27-أغسطس-2024
بيورن هوكه خزب البديل

(AP) زعيم حزب البديل من أجل ألمانيا في ولاية تورينغن الشرقية بيورن هوكه

حافظت ألمانيا التي تعد مهدًا للنازية على إبقاء القوى اليمينية المتطرفة بعيدًا عن السلطة. لكن يأمل الآن المدرس السابق للمدرسة الثانوية، بيورن هوكه، الذي لم يتقلد أي منصب سياسي، أن يغير ذلك وفقًا لتقرير أعدته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية.

يتصدر هوكه، وهو زعيم "حزب البديل من أجل ألمانيا" في ولاية تورينغن في شرق ألمانيا، السباق الانتخابي الإقليمي المقرر في الأول من أيلول/سبتمبر المقبل، وفقًا لاستطلاع للرأي أجراه معهد "INSA" منتصف آب/أغسطس الجاري، وهو ما يضع رجلًا قال سابقًا إنه من الصعب تصوير هتلر كـ"شر مطلق" في موقع الصدارة، ليكون أول سياسي يميني متطرف يفوز في انتخابات ولاية ألمانية بعد الحرب العالمية الثانية.

حفيد للاجئين طردوا من الأراضي الألمانية بعد الحرب

تقول "وول ستريت جورنال" إنه حتى لو لم ينتهِ الأمر بهوكه في الحكم، فإن الفوز في الانتخابات سيكون حدثًا تاريخيًا في ألمانيا، حيث سيمثل تتويجًا لأحد أكثر الأحزاب اليمينية المتطرفة تشددًا في أوروبا، وسيكون أيضًا بمثابة نقطة تحول في منطقة نجحت فيها الأحزاب اليمينية من خلال تلطيف مواقفها الأيديولوجية.

سيكون فوز حزب البديل في الانتخابات الإقليمية بمثابة نقطة تحول في منطقة نجحت فيها الأحزاب اليمينية من خلال تلطيف مواقفها الأيديولوجية

تورينغن هي واحدة من ثلاث ولايات في شرق ألمانيا (ساكسونيا وبراندنبورغ) التي تشهد انتخابات إقليمية في أيلول/سبتمبر المقبل، بالإضافة إلى 16 ولاية في ألمانيا، وقد أظهرت معظم استطلاعات الرأي تصدر "حزب البديل" في الولايات الشرقية الثلاث طوال فترة الصيف، مع تقدم هوكه بفارق تسع نقاط أمام "حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي" المحافظ. ووفقًا للصحيفة الأميركية، سيكون من الصعب على حزب البديل تكرار هذا النجاح على المستوى الوطني، بعدما تسببت الفضائح في تراجع شعبيته.

وتشير "وول ستريت جورنال" إلى أن هوكه ظهر في التجمعات التي أُقيمت في تورينغن تحت شعار "حفلات عائلية"، بصورة ودودة وإيجابية، وأضافت أنه من الناحية الجسدية، بدا الأب لأربعة أطفال، البالغ من العمر 52 عامًا، والذي يبدو شابًا رغم شعره الرمادي، كأنه لا يشكل تهديدًا، بل ودود إلى حد ما.

وبحسب الصحيفة الأميركية، فإن خطاب هوكه كان أكثر حدة خلال الفترة السابقة، إذ إنه بعدما وصف إعادة توحيد ألمانيا بأنها تجربة: "لتحويل مجتمع أحادي الثقافة إلى مجتمع متعدد الثقافات"، عاد للقول: "أسأل نفسي، هل سُئلنا يومًا ما عما إذا كنا نريد أن نصبح متعددي الثقافات؟"، وتابع مضيفًا: "لا، لم نكن نريد ذلك، ولهذا السبب ستنتهي هذه التجربة المتعددة الثقافات في تورينغن في الأول من أيلول/سبتمبر (المقبل)".

وترى "وول ستريت جورنال" أن رسالة حزب البديل المناهضة للهجرة قد تحصل على دفعة قوية بعد الهجوم الذي أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص في مدينة زولينغن، غرب ألمانيا، الجمعة الماضي. وقبل اعتقال الشرطة مشتبهًا به سوريًا، نشر هوكه مقطع فيديو لموقع الحادثة على منصة "إكس"، وعلق عليه بالقول متساءلًا: " هل تريدون حقاً أن تعتادوا على هذه الظروف؟".

وهوكه الذي ولد ونشأ في غرب ألمانيا، هو حفيد للاجئين طردوا من الأراضي الألمانية التي فقدت بعد الحرب العالمية الثانية، وقد انضم إلى حزب البديل بعد تأسيسه بفترة قصيرة في عام 2013، وقام بتأسيس فرع الحزب في تورينغن، ليحول الولاية الشرقية بسرعة إلى معقل للجناح اليميني للحزب.

أُدين بحكمين منفصلين لاستخدامه شعارًا نازيًا

وتذكّر الصحيفة الأميركية بأن هوكه قال في خطاب ألقاه حول النصب التذكاري للهولوكوست في برلين في عام 2017: "نحن الألمان الشعب الوحيد في العالم الذي أقام نصبًا للعار في قلب عاصمته"، وفي العام نفسه، قال لـ"وول ستريت جورنال" إن "المشكلة الكبيرة هي أنه يتم تقديم هتلر كشر مطلق".

