08-أكتوبر-2024
المفكر العربي عزمي بشارة

المفكر العربي عزمي بشارة (التلفزيون العربي)

في الذكرى السنوية الأولى لهجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، أجرى "التلفزيون العربي" مقابلة مع المفكر العربي عزمي بشارة قدّم خلالها قراءته للعملية ونتائجها وتداعياتها، إضافةً إلى سلوك "إسرائيل" الإجرامي على مدار عام كامل، والحرب على لبنان، وقضايا أخرى مرتبطة بالحرب على غزة والوضع الإقليمي الراهن.

رأى بشارة أن هجوم السابع من أكتوبر يشكّل علامة فارقة في تاريخ الصراع، معتبرًا أن تداعيات هذا اليوم جعلت منه يومًا مفصليًا، خاصةً لناحية الحرب الشاملة التي شنّتها "إسرائيل" على قطاع غزة، وتحولت مع الوقت إلى ما يشبه الروتين، وهو أمر مرعب حسب وصفه. وذلك عدا عن تغييرها، ومن تساوق معها على المستوى الدولي، لمعايير السلوك في الحرب لا على مستوى استهداف المدنيين والطواقم الطبية فقط، بل وتدمير مبان وأحياء سكنية بأكملها بحجة اغتيال قيادي هنا أو هناك، وهو ما يتكرر في لبنان.

ولفت إلى أمر آخر ميّز الحرب على غزة عن غيرها من حروب القرن الحادي والعشرين، وهو اقتصار التغطية الإعلامية على الإعلام العربي، حيث غاب المراسلون الأجانب عن القطاع رغم تواجدهم في مستوطنات الغلاف بعد العملية مباشرة، حيث حوّلوا كل ضحية من ضحايا الهجوم إلى رواية وقصة شخصية بينما تجاهلوا معاناة الفلسطينيين في غزة.

أكد بشارة أن نتنياهو يشعر، بعد خطابه في الكونغرس الأميركي، بأنه مُطلق اليدين ويستطيع تنفيذ ما أراد تنفيذه في السابق

وقال إن الشعب الفلسطيني اليوم أمام نكبة جديدة تغيّرت فيها أوضاعهم عمومًا، مؤكدًا رفضه الحديث عن ذكرى لأن الحرب مستمرة، مشيرًا هنا إلى أن نتنياهو ومن معه وسّعوا أهدافها، بسبب العجز العربي والحالة الدولية، من منع تكرار 7 أكتوبر وتدمير قدرات "حماس" العسكرية، إلى توسيع الاستيطان وضرب المقاومة في الضفة الغربية وإضعاف السلطة الفلسطينية والحرب على لبنان، لافتًا إلى أن نتنياهو يشعر، خاصةً بعد خطابه أمام الكونغرس، بأنه مُطلق اليدين ويستطيع تنفيذ ما أراد تنفيذه في السابق.

وذكّر بشارة، في سياق انتقاده السردية الإسرائيلية والغربية التي توحي بأن القضية الفلسطينية بدأت في السابع من أكتوبر، بأن العملية لها خلفيتها وأسبابها، مثل الاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى، وتوسيع الاستيطان، وطريقة التعامل مع الأسرى، وتهميش القضية الفلسطينية بعد اتفاقيات أبراهام، وتضييق الحصار على قطاع غزة.

وفيما أكد أن الفلسطينيين لم يتوقعوا مثل هذه النتائج، وإلا لما كانوا قد أقدموا على تنفيذ العملية، تساءل: "لماذا لم تتوقع إسرائيل مثل هذه العملية؟"، موضّحًا أن اللوم يقع أولًا على المستعمِر الذي يقوم بكل ما يقوم به ثم يفاجأ برد المستعمَر الذي لا يقارن أساسًا بما يفعله المستعمِر. ولذلك فإن اللوم يجب أن يقع على "إسرائيل"، خاصةً أن مقاومة الاحتلال هي حق من الناحية القانونية، وواجب من الناحية الأخلاقية.

وأكد مدير عام المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات أن حجم الرد الإسرائيلي هو ما لم يكن ممكنًا توقعه، حيث قال: "إذا كنا نستهجن حجم الجرائم ونعتقد أنها سوابق، فكيف نتوقعها؟ هل عليّ أن أتوقع أن تقصف إسرائيل كل المستشفيات والمدارس و70 % من المساكن وأن تواصل ذلك عامًا كاملًا؟"، مضيفًا: "أي توقع لهذا هو تبرير لما حصل، بما أنك تتوقع العقلاني ولا تتوقع العجائب". كما شدّد على أن ما تقوم به "إسرائيل" في قطاع غزة غير متوقع وغير عقلاني ومستهجن بكل المقاييس.  

