28-أغسطس-2024
ترتفع شعبية اليمين المتطرف في ولايات شرق ألمانيا (AP)

(AP) ترتفع شعبية اليمين المتطرف في ولايات شرق ألمانيا

يشهد شرق ألمانيا صعودًا لافتًا لأحزاب اليمين المتطرف، وفي مقدمتهم حزب "البديل من أجل ألمانيا"، الذي يتبنى خطابًا شعبويًا يرتكز على مناهضة المهاجرين، وقد حقق تقدمًا واضحًا على الأحزاب التقليدية الألمانية في الانتخابات المحلية والتشريعية التي جرت مؤخرًا، وهو ما يثير القلق داخل الأوساط الاقتصادية الألمانية.

عندما انتقلت المهندسة الكهربائية، بريتام غايكواد، لأول مرة إلى مدينة يينا عام 2013، كانت مفتونةً بما تقدمه المدينة الواقعة في شرق ألمانيا، من جامعة مرموقة، ومؤسسات بحثية رائدة، وشركات التكنولوجيا المتطورة، ومسؤولين بارزين في مجال عملهم، وفق ما جاء في تقرير لوكالة "أسوشيتد برس".

لكن بعد 11 عامًا، تغيرت وجهة نظر المواطنة الهندية وأصبحت أكثر واقعية، إذ تعبر غايكواد، البالغة من العمر 43 عامًا، عن قلقها بشأن التطورات السياسية في المدينة التي تقيم بها، والواقعة في ولاية تورينغن شرقي ألمانيا، وستشهد انتخابات بداية الشهر القادم.

عندما انتقلت المهندسة الكهربائية، بريتام غايكواد، لأول مرة إلى مدينة يينا عام 2013، كانت مفتونةً بما تقدمه المدينة الواقعة في شرق ألمانيا

تظهر استطلاعات الرأي تقدمًا كبيرًا لحزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف بحوالي 30 بالمئة من أصوات الناخبين، يليه الحزب "الديمقراطي المسيحي"، الذي يمثل يمين الوسط بـ21 بالمئة من أصوات الناخبين، وفي المرتبة الأخيرة حزب المستشار الألماني، أولاف شولتس، الحزب الديمقراطي الاجتماعي، الذي يمثل يسار الوسط بـ7 بالمئة من الأصوات فقط.  

تشير "أسوشيتد برس" إلى أن موقف حزب "البديل من أجل ألمانيا" المناهض للأجانب هو حجر الزاوية في حملته الانتخابية، مما يثير القلق بين الشركات الألمانية العاملة بالمنطقة، مثل شركة "جينوبتيك"، المختصة في هندسة الإلكترونيات البصرية، التي توظف غايكواد.

بريتام غايكواد

يعمل في الشركة بمدينة يينا 1680 عاملًا وأكثر من 4600 عامل على مستوى العالم، وقد زودت الشركة مجموعات عدسات عن بعد لمركبة ناسا على سطح المريخ.

تعتمد الشركة، وهي واحدة من الشركات القليلة الناجحة على الصعيد الدولي في مدينة يينا، على قدرتها على جذب والاحتفاظ بقوة عاملة عالية المهارة، معظمها قدم من خارج ألمانيا، ويقول الرئيس التنفيذي للشركة، ستيفان ترايغر، إن "صعود حزب البديل من أجل ألمانيا يجعل هذا الأمر أكثر صعوبة".

يتحدث عدد متزايد من الموظفين المحتملين لـ"جينوبتيك"، بأنه على الرغم من حبهم للعمل في الشركة، إلا إنهم لن يقبلوا العمل والعيش في مدينة يهمين عليها حزب يميني متطرف ينبذ المهاجرين والأقليات، وفق ما تقول "أسوشيتد برس".

يأمل ترايغر، وهو من مواليد مدينة يينا ودرس في الولايات المتحدة، بأن تظل المدينة، بعد الانتخابات، منفتحة وحرة وديمقراطية كما هي عليه الآن، وهذا ما يحتاجونه من أجل دفع الشركة إلى الأمام.

توضح الوكالة الأميركية أن ألمانيا تواجه بالفعل نقصًا كبيرًا في العمالة الماهرة، مع تقديرات للخبراء تشير إلى أن البلاد تحتاج إلى حوالي 400 ألف عامل ماهر مهاجر كل عام، مع تقلص اليد العاملة بسبب تقدم العاملين في السن، وطالما اعتبرت ألمانيا أكبر قوة اقتصادية في أوروبا، وقد تم تصنيفها مؤخرًا كأقوى قوة اقتصادية في العالم. 

وتُعد ولاية تورينغن واحدة من أفقر الولايات بألمانيا، وكانت سابقًا تحت حكم النظام الشيوعي، الذي حكم ألمانيا الشرقية من عام 1949 إلى عام 1990، حيثُ كانت الرواتب أقل من المتوسط، ولا يوجد بها سوى عدد قليل من أرباب العمل خارج القطاع العام، وقد غادرها معظم الشباب، وخاصة النساء، بحثًا عن فرص عمل في أماكن أخرى.

وقد بدأت هجرة الأدمغة إلى الغرب عام 1989، عندما سقط جدار برلين، ولم تتوقف منذ ذلك الحين. كما تقول "أسوشيتد برس"، وقد ساهم ذلك في ارتفاع معدلات التضخم والهجرة.

ففي عام 2023 استقبلت ألمانيا 1.9 مليون شخص جديد، في حين غادر البلاد 1.2 مليون شخص بشكل دائم، ما رفع عدد المهاجرين إلى 663 ألف شخص، وفي حين أن أقلية فقط تستقر في ولايات شرق ألمانيا الأكثر فقرًا، فإن المشاعر المناهضة للهجرة ترتفع هناك.

ملصق عنصري لحزب البديل

تشير وكالة "أسوشيتد برس"، إلى أن فرع حزب "البديل من أجل ألمانيا" في تورينغن "متطرف بشكل خاص"، فقد وصف مسؤوله الإقليمي، بيورن هوكه، النصب التذكاري للهولوكوست في برلين بأنه "نصب عار"، داعيًا إلى تغيير جذري في ألمانيا، بالطريقة التي تتذكر بها ماضيها، بما في ذلك النازيين. وفي عام 2020، تم وضع الفرع تحت المراقبة الرسمية من قبل جهاز الاستخبارات الداخلية الألماني باعتباره جماعة "يمينية متطرفة مثبتة".

تمتلئ مدن وقرى ولاية تورينغن بملصقات انتخابية لحزب "البديل من أجل ألمانيا"، كتب عليها "الصيف والشمس والهجرة مرة أخرى"، وفي أخرى وضعت صورة لطائرة أطلق عليها "شركة طيران الترحيل"، وهي إشارة إلى أن الحزب وناخبيه يريدون طرد المهاجرين من ألمانيا.

في المقابل، يسعى حزب "البديل من أجل ألمانيا" إلى التقليل من أهمية القضية ويفضل تسميتها بـ"إعادة الهجرة"، وتعني عودة المهاجرين طواعية إلى بلدانهم. 

يتحدث نائب رئيس حزب "البديل من أجل ألمانيا" في تورينغن وعضو برلمان الولاية، توربن براغا، لوكالة "أسوشيتد برس" عن "إعادة الهجرة"، قائلًا: إنها "تشير إلى أولئك الذين ليس لديهم الحق في البقاء في هذا البلد، وليس لديهم أي أمل في البقاء، لأنه لا يوجد سبب لوضع الحماية ولا يوجد سبب لهروبهم أو هجرتهم بالمعنى القانوني المعمول به"، وأضاف: "المهاجرين الذين يحملون تصاريح عمل لن يتأثروا بطبيعة الحال". 

تشير الوكالة الأميركية إلى أن تجربة غايكواد، المهاجرة الشرعية، تختلف إلى حد كبير، فبعض العنصرية التي تعرضت لها كانت خفية، وبعضها الآخر كان تمييزًا صريحًا، لكنها كانت دائمًا مؤذية ومهينة.

