قبل الموعد المرتقب لانعقاد اجتماع الأستانا بين النظام والمعارضة السورية في الـ23 من الشهر الجاري، نشرت وكالة "رويترز" نقلًا على وثيقة لمحققين دوليين عن الاشتباه باستخدام رئيس النظام السوري، بشار الأسد، وشقيقه ماهر الأسد للأسلحة المحرمة في سوريا، في الوقت الذي تستمر الحملة العسكرية منذ أكثر من 20 يومًا على "وادي بردى" ما يهدد أي أمل في الذهاب للعاصمة الكازاخية.
تجد الولايات المتحدة نفسها مضطرة لاستخدام عدة أوراق لفرض حضورها في اجتماع "أستانا"، منها تكثيف استهدافها لتنظيم "فتح الشام"
الوثيقة التي نقلت "رويترز" مضمونها عمن وصفته بمصدر مطلع، قالت إنها تضم 15 شخصية بارزة في النظام السوري، وقسمتهم لثلاثة فئات، إذ تشمل الأولى ستة أسماء بينهم الأسد وشقيقه قائد "الفرقة الرابعة"، فيما تضم الثانية خمسة ضباط رفيعي المستوى من القوى الجوية، منهم قائد مطار "الشعيرات" العسكري قرب مدينة "حمص"، واحتوت الثالثة على أسماء أربعة ضباط آخرين.
اقرأ/ي أيضًا: سوريا..اقتراب انهيار هدنة العام الجديد
كما نوهت الوكالة أن رئيسة آلية التحقيق المشتركة، فرجينيا جامبا، نفت عبر رسالة بالبريد الإلكتروني أي "تحديد لهويات الأفراد" في الوقت الحالي، ما يُظهر إمكانية عدم الإشارة لأسماء، ويقوي من أن الأسماء الواردة في الوثيقة غير مؤكد إدراجها، نظرًا لما تشهده الولايات المتحدة من انتظار تسلم الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لمنصبه في الـ20 من الشهر الجاري.
وشن النظام السوري أول هجوم بالسلاح الكيماوي على نطاق واسع في الـ21 من آب/أغسطس 2013، استهدف مناطق سيطرة المعارضة السورية في ريف دمشق، قضى على إثره مئات المدنيين بحالات اختناق، كما أكد أكثر من تقرير أممي تورط قوات النظام باستخدام غاز الكلور السام، في مناطق مختلفة من ريفي حلب وإدلب.
واستبقت الولايات المتحدة، الخبر الذي تداولته كافة وسائل الإعلام عن "رويترز"، وآخر المستجدات المتعلقة باجتماع "أستانا"، أول أمس الخميس، بفرض عقوبات جديدة على 18 ضابطًا رفيع المستوى في قوات النظام، بالإضافة لمؤسسات عسكرية، بسبب مشاركتها في استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا، والذي يظهر أنها جاءت على خلفية محددة مسبقًا، ويجعلها مرافقة للوثيقة الصادرة عن لجنة المحققين الدوليين.
وتجد الولايات المتحدة نفسها مضطرة لاستخدام عدة أوراق ضغط لفرض حضورها في اجتماع "أستانا"، حيث كثفت من استهدافها لجبهة "فتح الشام" في محافظة إدلب، وبحسب "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، فإن مقاتلات التحالف الدولي قتلت الشهر الجاري نحو 55 من مقاتلي التنظيم المدرج على لائحة "التنظيمات الإرهابية"، بينهم قياديون بارزون، ويرجع ذلك لمحاولة إدارة الرئيس أوباما دحض ادعاءات موسكو بعدم محاربتها للتنظيم المتشدد في سوريا.
ونفى المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، مارك تونر، أمس الجمعة، تلقي بلاده أي دعوة رسمية لحضور اجتماع "أستانا"، كما أعلن المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، عدم إمكانيته تأكيد أي شيء يتعلق بموافقتهم إلى جانب أنقرة على مشاركة واشنطن في الاجتماع، فيما شددت المعارضة السورية من جهتها على أنها لن تذهب إلى أي اجتماع ما لم يحترم النظام السوري وقف إطلاق النار الموقع في العاصمة أنقرة نهاية العام الفائت، بضمانة روسية-تركية.
وقام النظام السوري والميليشيات الأجنبية المدعومة من إيران بخرق اتفاق الهدنة من خلال استهدافهم لمنطقة "وادي بردى" بعد ساعات قليلة من إعلانه نهاية العام الفائت. وقال المرصد السوري إن قوات النظام تمكنت أمس الجمعة من السيطرة على قرية "بسيمة"، وتحاول الاقتراب من قرية "عين الخضرا"، فيما تحدثت وسائل إعلام معارضة عن أن الاشتباكات بين الطرفين أصبحت داخل قرية "بسيمة".
وأكدت "الهيئة الإعلامية في وادي بردى" أن النظام السوري استهدف قرية "عين الفيجة" عند دخول الوفد المرافق لورشات الصيانة لإصلاح المضخات التي تغذي سكان دمشق بمياه الشرب، بعد أن تم الاتفاق على وقف لإطلاق النار. وذكرت فجر اليوم السبت عبر منشور جديد على صفحتها الرسمية أن ورشات الصيانة عادت لعملها "مع استمرار قوات النظام باستهداف قرية بسيمة بقذائف البابات والهاون".
وتحاول إيران أن تقوض أي فرصة لوقف إطلاق النار بدعمها العسكري للنظام السوري، بحجة أنها لم تكن حاضرة في اجتماع أنقرة، وتصر على الذهاب إلى الاستراتيجية التي اتبعت في الأحياء الشرقية بمدينة حلب، في الوقت الذي لا تزال مقاتلات النظام تشن غارات جوية على قرى ريف حلب ومحافظة إدلب، بالتزامن مع محاولات الاقتحام المتكررة لريف دمشق الشرقي.
وكانت وكالة أنباء "فارس" الإيرانية قالت في الـ9 من الشهر الجاري، نقلًا عن مصادر لم تكشف عن هويتها إن قوات النظام أعادت تمركزها في المناطق الجنوبية الشرقية لريف "الباب" بريف حلب الشمالي، آخر معاقل تنظيم "الدولة الإسلامية" في المنطقة، والتي تسعى فصائل "الجيش السوري الحر" المشاركة بعملية "درع الفرات" بقيادة الجيش التركي من السيطرة عليها.
اقرأ/ي أيضًا: هل تفشل إيران مؤتمر الأستانا؟
وأشارت "فارس" أن النظام السوري نشر المئات من جنوده في محيط المنطقة، ويجهز مطار "كويرس" شرقي حلب ليكون مركزًا لانطلاق العمليات العسكرية بدعم من الميليشيات الأجنبية ضد محافظة إدلب، أكبر معاقل المعارضة السورية، خصيصًا أنها أصبحت تأوي مئات مقاتلي المعارضة الذي هجّروا من مناطقهم في ريف دمشق بعد رفضهم شروط التسوية مع النظام خلال العام الفائت.
تحاول إيران إظهار نفسها بصورة المسيطر على القرار في الأزمة السورية، نظرًا لحجم ما قدمته لمساعدة الأسد في البقاء في السلطة
واتهم مسؤول تركي وفقًا لما نقلت وكالة "الأناضول" التركية، أن إيران تقبل "كل ما يقبل به النظام السوري"، مؤكدًا عدم رضاها عن عملية "درع الفرات"، وأنه "رغم وجود تعاون بين إيران وروسيا في سوريا إلا أن البلدين لديهما مصالح مختلفة"، وهو ما يعكس حجم الخلاف على البنود الواجب طرحها في الاجتماع المرتقب بعد أقل من 10 أيام.
وجدد المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالن، أمس الخميس، رفض بلاده أن يكون بقاء الأسد في السلطة مطروحًا في اجتماع "أستانا"، موضحًا ذلك بقوله: "لا نعتقد أن من الممكن أن تكون سوريا موحدة وآمنة في ظل استمرار الأسد في السلطة"، مضيفًا "لكننا سنرى كيف ستمضي محادثات أستانا... نريد أن نتقدم خطوة بخطوة في هذه المرحلة".
وكانت "الأناضول" نقلت عن مسؤولين في منظمة "الدفاع المدني" التي تعمل في مناطق المعارضة السورية، توثيق مقتل 39 مدنيًا على الأقل، وإصابة أكثر من 69 آخرين بجروح، في قصف جوي خلال الأسبوع الفائت، بدءًا من يوم السبت وحتى يوم الخميس، وهو ما يمثل خرقًا واضحًا من جانب النظام السوري للهدنة الموقعة.
ولا تزال الأطراف الدولية تحاول جاهدة عبر تكثيف اتصالاتها الدبلوماسية من إنجاح وقف إطلاق النار، والوصول لحل سياسي يلزم جميع الأطراف بانتقال السلطة، إلا أن إيران ملتزمة بوضع عقبات لإفشاله، وهو ما يحتم على موسكو ممارسة ضغوط إضافية على طهران قبل الأسد لتنفيذ بنود الاتفاق، وإلا سيبقى تأرجح انعقاده قائمًا رغم كافة المحاولات الجادة.
ويتضح أكثر أن اجتماع "أستانا" الذي كان مقررًا بين النظام والمعارضة السورية، لن يقتصر على التواجد الروسي-التركي، اللذين يحاولان إنجاحه، لذا ليس غريبًا أن نشهد تواجدًا للولايات المتحدة في حال كانت إيران، أحد أبرز حلفاء النظام السوري حاضرة، إذ إن الضغوط التي تتعرض لها من صحافتها المحلية ستجعلها تفرض حضورها بقوة، وتحصيل عدد من المكاسب، حتى لو كانت صغيرة، تجعلها تظهر أنها مسيطرة على القرار المرتبط بشأن الأزمة السورية، قياسًا بحجم الذي قدمته لمساعدة الأسد على البقاء في السلطة حتى الآن.
اقرأ/ي أيضًا: