30-أغسطس-2024
أقارب ضحايا الشيخة حسينة يطالبون بمحاكمتها (رويترز)

أقارب ضحايا الشيخة حسينة يطالبون بمحاكمتها (رويترز)

بعد حوالي الشهر على سقوط حكومة الشيخة حسينة التي حكمت بنغلادش لمدة 15 عامًا، بدأت تظهر أصوات من كانوا مغيبين قسرًا في سجون النظام مطالبين بتحقيق العدالة ومحاكمة المسؤولين عن تغييبهم.

وقال الناشط الحقوقي والمدافع عن حقوق السكان الأصليين في بنغلاديش، مايكل تشاكما، لوكالة "رويترز" للأنباء، إن محتجزيه أيقظوه في وقت سابق من هذا الشهر، من داخل زنزانة صغيرة مظلمة حيث كان محتجزًا، وألقوا به داخل سيارة وهو مكبل اليدين ومعصوب العينين. وأضاف: "اعتقدت أنهم سيقتلونني، لكن بدلًا من ذلك، تم إطلاق سراحي".

يشير تشاكما إلى مرور خمس سنوات منذ أن اختطفه رجال مسلحون خارج بنك بالقرب من العاصمة دكا. ومنذ ذلك الوقت، لم يعرف أحد أين هو أو ما إذا كان على قيد الحياة. وخلال استجوابه، تم سؤاله عن معارضته لرئيسة الوزراء الشيخة حسينة، وضرب لأسابيع. لكن بعد ذلك، ترك داخل زنزانة بمفرده، وهي واحدة من مئات الزنازين التي لا يدخلها ضوء الشمس، في مركز احتجاز غير معروف.

ووضعت الحكومة البنغلادشية المؤقتة على سلّم أولوياتها التحقيق في كيفية اختفاء مئات الأشخاص وإعدام بعضهم خلال فترة حكم الشيخة حسينة

حكمت الشيخة حسينة بنغلادش، الواقعة جنوب آسيا ويبلغ عدد سكانها 200 مليون نسمة، على مدى 15 سنة تميزت باعتقال المعارضين وقمع الحريات. وقد استقالت بداية هذا الشهر بعد موجة من الاحتجاجات قادها الطلبة، وتخللها أعمال عنف أدت إلى سقوط مئات المتظاهرين بين قتيل وجريح.

ووضعت الحكومة البنغلادشية المؤقتة برئاسة كبير مستشاريها الحائز على جائزة نوبل، محمد يونس، على سلم أولوياتها التحقيق في كيفية اختفاء مئات الأشخاص، وإعدام بعضهم، خلال فترة حكم الشيخة حسينة.

ويشار إلى منظمة "هيومن رايتس ووتش" أصدرت في عام 2021 تقريرًا نقلت فيه عن جماعات حقوقية بنغلادشية قولها إن ما يقرب من 600 شخص اختفوا قسرًا منذ عام 2009، بعد اعتقالهم من قبل قوات الأمن.

وجرى التحقيق في 86 حالة اختفاء قسري، ولا يزال مصير الضحايا مجهولًا، فيما تم إطلاق سراح آخرين، وظهر أنهم كانوا معتقلين، كما تم الكشف عن وفاة آخرين.

تقول المجموعة الحقوقية والنشطاء إن الضحايا احتجزوا في مراكز احتجاز مختلفة في جميع أنحاء البلاد، وإن هناك تورط للجيش أو المجموعات شبه العسكرية أو الشرطة، وهذا ما يمكن أن يشكل تحديًا لتحقيقات الحكومة البنغلادشية المؤقتة.

لم يرد المتحدثون باسم الجيش والشرطة في بنغلاديش على طلبات وكالة "رويترز" للتعليق على الموضوع. كما تعذر الوصول إلى الشيخة حسينة، التي تعيش في مكان غير معلن بالقرب من العاصمة الهندية نيودلهي، فيما لم يرد ابنها سجيب وازد، الذي يعيش بالولايات المتحدة، وكان المتحدث نيابة عنها، على أسئلة حول ما ورد في التقرير.

ولمتابعة قضية الأشخاص المختفين قسرًا، شكلت الحكومة المؤقتة لجنة مكونة من خمسة أعضاء، برئاسة قاضي سابق في المحكمة العليا، للتحقيق في حالات الاختفاء.

