وسط العاصمة اليمنية صنعاء، هناك شارع واحد يجتمع فيه اليمنيون من كل المحافظات، ومن جميع الطبقات، يشدهم إليه الوجبات التي يقدمها، فحينما تمشي في منطقة التحرير تشدك روائح الأطعمة الشعبية التي تقدم في أوانٍ فخارية تقليدية ونكهة الشاي العدني الذي يعدل المزاج.
يبدأ الصخب في شارع المطاعم في صنعاء منذ الساعة الثالثة عصرًا كل يوم، حيث العشرات يفد إليه
يضج الشارع بالحياة منذ الصباح وحتى المساء، لكن حفلته الصاخبة تبدأ منذ الساعة الثالثة عصرًا من مساء كل يوم، حيث يفد العشرات إليه، باحثين عن الطعام الشعبي، حيث يضم بين جوانبه عددًا من المطاعم الشعبية التي تقدم الوجبات الشعبية المختلفة.
اقرأ/ي أيضًا: عملاق الطرب الحضرمي أبو بكر سالم.. ما السر وراء أبو أصيل؟
عندما تدخل السوق تشاهد الزحام على خبز الطاوة المقلي مع البيض بالزيت، وأيضًا السحاوق بالجبن البلدي، التي تقدم للزائرين في بانوراما مفتوحة، بالإضافة إلى الزربيان (كبسة الأرز واللحم) والفتة والكبدة واللحم المفروم والبقوليات والبيض.
كان الشارع يسمى شارع المواصلات، أو شارع النزيلي، لكن بات الآن يطلق عليه "شارع المطاعم"، أو "شارع المطاعم العدنية"، لغلبة الوجبات العدنية على الأطباق التي يقدمها، وأيضًا الشاي العدني والذي نال شهرة كبيرة في الأوساط المحلية.
يعتبر الشارع الذي يقصده الزائرون من جميع مناطق اليمن، متفسًا لليمنيين في زمن الحرب، ناهيك عن كونه ملتقى أدبيًا وثقافيًا للكثير من الأدباء والكتاب والمثقفين والصحفيين اليمنيين.
يقضي الكاتب اليمني عبد الرحمن الشيباني ساعات كثيرة في شارع المطاعم، فهو أدمن الجلوس فيه، وأدمن الوجبات التي يقدمها ناهيك عن الشاي العدني الذي يفضله ولا يمكن أن يمر يوم دون أن يتناوله.
يجلس عبد الرحمن، أمام مقهاية ملك الشاي العدني، (شاي مدهش)، يتعرف على الكثير من الوافدين على المطاعم، ويسمع قصصهم، وكثيرًا ما ينضم إليه العديد من أصدقائه، يجتمعون لتبادل الآراء والأفكار والقصص.
"النكهة اليمنية الخالصة، والعدنية على وجه الخصوص ووجود الكثير من الناس هنا دون تمايز عنصري، بحيث تجد الزحام حول أطباق الأكل، ما يبعث على السعادة، فالحركة المستمرة للسوق تقضي على الملل، تجعل الكثير يحب هذا المكان". يقول عبد الرحمن الشيباني.
ويضيف الشيباني الذي التقيناه هناك، جالسًا إلى إحدى الطاولات وبيده كوب من الشاهي الممزوج بالحليب: "أحب الجلوس هنا، ففي حال ضقت من البيت وشعرت بالحزن والاستياء بسبب ما يعيشه وطني وما خلفته الحرب من مآس، اتجه إلى هنا لشرب الشاي وأيضًا ألتقي بأصدقائي لتناول إحدى الوجبات التي تقدمها المطاعم الشعبية، حتى أتمكن من الخروج من الواقع الصعب الذي نعيشه، وأنسى أحزاني".
وعن الوجبة التي يفضلها عبد الرحمن، فهي طبق عدني، يسمى "ماكس" (وهو مصنوع من البيض والبقوليات والكبدة)، ويؤكل مع الخبز المقلي بالزيت.
وعن سبب الشهرة التي اكتسبها شارع المطاعم يقول عبد الرحمن إن موقعه الذي يتوسط صنعاء بمنطقة التحرير، بالإضافة إلى وجود الوجبات الشعبية المختلفة ذات المذاق اليمني الخالص، تجبر كل من يزور السوق للمرة الأولى أن يعود إليه مرة أخرى، الأمر الذي يجعله منه منطقة حيوية وسياحية.
وأكد عبد الرحمن أن الوجبات التي يقدمها شارع المطاعم أسعارها منخفضة بما يتناسب مع الحالة المادية للسكان الذين يعيشون ظروفًا إنسانية غاية في الصعوبة، جراء الحرب وانقطاع المرتبات.
كانت أول بوفية تبنى في الشارع هي بوفية شاهر العريقي، ونالت شهرة كبيرة في الثمانينات ثم انضمت إليها العديد من المطاعم والمقاهي، كما يخبرنا محسن العزعزي، صاحب أحد المطاعم ويعمل في السوق، منذ عشرين عامًا.
يؤكد العزعزي أن الحياة مستمرة في السوق رغم الحرب والصراع، فهناك زبائن لا يتوقفون عن الحضور إلى السوق، بالإضافة إلى الوافدين الجدد من المدن اليمنية الأخرى.
تعود شهرة شارع المطاعم من توسطه لصنعاء، إضافة إلى وجود الوجبات الشعبية المختلفة ذات المذاق اليمني الخالص
وبحسب حديث محسن، فإن شارع المطاعم كان مقصدًا للسواح من خارج اليمن، قُبيل اندلاع الحرب وإغلاق المنافذ والمطارات.
اقرأ/ي أيضًا: شوقي الزغير.. موروث حرفة العود اليمني
ينقل شارع المطاعم الزائرين من صنعاء إلى مدينة عدن، من خلال الوجبات العدنية التي يقدمها، والحياة التي يولدها في ميدان التحرير، ويوحد اليمن من خلال تسميته الجنوبية ومكانه في صنعاء، ويمزج أيضًا بين المدنية والريف من خلال الأطباق التي يقدمها، ناهيك عن الخليط الإنساني من العمال والطلاب والمثقفين والفنانين والحرفيين، الذين عندما يدخلون إليه ينسون كل انتماءاتهم الحزبية والمناطقية، ما يجعل منه واحة جميلة مصغرة لليمن الكبير.
اقرأ/ي أيضًا: