الترا صوت - فريق التحرير
أجرى تلفزيون سوريا لقاء مباشرًا مع المفكر العربي عزمي بشارة، حول موضوع تحولات الثورة السورية بعد مرور عقد من الزمن على انطلاقها، وتطرق اللقاء أيضًا في جزئه الأول إلى العدوان الإسرائيلي الحالي على القدس والمواجهات بين المقدسيين وشرطة الاحتلال على خلفية ملف مصادرة البيوت المقدسية في أحياء القدس العربية من طرف الجمعيات الاستيطانية بتواطؤ من حكومة الاحتلال وسلطاته.
القدس لا تتوقف عن المقاومة
في سياق ما يجري الآن في القدس، اعتبر بشارة أن النكبة تتلخص تاريخيًا في اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم وبيوتهم وإحلال المستوطنين محلّهم، وأن الاحتلال قام بتطويق القدس عمليًا بالمستوطنات منذ 1968 تاريخ قرار ضم القدس، وتعمل الجمعيات الاستيطانية الممولة من الخارج منذ ذلك التاريخ على ابتلاع الأراضي العربية، فيما تُساعدها في ذلك الحكومة والمحاكم الإسرائيلية، بهدف تحويل القدس العربية من مدينة صالحة كعاصمة فلسطين إلى مجرد حي أو غيتو داخل مدينة إسرائيلية، على ذلك الأساس لم يتوقف المقدسيون عن المقاومة طوال السنوات الماضية، وبالتالي فإن مقاوتهم ليست محددة بتوقيت معين، وتوقيت التصعيد الحالي له علاقة فقط بجلسة المحكمة العليا الإسرائيلية.
اقرأ/ي أيضًا: عزمي بشارة: كل فلسطين قدس
وأضاف عزمي بشارة أنه ينظر بأمل كبير لهذا الجيل من الشباب المقدسي الذي يقاوم سياسات الإحلال وَوَقَفَ ضد محاولات سلب البيوت المقدسية.
ونبّه بشارة في هذا الصدد إلى أن الإسرائيليين يعملون بنفس طويل على مشاريع الاستيطان وهذا يحتم وجود استراتيجية فلسطينية طويلة الأمد كذلك، وحذر في هذا الصدد من الرهان على المحاكم الإسرائيلية أو الارتكان إليها في هذه القضايا، مؤكدًا أن النضال والمقاومة كفيلان بإحداث نتائج مهمة لأن العودة عن النضال تعني عودة الاستيلاء على البيوت المقدسية من طرف المستوطنين.
وتحدث بشارة عن سابقة تاريخية في القدس اعتبر أنها تفسر إلى حد ما سلوك حكومة نتنياهو إزاء الأحداث الجارية، ففي أول حكومة لنتنياهو عام 1996، انطلقت "انتفاضة النفق" المتعلقة بمحاولات بناء جسر نحو المسجد الأقصى والحفر تحته، وشارك في تلك الانتفاضة الأمن الفلسطيني، وقُتل فيها 12 جنديًا إسرائيليًا و100 من أفراد الأمن الفلسطيني، ما أدى إلى إفشال فترة حكم نتنياهو الأولى، واعتبر بشارة أن هذا المعطى أو هذه السابقة تفسر إلى حد كبير سلوك نتنياهو في القدس الناجم عن تلك العقدة، لكن المشكلة في الوضع الراهن هي تغير موقف السلطة الفلسطينية من أهمية النضال منذ الانتفاضة الثانية.
هذا فضلًا عن أن الانتفاضة الأولى والثانية أوقفتا الاستيطان، كما أزال النضال البوابات الحديدية من الأقصى وأجبر الإسرائيليين على التراجع عن قرارهم المتعلق بباب العمود.
وحول موقف الشارع العربي، اعتبر بشارة أن الرأي العام العربي لم يطبع مع إسرائيل، ولم يستهلك الدعاية التطبيعية التي تروّجها بعض الأطراف العربية حاليًا، خاصة وأن إسرائيل رفضت كل التسويات التي تتضمن أدنى حد من العدالة للفلسطينيين، هذا فضلًا عن أن القضية الفلسطينية تعتبر آخر قضية استعمارية مفتوحة في العالم، وهي من هذا المنطلق تحظى بوزن اعتباري كبير في الجنوب العالمي، إلا أن التضامن معها متوقف على نضال أهلها فالناس يتضامنون مع ضحايا يقاومون.
تحولات الثورة السورية
رد مؤلف كتاب "سوريا درب الآلام نحو الحرية" في هذا الجزء من المقابلة مع برنامج "منتدى دمشق" على مجموعة من الأسئلة المتعلقة بالعوامل السياسية والاجتماعية التي أثرت في مسار الثورة السورية، وكيف تُفهم تحولاتها ونتائجها مقارنة بالثورات العربية وصعوبات الانتقال الديمقراطي في سوريا.
