أثار مقال بحثي نشره حقوقي فلسطيني على موقع مجلة تابعة لجامعة كولومبيا الأميركية جدلًا واسعًا، إذ تناول الوضع القانوني للنكبة الفلسطينية.
وكشفت صحيفة "الغارديان" البريطانية، في تقرير لها، أمس الأحد، مضمون المقال، الذي نشره طالب الدكتوراه، ربيع إغبارية، يشرح فيه عملية التهجير التي قامت بها إسرائيل للفلسطينيين من أراضيهم عام 1948 من منظور قانوني، وهو ما اثار جدلًا في الأوساط الجامعية داخل الجامعة الأميركية العريقة لعدة أيام.
وجادل مقال إغبارية الذي حمل عنوان "نحو النكبة كمفهوم قانوني"، والمكون من 105 صفحة، بأن مصطلح "النكبة" الذي يستخدمه الفلسطينيون منذ عقود يلخص التشابكات القانونية المتعددة والمتداخلة للحياة الفلسطينية في غياب حق تقرير المصير.واقترح إغبارية إطارًا جديدًا لشرح الأنظمة القانونية المعقدة والمجزأة التي تحكم الفلسطينيين.
وتشير "الغارديان" إلى أنّ الطالب الفلسطيني أراد أن يضع "النكبة" في قلب محادثة قانونية جديدة.
وقد تمكن الطالب الفلسطيني من الحصول على إذن بالنشر في مجلة " Columbia Law Revie" التابعة للجامعة. لكن محررين طلاب في المجلة قالوا، لوكالة "أسوشيتد برس"، إنهم تعرضوا لضغوط من مجلس إدارة المجلة، لوقف نشر المقال الذي اعتبرته يوجه اتهامات لإسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة ودعم نظام الفصل العنصري.
وعندما رفض المحررون التجاوب مع ضغوطات مجلس إدارة المجلة، المكون من أعضاء هيئة التدريس والخريجين من كلية الحقوق في جامعة كولومبيا، ونشروا المقال الأسبوع الماضي، قام المجلس بإغلاق الموقع الإلكتروني كليًا.
في مقاله "نحو النكبة كمفهوم قانوني"، جادل ربيع إغبارية بأن مصطلح "النكبة" يلخص التشابكات القانونية المتعددة والمتداخلة للحياة الفلسطينية في غياب حق تقرير المصير
وظل الموقع غير متاح لنحو أسبوع كامل، مع ظهور صفحة رئيسية ثابتة تخبر الزائرين بأن الموقع "تحت الصيانة".
وبعد نقاش حول الرقابة بين المحررين ومجلس إدارة المجلة، عاد موقع المجلة إلى العمل مجددًا.
وبرر مجلس الإدارة قراره إنه يشعر بالقلق من أن المقال لم يمر عبر "عمليات المراجعة أو الاختيار المعتادة للمقالات"، واتخذ القرار "من أجل منح المحررين الطلاب بعض الفرص لمراجعة المقال"، ولتوفير الوقت "للمراجعة القانونية لتحديد كيفية المضي قدمًا، قمنا بتعليق الموقع مؤقتًا".
في المقابل، قال المشاركون في تحرير المقال إنهم اتبعوا عملية "مراجعة صارمة"، حتى مع اعترافهم باتخاذ خطوات لمنع ردود الفعل السلبية المتوقعة من خلال الحد من عدد الطلاب المطلعين على المقال.
وبحسب الصحيفة البريطانية، هذه ليست المرة الأولى التي يرفض فيها نشر مقال إغبارية، إذ رفضت نشره في السابق رابطة "إيفي ليغ" التي تضم ثماني جامعات بحثية خاصة في شمال شرق الولايات المتحدة. واعتبرت الأفكار التي يطرحها إغبارية بأنها "خطيرة".
عمل إغبارية على بحثه لمدة نصف عام تقريبًا، وأتيحت له فرصة نشرها في مجلة " Columbia Law Revie"، بعد أن تم حظر مقالة سابقة له كتبها لمجلة "Harvard Law Review " في اللحظة الأخيرة.
وفي تعليقه على قرار مجلس إدارة المجلة حظر نشره مقاله البحثي، قال إغبارية لصحيفة "الغارديان": "علينا أن نتناقش حول حقي في قول ما أريد قوله، بدلًا من الجدال حول ما قلته بالفعل"، وأضاف: "أشعر بالاقتناع بعملي أكثر، ما دام يولّد مثل هذا القمع".
وأشار إغبارية أنه عندما استيقظ صباح الاثنين الماضي، افترض أن يكون المقال قد نشر، وهي "لحظة مثيرة للغاية"، وفق تعبيره.
ولكن سرعان ما تعذر الوصول إلى الموقع الإلكتروني للمجلة، إذ كان "تحت الصيانة"، قبل أن يتبين أن مجلس المراجعة هو من عطّل الموقع.
وتعليقًا على ذلك، قال الطالب الفلسطيني "من المقلق للغاية أن يذهبوا إلى هذا الحد".
وبعد انتشار خبر المنع، تصدرت قصة إغبارية عناوين الأخبار في الصحف الكبرى، وتم نشر نسخة PDF من البحث على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي، وحصلت على قراء أكثر بكثير مما هو معتاد في الدراسات القانونية، بحسب ما تقول "الغارديان".
وعلق إغبارية على ذلك بالقول: "يمكن للناس أن يدركوا حقيقة هذه التكتيكات الاستبدادية ويرفضوها"، مشددًا على أنّ "الرقابة في هذه الحالة تأتي بنتائج عكسية".