مثلًا أمين الصندوق في السوبر ماركت الذي تقوم غايكواد بشراء البقالة منه، يتمنى لجميع العملاء الآخرين يومًا لطيفًا، في حين يضع سلة التسوق لغايكواد بجانبها دون أن يقول كلمة، أو جارتها المسنة التي تحييها باللغة الألمانية، والتي أوقفتها ذات يوم لتقول لها: "أشعر بعدم الارتياح عندما أرى الكثير من الأشخاص ذوي البشرة الغريبة ولون الشعر، هنا في يينا".

لكن أكبر صدمة تعرضت لها غايكواد، كانت عندما أخذت ابنتها، التي تبلغ من العمر الآن 10 سنوات، إلى ساحة اللعب وسمعت صبيًا ألمانيًا صغيرًا يخبرها أنه سيصنع لها بودرة للجسم "حتى تصبحي شخصًا طبيعيًا مرة أخرى".

يقول مدير الأبحاث في معهد الديمقراطية والمجتمع المدني في يينا، أكسل سالهايزر، إن "حزب البديل من أجل ألمانيا يحظى بشعبية، خاصة في المناطق الريفية التي تمثل 70 بالمئة من سكان تورينغن".

وأضاف خلال حديثه لوكالة "أسوشيتد برس": "حتى عندما لا تكون هناك أغلبية حتى الآن، هناك أقليات كبيرة تصوت لصالح حزب البديل من أجل ألمانيا، إما للتعبير عن احتجاجها أو للتعبير علانية عن مواقف مناهضة للهجرة ومعادية لليبرالية".

ملصق لشركة جينيوتك

وتابع سالهايزر: "عندما يتعلق الأمر بولاية تورينغن، كمكان لممارسة الأعمال التجارية، فهذا يعني ليس فقط أن المهاجرين العاملين سوف يفكرون مرتين بشأن ما إذا كانوا سينتقلون إلى هناك، بل إن المستثمرين المحتملين سوف يسألون أنفسهم أيضًا ما إذا كانوا يريدون إنشاء شركتهم أو فرع لأعمالهم هنا".

مشيرًا إلى أن الأمر يمثل مشكلة كبيرة بالنسبة للمنطقة، وكان هناك انطباع بأن أعدادًا كبيرة من السكان لا تتسامح فقط مع المواقف المناهضة للهجرة والتنوع، بل وتدعمها أيضًا.

وقد أنشأت، العام الماضي، شركات وأفراد منظمة "كوزموبوليتان تورينغن"، وهي شبكة شعبية لتعزيز التسامح والتنوع وحقوق الإنسان غير القابلة للتجزئة، والتي تضم الآن أكثر من 7940 عضوًا.

ومؤخرًا، أظهر استطلاع للرأي، أجراه معهد الاقتصاد الألماني، وشمل أكثر من 900 شركة في شرق ألمانيا، بأن أغلبية الألمان يرون في حزب "البديل من أجل ألمانيا" خطرًا، سواءً فيما يتصل بتأمين العمال المهرة أو الاستثمار بالمنطقة.

ومن بين الشركات التي شاركت في استطلاع الرأي "جينوبتيك"، التي تحرص على تعزيز تنوع اليد العاملة لديها، من خلال عرض صور لموظفيها الأجانب على الملصقات بمقرها الرئيسي في مدينة يينا.

تقول غايكواد إن: "انفتاح جينوبتيك والعمل الرائع داخلها ودعم الأصدقاء هو ما يجعلها تبقى في يينا"، على الرغم من العنصرية التي تعرضت لها هي وعائلتها، وأضافت: "لدي إيمان كبير بالديمقراطية، وبالخير الموجود داخل الناس".

من جهته، أعرب الرئيس التنفيذي لشركة "جينوبتيك"، عن امتنانه لغايكواد وكل موظف أجنبي آخر استطاع الاحتفاظ به في يينا، وقال: "نحن في احتياج إلى موظفين يتمتعون بإمكانات إبداعية. نحن أهل تورينغن نتمتع بقدرة إبداعية كبيرة، ولكننا لن نتمكن من القيام بكل شيء بمفردنا"،

وأضاف: "نحن في احتياج إلى أشخاص يأتون من أجزاء أخرى من العالم، والذين ربما لديهم وجهات نظر مختلفة، ومعتقدات مختلفة، وألوان بشرة مختلفة أو أي شيء آخر".