وفي قراءته لعملية "طوفان الأقصى"، أكد بشارة أنها خرقت منطق الحالة الدفاعية الرادعة التي أصبحت عليها المقاومة في السنوات الأخيرة، حيث تحولت إلى حركات دفاع عن النفس ورد فعل لا حركات تحرير فلسطين، لكونها ذات طابع هجومي وبمثابة إعلان حرب، لافتًا إلى أن حساباتها، على هذا الأساس، كانت حسابات خاطئة.  

وجدَّد بشارة قوله إن الاستراتيجية الإسرائيلية بعد العملية جمعت بين الانتقام والعقوبات الجماعية والهستيريا والإبادة، وذلك بسبب الشعور بالإهانة والمذلة لدى الإسرائيليين بسبب العملية، مشيرًا إلى أن "إسرائيل" قامت بكل ما تستطيع القيام به لمحو صورة المذلة في 7 أكتوبر.

حزب الله أراد تجنب الحرب

في الانتقال إلى لبنان، قال بشارة إنه يوجد إجماع إسرائيلي بشأن الحرب على لبنان التي لم تتبلور فكرة الحرب عليه مؤخرًا، بل هي موجودة منذ بداية الحرب على قطاع غزة. لكن "حزب الله" في المقابل وكما يرى بشارة، لم يكن يريد الحرب وهو ما عبّر عنه سلوكه وتعامله مع الضربات الإسرائيلية، مؤكدًا أن الحزب أصر دائمًا على أن ما يفعله هو إسناد غزة، وأن الإسناد يتوقف بتوقف الحرب على القطاع.

واعتبر أن ما يحدث في لبنان هو حرب عدوانية للقضاء على "حزب الله" أو قدرته العسكرية، مشيرًا إلى أن ما يقوم به الإسرائيليون في لبنان يدل على وجود تخطيط لسنوات، وأن هجمات البيجر واللاسلكي والاغتيالات المتتالية كانت، في جانب منها، لأجل استعادة هيبة أجهزتها الاستخباراتية التي ضُربت في 7 أكتوبر.

وما جعل الحزب مكشوفًا لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، وفق بشارة، هو تدخله في سوريا كحركة طائفية عابرة للحدود، الأمر الذي وصفه بأنه "خطأ عمره". وأعرب، في هذا السياق، عن أمله بأن تفشل "إسرائيل" في تحقيق ما تصبوا إليه، وأن تتمكن المقاومة في صدّها على الأقل بريًا.

قال بشارة إن الاستراتيجية الإسرائيلية جمعت، بعد هجوم 7 أكتوبر، بين الانتقام والعقوبات الجماعية والهستيريا والإبادة بسبب الشعور بالإهانة والمذلة

وفيما أكد بأن الحزب أراد تجنب الحرب لأسباب داخلية وإقليمية، قال إن "إسرائيل" لم تترك لهم المجال، موضحًا: "هم لم يدركوا في اللحظة المناسبة أنّ إسرائيل تقوم بحرب وليس مجرد استنزاف أو مناوشات. لم يدركوا متى بدأت الحرب، أو ربما عندما أدركوا كان قد فات الأوان لأن إسرائيل بدأت تصفّي من أدرك وتلاحقهم بلا هوادة".

وفي هذا السياق، رأى صاحب كتاب "قضية فلسطين: أسئلة الحقيقة والعدالة" أنه إذا نجحت "إسرائيل" في تحقيق أهدافها، وخرجت منتصرة من هذه الحرب، فإنها لن تخرج منتصرة على إيران فقط، وإنما على العرب الذين لم يكن لهم أي دور ضمن هذه المرحلة، داعيًا إلى تفكير استراتيجي أكثر عمقًا حول الوضع العربي عمومًا والعلاقة الإشكالية مع إيران، متسائلًا: "ماذا يخسر العرب إذا جلسوا مع إيران وفتحوا حوارًا معها في هذه الظروف، على قاعدة أننا مستعدون أن نقف معكم لكن لنا شروط فيما يتعلق بسلوككم ودوركم في المنطقة؟".

إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية

أما بشأن الانقسام الفلسطيني، قال بشارة إن اتفاقيات أوسلو أدخلت الشعب الفلسطيني في فخ سلطة وهمية وأنشأت بذلك خلافات حولها وإن لم تكن على السلطة نفسها، مؤكدًا ضمن هذا السياق أن من قاموا بتهميش منظمة التحرير الفلسطينية لصالح السلطة، لا يدركون بأن الحرب الحالية ليست على حماس فقط وإنما على جميع الفلسطينيين، وأنها ستطالهم لاحقًا.

وأشار إلى أن ممارسات "إسرائيل" وتماديها في الضفة الغربية تعبيرٌ عن عدم قبول "إسرائيل" بالسلطة الفلسطينية في حدودها الحالية ولا في صلاحياتها، مشددًا من جديد على ضرورة إعادة بناء منظمة التحرير بحيث تجمع كل الفلسطينيين.

وبشأن اعتقاد السلطة بأن الوقت سيثبت أنها الوحيدة القادرة على إدارة قطاع غزة، قال بشارة إن "إسرائيل": "لن تقبل سوى رقابة كاملة وتريد أن تشاركها بعض الدول العربية في هذا المخطط"، والبديل هنا حركة تحرير وطني موحدة: "لا تستطيع الدول العربية إلا أن تدعمها وستضطر إسرائيل أن تتعامل مع الموضوع، لكنّ ما يجري الآن هو فتح مخارج لإسرائيل لتهرب من مواجهة ما عليها أن تواجه بعد كل الجرائم التي ارتكبتها من دون أن تنجح في القضاء على الشعب الفلسطيني وتطلعاته".

أكد بشارة أن تحول الحرب الإسرائيلية على غزة إلى ما يشبه الروتين هو أمر مرعب

وأكد المفكر العربي أنه: "إذا خرجنا من 7 أكتوبر دون وحدة وطنية فلسطينية، سيستمر نهج التطبيع، بمعنى أنّ حبل التطبيع الذي انقطع في 7 أكتوبر وهو ما أزعج بايدن، سيتواصل لأنّ ما قطعه ليس عملية 7 أكتوبر فقط بل صمود الشعب الفلسطيني ووقوف الشعوب العربية معه"، مضيفًا: "إذا انكسر هذا الأمر ووجدت إسرائيل فلسطينيين يتعاونون معها في إدارة قطاع غزة، سيعود التطبيع بدون قضية فلسطينية".

الانتخابات الرئاسية الأميركية

أما بخصوص الانتخابات الرئاسية الأميركية، والفرق بين المرشحين كامالا هاريس ودونالد ترامب إزاء قضايا المنطقة، رأى بشارة أنه يوجد بالفعل فرق بينهما، مشيرًا إلى أن ترامب يخطط ربما لقبول خطط التهجير مع نتنياهو، وأنه ميّال أكثر نحو المواجهة إزاء ملفات فلسطين ولبنان وإيران التي دعا إسرائيل إلى ضرب مفاعلاتها النووية، معتبرًا أن توجهه بهذا المعنى هو: "توجّه جنوني لناحية النظر إلى منطقتنا من دون أي اعتبار لتاريخ الصراع أو لقضية فلسطين أو لوجود شعوب في هذه المنطقة".

وشدّد في هذا السياق على أنه: "إذا لم يكن لدى الأنظمة العربية مشروع إقليمي لن يفيدها أحد حتى لو تحول كل الحزب الديمقراطي مثلاً لتأييد الشعب الفلسطيني، وإذا لم تضع الدول العربية قضية فلسطين على جدول الأعمال في العلاقة مع الولايات المتحدة، فإنّ شيئًا لن يتغيّر"، مؤكدًا أن الولايات المتحدة لا تستغني عن "إسرائيل" لأنه ليس لها حليف بقوة إسرائيل وبموثوقيتها في التحالف.

وقال بشارة: "الولايات المتحدة تستطيع أن تأمر إسرائيل، ولكن لماذا تفعل ذلك؟ كرمى لعيوننا؟ هل أقمنا لوبيات ذات أجندة محددة؟"، مضيفًا: "البديل العربي غير جاهز والتهديدات غير موجودة، إلا إذا أدّت خطوة إسرائيلية ما إلى اشتعال المنطقة بشكل يضرّ بالمصالح الأميركية، فعندها ستوقفها، لكن هذا لم يحصل لأنه لا يوجد عامل إقليمي في المنطقة يجبر الولايات المتحدة على فعل ذلك لأنها يجب أن تأخذ مصالحه بالاعتبار".