واعتبر عزمي بشارة أن القاعدة الاجتماعية للنظام السوري تغيرت، وأن حزب البعث لم تعد له أي قيمة في النظام حاليًا بسبب فقدانه القاعدة الاجتماعية التي كان يُنظّمها لصالح النظام والتي ثارت عليه في الأخير عند بداية الثورة بسبب اللبرلة الاقتصادية التي نفّرت القواعد الحزبية، بناء على ذلك اعتبر بأن حزب البعث ترك مكانه للمليشيات والشبيحة الذين كانوا يمثلون في الماضي حثالة النظام، لكنهم أصبحوا الآن في مركز النفوذ ويبتزون النظام.
كما اعتبر المدير العام للمركز العربي للأبحاث أيضًا بأن طبيعة الجيش السوري تغيرت، وبالرغم من أن الثورة لم تنجح في تحقيق أهدافها وأبرزها إسقاط النظام بسبب تفتت المعارضة والحالة الفصائلية المشتة فإن النظام أيضًا نفسه لم ينتصر، فالنظام يحكم فقط جزءًا من سوريا غير قادر على إعالته، بمعنى أنه لم يعد قادرًا على تقديم وتلبية حاجياته، بل زيادة على ذلك تُركت أجهزة الدولة لتقوم بنهب المجتمع.
بناء على ذلك استنتج بشارة أن النظام السوري بات ضعيفًا، وأن العقبة لم تعد تتمثل في قوة النظام بقدر ما هي مرتبطة حاليًا بالأطراف الداعمة له وبعدم وجود بدائل سياسية للنظام في صفوف معارضته التي أخفقت في التوحد، وفوق ذلك تفكك الأراضي السورية.
علاقة النظام بروسيا وإيران
اعتبر المفكر العربي أن النظام السوري نجح في إقناع حلفائه، روسيا وإيران، بقبوله على ما هو عليه دون تغيير، وأنه تحول إلى رمز لنجاح هاتين القوتين وانتصارهما في سوريا، مقابل تحقيق أهداف جيو استراتيجية لموسكو وطهران بالرغم من اختلاف أهدافهما، لكن المعضلة الكبيرة تتمثل في أن النظام باع سوريا لهذين الطرفين.
كما أكد أن مسألة حدوث أي تغيير في سوريا مرتبطة بدخول الأطراف المتحكمة في أوراق اللعبة (موسكو، طهران، أنقرة، واشنطن)، في صفقة من نوع ما، لكن الأسباب التي تدعو إلى ذلك غير واردة حاليًا نتجية عدة أسباب، منها عدم الرغبة الفعلية لدى الأطراف الفاعلة في سوريا للتوجه نحو هذا الخيار، ونتيجة أيضًا لغياب بديل سياسي جاهز.
وبالنسبة للانتخابات التي يستعد لها النظام قال بشارة بأن "النظام السوري أتقن لعبة عجيبة وهي أنه يمثل لعبة يعرف أنها تمثيلية ويعرف أن الناس يعرفون أنها تمثيلية، ومع ذلك يفرض هذه اللعبة لأن لا طرف دوليًا يضع سوريا الآن على سلم أولوياته"، وذات الأمر ينطبق على مبدأ المفاوضات على الدستور، قائلًا إن التغييرات في سوريا تتطلب وجود طرف يفرضها، وهو في هذه الحالة طرف دولي، لكن هذا الطرف الدولي ليس لديه سبب وليس لديه بديل.
كما اعتبر أن القيادات المدنية للثورة السورية صُفّيت في أول سنتين للثورة السورية، ما سمح بدخول عنصر جديد للثورة اعتمد السلاح لحماية المتظاهرين في البداية، لكن هذه الفصائل المسلحة أصبحت كيانات قائمة بذاتها، وتحولت إلى ظاهرة أمراء حروب ثم ظهرت الفصائل الإسلامية المسلّحة، وحدثت في الأثناء جرائم، وكانت المعضلة الأساسية هي عدم وجود قيادة سياسية موحدة، وانتشار الفصائلية، وعدم خضوع القيادات العسكرية المسلّحة لقيادة سياسية.
مستقبل التغيير الديمقراطي في سوريا
اعتبر مؤلف كتاب "الانتقال الديمقراطي وإشكالياته: دراسة نظرية وتطبيقية مقارنة" أن مستقبل التغيير الديمقراطي في سوريا يفترض الانتباه للتناقضات في القواعد الاجتماعية للنظام، كما يتطلب الاهتمام بالشتات السوري الذي تحول إلى جاليات بإمكانها أن تؤثر مستقبلًا في القرار الدولي بتكوين لوبيات تأثير، منوّهًا في هذا الصدد بأهمية الحظر الدولي على نظام الأسد الذي هو حظر قوي بدأت بعض الدول العربية في كسره للأسف.
على المدى المتوسط اعتبر عزمي بشارة أن النظام السوري لن ينجح، فهو عاجز عن الحصول على الشرعية الدولية، ولم ينجح في الحكم
على المدى المتوسط اعتبر عزمي بشارة أن النظام السوري لن ينجح، فهو عاجز عن الحصول على الشرعية الدولية، ولم ينجح في الحكم، وفي الختام نبه إلى خطر محدق يهدد وحدة سوريا يتمثل في تحول بعض المناطق، خاصة في الشمال ومناطق سيطرة قسد، إلى كيانات سياسية ثابتة، داعيًا إلى ضرورة وجود مظلة جامعة للسوريين.