وقال نائب مدير فرع آسيا في منظمة "هيومن رايتس ووتش"، ميناكشي جانجولي: "هناك مخاوف من أن الجناة قد يحاولون التستر على جرائمهم"، وأضاف: "كخطوة أولى، يجب على قوات الأمن إطلاق سراح جميع المختفين قسرًا، أما من قتل أثناء الاحتجاز، فيجب تقديم إجابات لعائلاتهم".

تم إطلاق سراح تشاكما يوم 7 أب/أغسطس، وترك في حدائق خشب الساج بالقرب من منطقة شيتاغونغ بجنوب شرق بنغلاديش، التي تبعد حوالي 250 كلم عن العاصمة دكا.

وقال تشاكما في حديثه للوكالة إنه لم يكن يعلم عند إطلاق سراحه أن الشيخة حسينة قد أطيح بها، وفرت إلى الهند قبل حوالي يومين. وتابع حول فترة اعتقاله: "كان من الصعب عليّ التنفس. في البداية، أخبروني أنهم سيطلقون سراحي قريبًا، ولكن مع مرور أشهر ومن ثم سنوات، تخليت عن الأمل في الخروج. كان بداية كل يوم وكأنه 100 يوم هناك."

وفي اليوم نفسه الذي أطلق فيه سراح تشاكما، تم إطلاق سراح شخصين آخرين قالوا إنهما أمضيا سنوات في الاحتجاز القسري، ولكن لم تظهر سوى تفاصيل قليلة حول مكان احتجازهم ومن قام بذلك.

وتؤكد الحكومة المؤقتة أن اللجنة ستحقق في حالات الاختفاء القسري التي وقعت منذ 1 كانون الأول/يناير 2010، والتي يزعم أن من نفّذها أفراد من الشرطة والمجموعات شبه العسكرية والمخابرات والجيش.

وقال عضو اللجنة والناشط البارز في مجال حقوق الإنسان ببنغلادش، نور خان، لوكالة "رويترز" إن: "الأعضاء لم يجتمعوا بعد، لذلك كان من الصعب جدًا التحدث عن مدى تفاؤلنا بشأن نجاح عمل اللجنة". لكنه أضاف: "مع تشكيل هذه اللجنة، يتمتع الضحايا وعائلاتهم على الأقل بمنصة يمكنهم من خلالها السعي إلى طلب محاكمة عادلة وعقاب للجناة".

تحدثت "رويترز" إلى 15 شخصًا، بما في ذلك ضحايا هذه الاعتقالات، وعائلات بعض المفقودين، والمدافعين عن حقوق الإنسان، والمسؤولين الحكوميين والمراقبين، حول التحدي المتمثل في التماس العدالة.

ويكشف شفيق إسلام كاجول، وهو مصور صحفي من دكا، عن تعرضه للخطف من قبل مجموعة مكونة من ثمانية أو تسعة أفراد تحت تهديد السلاح بالقرب من جامعة دكا في أذار/مارس 2020.

وخلال حديثه إلى "رويترز" من لندن، يقول كاجول: "لقد عذبوني هناك كثيرًا"، مشيرًا إلى أنهم سألوه، أثناء تهديده بقتله، عن رأيه بالشيخة حسينة. وتابع: "كنت أنزف من أنفي وفمي". وبعد 53 يومًا من الاعتقال، تُرك بالقرب من بلدة حدودية واعتقلته شرطة الحدود البنغلادشية على الفور. أطلق سراحه في كانون الأول/ديسمبر 2020، بعد أن برّأته المحاكم من تهم التعدي على ممتلكات الغير.

غادر كاجول إلى لندن في زيارة العام الماضي، وبعد وصوله تقدم بطلب اللجوء الذي لا يزال قيد المراجعة. يقول: "أريد العودة إلى بلدي، إذا حصلت على الأمن"، ويضيف: "أريد أن أرفع قضية ضد جميع من تورط في إخفائي، بما في ذلك الشيخة حسينة".

بدوره، يؤكد تشاكما، أنه على استعداد للإدلاء بشهادته أمام اللجنة، لكنه قلق على سلامته، إذ إن هناك العديد من الأشخاص المتورطين في هذه الجرائم لا يزالون يملكون السلطة.

وأضاف: "هؤلاء الأشخاص أنشأوا نظامًا يتجاوز كل المساءلة، لذلك لست متأكدًا من مدى قدرة هذه الحكومة على تغييرهم".