها بقوتها العسكرية إلى آسيا، وبالتالي زوال الحدود بينها وأبعد أعدائها. لكن وعلى الرغم من وجود احتمالات بعيدة للاضطراب، ظل ذهان الخوف متفشيًا، لأن الوحدة والسيطرة على الأرض كانت لصالح قوة معينة مركزية".

وأضاف: "كانت هناك قوى في مصر حافظت على هوس الخوف هذا من أجل الحفاظ على مصر كسلطة موحدة". وقد استطاعت السلطة حينها، أن تسوق المبررات اللازمة لتبقي على الخوف حيًا بين الناس.

وفي حين أن هناك العديد من الوسائل والآليات التي تطورت على مر العصور لاستغلال الجمهور بفعالية من خلال التخويف، فإن اثنين من أكثرها قوة وفعالية، هما: استخدام الدعاية الكاذبة، والتكريس الدعائي أو البروباغاندي، وهكذا كان الوضع في مصر القديمة، وفي الحديثة كما يتضح.

الدعاية الكاذبة

يمكن تعريف الدعاية الكاذبة بأنها عملية سرية تم تصميمها بغرض الخداع، بحيث تظهر الأحداث السلبية، وكأنها من تخطيط وتنفيذ مجموعات أخرى تمثل تهديدًا على البلاد والشعوب. 

التخويف من الإرهاب من أبرز أساليب الدعاية التي يستخدمها النظام المصري

وهذا ما حدث في مصر، تحديدًا مع الدعايات التي تشير إلى "قوى شريرة" أو "طرف ثالث" مسؤول عن سوء توفير الخدمات، أو إجهاض محاولات الإصلاح والنهوض.

وفي هذا الشأن يقدم كونور بوياك، الكاتب الأمريكي، في كتابه "الخوف.. أو كيف يعبث الساسة بمشاعرك؟ وما الذي يمكن أن تفعله حيال ذلك؟"، شرحًا لفاعلية الخوف والتخويف وكيفية استخدامه في السيطرة على الجماهير، فيقول: "تؤدي الاعتداءات و خاصة البدنية إلى زيادة في الثقة بالقادة السياسيين والخضوع لهم. ومن المحتمل أن يكون هذا التأثير بنفس القوة، سواءً كان الهجوم مفاجئًا أومعروفًا للزعماء السياسيين الذين سمحوا بحدوثه، أو قاموا بتنظيمه مباشرة. وهؤلاء الزعماء أنفسهم هم الذين سيستفيدون من زيادة الثقة والخضوع". 

ويضيف عن الدعاية الكاذبة: "يتم استخدام عمليات الدعاية الكاذبة، لأن الناس لا يستطيعون بشكل عام الوصول إلى التفاصيل الحقيقية، لذلك هم عرضة للاعتماد على ما قيل لهم، وبالتالي خداعهم بسهولة".

ولهذا التخويف وتكريس الدعاية الكاذبة له، أثر يطال حتى الذين يظنون أنهم متحررون من أثره المباشر، وهذا ما يتضح فيما أورده كتاب "ظنوا أنهم أحرار"، لميلتون ماير، عن أحد الألمان الذين عاشوا تحت النظام النازي، إذ يقول: "يفقد المرء قدرته على التمييز شيئًا فشيئًا. كل فعل وكل مناسبة تكون أسوأ من أختها".

 الدعاية الكاذبة والتكريس البروباغاندي، من أكثر الوسائل فعالية في استغلال الجمهور وتوجيههم من خلال التخويف

ويضيف: "ثم تنتظر مناسبة مروعة كبيرة تجعل الآخرين يتحركون، وتقول في نفسك: ستكون هذه هي الصدمة الكبرى، وسينضم إليكَ الناس في مقاومة ما بطريقة ما. لكن هذه المناسبة لا تأتي أبدًا. ويبدأ عبء الخداع الذاتي في الضغط عليك حتى يصبح غير محتمل. وفي الوقت الذي يجب فيه أن يتحرك الناس، لا يتحركون إطلاقًا!".

 

اقرأ/ي أيضًا:

ما الذي يمكن للمعارضة المصرية فعله بشأن التعديلات الدستورية؟

الممثل المصري عمرو واكد يدفع فاتورة "لا للتعديلات الدستورية"