وتضيف الصحيفة الأميركية أن القضاء انحاز إلى جانب المتظاهرين الذين وصفوا هوكه بـ"الفاشي" في عام 2019، وأشار القضاء إلى أن التسمية لم تكن تشهيرية بل تستند إلى "أساس واقعي يمكن التحقق منه".

ويبقى حزب البديل، بحسب "وول ستريت جورنال"، تجمعًا واسع النطاق نسبيًا، فهو يضم المحافظين إلى جانب القوميين والمتطرفين المحليين، لكن وكالة الاستخبارات الداخلية الألمانية صنفت فرع الحزب في تورينغن كمنظمة يمينية متطرفة.

وتقول الاستخبارات الداخلية الألمانية إن مواقف هوكه "تتعارض مع حقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون"، ويسمح هذا التصنيف للوكالة بمراقبة اتصالات قادة الحزب في تورينغن سرًا، وهو ما انتقده هوكه وزملاؤه باعتباره انتهاكًا لحقوقهم.

تصريح هوكه
مناهضون لحزب البديل يقتبسون تصريحات بيورن هوكه لـ"وول ستريت جورنال" في معرض ببرلين (رويترز)

وقد أدين هوكه في حكمين منفصلين خلال العام الجاري، وذلك لاستخدامه عمدًا في خطاباته شعار "كل شيء من أجل ألمانيا" مرتين، وهو شعار "كتيبة العاصفة"، الجناح شبه العسكري للحزب النازي، علمًا أن الشعار محظور بموجب القانون الألماني.

لكن هوكه أنكر معرفته بسياق الشعار، وكتب على منصة "إكس" قبل المحاكمة الأولى، أنه يتعرض للاضطهاد لأنه "عبر عن وطنيتي بطريقة غير صحيحة"، وأثار منشور هوكه تساؤلات الملياردير الأميركي، إيلون ماسك، الذي سأل: "ماذا قلت؟"، مضيفًا "لماذا يعتبر ذلك غير قانوني؟".

يمثل تيارًا سياسيًا معينًا في حزب البديل

وعلى الرغم من أن هوكه لم يشغل أي منصب من مناصب الهيئات التنفيذية المركزية للحزب، إلا إنه انتهى به المطاف منتصرًا مع مؤيديه في سلسلة النزاعات الداخلية التي أدت إلى نفي معظم الأعضاء البارزين من الجناح المعتدل للحزب، لكن هوكه توصل في السنوات الأخيرة إلى نوع من الهدنة غير المستقرة مع قادة الحزب، الذين يعتبرونه مصدر إزعاج لا ينبغي إبعاده نظرًا لنفوذه في معاقل الحزب الشرقية.

وتشير "وول ستريت جورنال" إلى أن الرئيسة المشاركة لحزب البديل، أليس فايدل، كانت قد قالت في أيار/مايو الماضي، إن هوكه: "يحظى بشعبية كبيرة في الشرق (ألمانيا)، ويظهر ذلك بشكل جيد"، وأضافت "لقد لاحظت ذلك خلال حضوري الفعاليات معه. هوكه يمثل تيارًا سياسيًا معينًا في الحزب، وعلينا أن نعترف بذلك".

لكن حتى لو فاز حزب البديل بأكبر حصة من الأصوات في تورينغن، فإن هوكه لا يزال يواجه عقبات كبيرة في توليه منصب حاكم الولاية، وفي ظل عدم وجود احتمال لجمعه أكثر من 50 بالمئة من الأصوات، فإنه سيحتاج إلى شريك ائتلافي، فيما لم يبد أي حزب آخر حتى الآن استعداده للمشاركة مع حزب البديل في حكم ائتلافي.

حتى لو فاز حزب البديل بأكبر حصة من الأصوات في تورينغن، فإن هوكه لا يزال يواجه عقبات كبيرة في توليه منصب حاكم الولاية

ويرى الرئيس المشارك لحزب البديل في تورينغن، ستيفان مولر، أن الحزب يتمتع بتداخل سياسي كبير مع "حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي" الذي يميل إلى يمين الوسط، فضلًا عن أن هوكه قد يتحالف أيضًا مع "تحالف سارة فاغنكنيشت"، وهو حزب شعبوي يساري جديد، غالبًا ما تعكس مواقفه الشعبية والمؤيدة لروسيا مواقف حزب البديل.

ووفقًا للاستطلاع للرأي أجرته مجموعة "فورسا"، فإن "تحالف سارة فاغنكنيشت" سيحصل في الانتخابات الإقليمية على 18 بالمئة، في مقابل 30 بالمئة لحزب البديل في ولاية تورينغن الشرقية، مما يشير إلى أنهما قد يحصلان على الأغلبية معًا.

وردًا على سؤال عما إذا كانت الانتصارات في تورينغن قد تعزز طموحات هوكه على المستوى الوطني، قال مولر: "يمكننا أن نكون نموذجًا إيجابيًا هنا، بما في ذلك بالنسبة للولايات الأخرى، وفروع حزب البديل من أجل ألمانيا.. ما ينجح في تورينغن قد ينجح أيضًا في ولايات أخرى".