وُلدت فكرة استراتيجية التعافي المبكر في سوريا في الثلث الأول من العام الجاري، وشهد هذا الأسبوع إعلان منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في سوريا عن إطلاق الإستراتيجية، الأمر الذي أثار لغطًا كبيرًا حول الموضوع، وخاصةً بين صفوف المعارضة السورية التي تُحذر من استغلال النظام لهذه العملية في تجاوز العقوبات الدولية المفروضة عليه وتنفيذ مشاريع إعادة الإعمار في مناطق سيطرته، علمًا بأن النظام السوري وأبواقه الإعلامية لم يدخروا جهدًا في الضغط من أجل الحصول على أموال "صندوق التعافي المبكر"، وصرفوا النظر مؤخرًا عن مكان مقر الأمانة العامة للصندوق بعدما كان النظام يضغط من أجل أن يكون مقرها في دمشق.
لكن، وبفعل الرفض القاطع من الأمم المتحدة، تقرر أن تكون مدينة نيويورك مقر الأمانة العامة للصندوق، وهو أمرٌ لم يُثر حتى اللحظة اعتراض النظام، وجرى تفسير ذلك بحرص النظام على أموال الصندوق ومشاريعه التي ستشمل مناطق تحت سيطرته. ويشار إلى أن المجتمع الدولي يرفض الشروع في إعادة الإعمار ورفع العقوبات الدولية قبل التوصل إلى حلٍ سياسي نهائي.
استراتيجية التعافي المبكر 2024 ـ 2028
عقد منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في سوريا، آدم عبد المولى، قبل أيام، مؤتمرًا صحفيًا في العاصمة دمشق، أعلن فيه عن إطلاق استراتيجية التعافي المبكر في سوريا لمدة خمسة أعوام.
لم يتم الكشف رسميًا بعد عن ميزانية صندوق التعافي المبكر، لكن آدم عبد المولى سبق وأن حدد احتياجات الصندوق بنحو 10 مليارات دولار أميركي
ومن المنتظر، حسب المسؤول الأممي، أن تشمل العملية كافة التراب السوري. وتهدف العملية في الخماسي الأول منها إلى "دعم بناء القدرة على الصمود على المدى الطويل ومعالجة الأزمة الإنسانية المستمرة".
وقال إن هناك "أكثر من 16.7 مليون شخص في سوريا يحتاجون لشكلٍ من أشكال المساعدة المنقذة للحياة والمستدامة، من بينهم سبعة ملايين نازح داخليًا"، مضيفًا في حديثه إلى وسائل الإعلام أن "الجهود الإنسانية الجارية، على الرغم من أهميتها، إلا أنها غير كافية لتعزيز القدرة على الصمود أو تمكين التعافي المستدام والشامل".
وبحسب بيانٍ صادر عن منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في سوريا، فإن "استراتيجية التعافي المبكر في سوريا تستفيد من تدخلات التعافي المبكر التي بدأت في إطار خطة الاستجابة الإنسانية والبرامج الأخرى، مع التركيز على تعزيز القدرات المحلية، ومن خلال معالجة الاحتياجات الإنسانية الفورية والحد من الاعتماد على المساعدات المستمرة بمرور الوقت، وتدعم الاستراتيجية التدخلات المستدامة والمستجيبة للنوع الاجتماعي والحساسة للسياق".
وبالمجمل، وضعت الاستراتيجية نصب عينيها 4 مجالات للتدخل هي "الصحة والتغذية والتعليم وتحسين خدمات المياه والصرف الصحي ودعم سبل العيش المستدامة".
وأكد منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في مؤتمره الصحفي بدمشق أن "هذه الاستراتيجية هي نتيجة لعدة أشهر من العمل من قبل منظومة الأمم المتحدة، وسوف تعمل بما هي أداة لا تقدر بثمن لضمان التقدم الهادف والمساعدة في معالجة الأسباب الجذرية للأزمة السورية لضمان نهج مستدام للصمود"، وفق تعبيره.
غلاف مالي ضخم
لم يتم الكشف رسميًا بعد عن ميزانية صندوق التعافي المبكر ولا عن آلية صرفها وتسييرها، لكن آدم عبد المولى سبق وأن حدد احتياجات الصندوق بنحو 10 مليارات دولار، وهو مبلغ كفيل بإسالة لعاب النظام السوري. وذكر عبد المولى هذا الرقم في سياق حديثه عن مشاركة دول الخليج في الصندوق، وكون تلك الدول التي تعد من المانحين التقليديين تفضل تقديم مساعداتها بشكل مباشر إلى الحكومة، لكن نظام العقوبات المفروض على النظام يمنعها من ذلك. وبالتالي، سيلجأ صندوق التعافي المبكر، حسب عبد المولى، إلى "توفير آلية آمنة وشرعية تحت مظلة دولية تسمح لها بتقديم مساعداتها للشعب السوري".
وتراهن الأمم المتحدة في توفير المبالغ المذكورة على دول الخليج بشكلٍ رئيسي، والمانحين غير التقليديين بدرجة ثانية، وبشكل خاص المانحين الأوروبيين المعنيين بملف اللاجئين السوريين وإعادتهم إلى مناطق يسمونها آمنة في سوريا.
تخوفات المعارضة
وكتن النظام السوري قد أظهر حرصًا شديدًا على أموال صندوق التعافي المبكر. ففي العام الماضي، عرض النظام على وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث خلال زيارته لدمشق، ولقائه ببشار الأسد، مقايضة إعادة اللاجئين السوريين بالحصول على مشاريع وأموال صندوق التعافي المبكر، مع العلم أن أحد أهداف مشروع التعافي المبكر هو تهيئة الظروف لإعادة اللاجئين، لكن من دون تسليم أموال الصندوق للنظام، بل إن المنظمة الأممية ترفض حتى الاتخاذ من دمشق مقرًا للأمانة العامة للصندوق، نظرًا لحساسيات ذلك الأمر وعدم ضمان شفافية التسيير في حال تمت العملية على عين النظام.
ومع استعصاء أن تكون دمشق مقرًا للأمانة العامة، والرفض القاطع من الأمم المتحدة تسليم أموال الصندوق للنظام السوري؛ يسعى بشار الأسد إلى الالتفاف على العقوبات ومقتضيات الحل النهائي بواسطة أموال التعافي المبكر. ففي لقائه بمارتن غريفيث، "ربط بشار الأسد عودة اللاجئين بتوفير متطلبات إعمار البنى المتضررة في القرى والمدن التي سيعودون إليها، وتأهيل المرافق الخدمية بمختلف أشكالها، إضافة إلى ضرورة تنفيذ مشاريع التعافي المبكر الضرورية لعودتهم"، وهذا يتعارض مع الموقف الأممي الذي يربط إعادة الإعمار بإقرار الحل النهائي للأزمة في سوريا.