يقول الفيلسوف والشاعر الألماني فريدريك نيتشه: "من يملك سببًا للعيش، يستطيع أن يتحمل تقريبًا أي شيء!". ولا يوجد أفضل من هذه الجملة لوصف أبطال رواية "مُقامرة على شرف الليدي ميتسي" (دار دون، 2023) للكاتب المصري أحمد المرسي، ذلك أنهم يشتركون جميعًا – على اختلاف شخصياتهم وخلفياتهم – في امتلاك سببٍ ما للعيش والتوق للقادم الذي لا بد أن تنمحي معه آلام الماضي.
تدور أحداث الرواية في القاهرة خلال عشرينيات القرن الماضي، حول 4 شخصيات من خلفيات مختلفة: الأفندي سليم حقي الذي فقد وظيفته كضابط بسبب مواقفه الوطنية المناهضة للإنجليز، وسمسار مراهنات مُخادع يُدعى مرعي، وسيدة إنجليزية هي الليدي ميتسي، وأخيرًا طفل بدوي فقير يُدعى فوزان الطحاوي تبدأ الرواية وتنتهي به.
تبدأ الرواية بموت فوزان الطحاوي عجوزًا ووحيدًا لم يبق له سوى صورة قديمة تجمعه بالشخصيات السابقة، وهنا يعود بنا السرد إلى الماضي لنعرف كيف اجتمعوا: "لقد كانوا الأربعة مثل كرات البلياردو، تلاقوا في لحظة خاطفة من الزمن، تصادموا، تقاطعت حيواتهم، ثم ارتدَّ كل منهم في اتجاه، ولم يلتقوا ثانية أبدًا".
يشترك أبطال الرواية، على اختلاف شخصياتهم وخلفياتهم الاجتماعية والفكرية، في امتلاك سببٍ للعيش والتوق للقادم الذي تنمحي معه آلام الماضي
ارتبطت أقدار الأربعة عندما قرَّر سليم الأفندي الاستماع إلى نصيحة صديقه ودخول عالم المراهنة على الخيل بعد تردّي أوضاعه. وفي سبيل ذلك، يلتقي بمرعي أفندي سمسار المراهنات الذي يقنعه بالسفر معه لشراء فرس قوي لسيدته الإنجليزية ويضمن له فوزه، ومن ثم يمكن لسليم المراهنة عليه مع حصول مرعي على نسبة من مكسبه، ويطاوعه سليم أفندي الذي لم يجد بدًا سوى أن يثق به.
يذهب الاثنان إلى جزيرة الخيل حيث قاما بشراء فرس يُدعى "شمعة" من قبيلة الطحاوية. وهناك، تعرفا على الطفل فوزان المرتبط بالفرس، والذي أرسله عمه معهما لتحصيل ثمنه. يعود الثلاثة إلى القاهرة لمقابلة السيدة الإنجليزية وكل واحد منهم ينظر إلى الفرس على أنه الحل الأخير، أو الشمعة الأخيرة التي سيغرق عالمهم في الظلام إن انطفأت.
ومع أن لكل شخصية رصيدها من الفقدان، لكنهم لم يفقدوا الأمل، إذ عانت السيدة الإنجليزية من موت ابنها الصغير الذي أحب سباقات الخيل ولم يفز ولا لمرة واحدة، ويؤلمها أنه مات في اليوم الذي منعته فيه من الذهاب لمشاهدة سباق. ولذلك تحب المراهنة بوصفها آخر ما يربطها بابنها، متأثرةً بوهم مفاده أن فوزها بالسباق سيُعيده لها.
تقول لمرعي أفندي: "أحيانًا تكون أمنياتنا غير المحققة هي ذريعتنا للاستمرار.. أنا أقول دائمًا إن الأمنيات مثل خيول السباق، يمكن أن يعيش الإنسان طوال عمره يراهن عليها، وهو يعلم أنه سيخسر، لكنه لا يملك مع شوقه للفوز إلا أن يفعل ذلك، دون أن يفقد الأمل، إنها أمنيات كاذبة، أمنيات خطرة يا مرعي أفندي.. تعلم يا مرعي أفندي! لو كانت الأمنيات خيولًا كنت اشتريتها".
أما بالنسبة إلى مرعي وسليم أفندي، يبدو هدفهما في البداية مادي بحت، لكنهما في الحقيقة يبحثان عن الخلاص لأرواحهما المعذبة. فسليم أفندي يرغب في الفوز ليعالج زوجته عايدة التي عانت معه بعد خسارته لوظيفته وكانت هي "بنت الذوات"، بينما يريد مرعي أن ينجح ويُحسن من صورته حتى يتخلص من لعنة الماضي التي تطارده في شبح "زينب" التي أحبّها وضيّعها من يديه بغلظته.
أما الطفل فوزان، فقد عانى بدوره من الفقد بعد مقتل أباه، ولكنه رضي بأمه وبفرسه شمعة الذي وُلد على يديه، وجاءت إليه الفرصة ليكون بطلًا ويحقِّق آمال تلك الشخصيات التي أحبها، وخصوصًا عايدة زوجة سليم، بأن يمتطي الفرس ويفوز من أجلهم. وما بدأ كخدعة مادية سيتحوّل إلى حكاية قوامها الصداقة والحب والأمل في المستقبل.
مع ذلك، لا تنتهي الرواية بفوز الفرس وإنما تُختتم بمشاهد واقعية تصرّ على الأمل، ولكن ليس ذلك الأمل الذي يُوهِم الإنسان وإنما الذي يُولد داخله. فإذا كانت شخصيات الرواية غير قادرة على تغيير واقعها، فهي تستطيع على الأقل إنقاذ أرواحها.