تعتبر الكلمات جزءًا بسيطًا من تواصلنا الإنساني مع الآخرين، أما الجزء الأعمق فهو لغة الجسد. معظم الأشخاص قادرون على قراءة لغة الجسد حتى دون إدراكهم لذلك، فجميع العواطف والمشاعر الإنسانية تَظهر خلال وقفتنا أو حركات أيدينا وتعابير وجوهنا، ويُعد القلق من أكثر المشاعر الإنسانية وضوحًا لما يصاحبه من تعبيرات وتغيرات فسيولوجية يصعب إخفاؤها، بالإضافة إلى أسبابه المتنوعة التي من الممكن مواجهتها في الكثير من المواقف اليومية خلال العمل أو الدراسة وحتى في العلاقات الشخصية، فعادة ما يظهر الأشخاص توترًا دون قصد في المواقف التي يشعرون فيها بعدم الارتياح أو الانزعاج. إذًا ما هي أهم علامات التوتر في لغة الجسد؟
كلما كان الشخص أكثر وعيًا بعلامات التوتر لديه يصبح من الأسهل التخفيف منها
علامات التوتر في لغة الجسد
على الأشخاص أن يكونوا على علمٍ بعلامات التوتر في لغة الجسد لديهم، لتأثيرها على تواصلهم، فكلما كان الشخص أكثر وعيًا بعلامات التوتر لديه يصبح من الأسهل التخفيف منها، حينها يمكنهم تعزيز قدرتهم على التواصل وبناء علاقات إيجابية وأكثر تفهمًا. لا بد من الإشارة إلى أنه عادة ما يستخدم الأشخاص هذه الأساليب لتهدئة أنفسهم عند شعورهم بالتوتر.
- قضم الأظافر: من أكثر العلامات شيوعًا ووضوحًا، تشير إلى التوتر والقلق وعادةً ما تكون استجابةً لموقفٍ حرجٍ أو صعب.
- عض الشفاه: يمكن أن يسبب التوتر جفاف الفم الذي بدوره يجعل الأشخاص المتوترين يعضون شفاههم دون وعي منهم استجابةً لموقفٍ محرجٍ أو مزعج، ويعتقد أنها تساعد في تخفيف التوتر بشكل مؤقت.
- الارتعاش: يمكن أن يكون الارتعاش في اليدين أو الساقين أو الجسم كله، وهي علامة يمكن ملاحظتها بسهولة على الأشخاص الذين يشعرون بالتوتر، وقد يزداد الارتعاش بزيادة التوتر.
- التعرق: يعد التعرق استجابة فسيولوجية طبيعية عند الشعور بالتوتر لمحاولة تخفيض حرارة الجسم، ويكون التعرق واضحًا في الجبين واليدين، وممكن أن يزداد التعرق بزيادة التوتر.
- طقطقة الأصابع: عندما لا يعرف الشخص المتوتر ما يجب عليه فعله يميل لطقطقة أصابعه وربما فرك يديه أيضًا كآلية لتهدئة أعصابه وتخفيف الضغط النفسي الذي يمر به.
- احمرار الوجه: نتيجة للضغط النفسي وارتفاع درجة القلق تزداد درجة حرارة الجسم ليظهر ذلك على وجه الشخص المتوتر كرد فعل طبيعي للجسم.
- اللعب بالشعر: يكون على شكل حركات متكررة مثل لف الشعر حول الأصبع أو سحبه وتمرير اليد على الشعر كوسيلة لتخفيف التوتر عند الشعور بالخجل أو الانزعاج.
- تجنب الاتصال بالعين: محاولة تجنب النظر المباشر لأعين الأشخاص الآخرين أثناء التحدث، وفي حال حدوث اتصال عن طريق الخطأ سرعان ما يشيحون بنظرهم بعيدًا، لتجنب المواقف المزعجة أو الشعور بالخجل.
- التململ: هي حركات متكررة غير ضرورية مثل النقر باليدين أو هز القدمين، يقوم بها الشخص عند شعوره بالإرباك كطريقة لتخفيف الضغط النفسي.
تكرار التوتر بشكل مزمن يمكن أن يتسبب في تلف الأوعية الدموية والشرايين، مما يزيد خطر الإصابة بمشاكل صحية مزمنة
ماذا يحدث للجسم أثناء التوتر؟
تحدث تغيرات فسيولوجية في جسم الإنسان عند تعرضه للضغط والتوتر، لمساعدته على التعامل مع المواقف الصعبة. من علامات التوتر في لغة الجسد الفسيولوجية إطلاق هرمونات مثل هرمون الأدرينالين وهرمون الكورتيزول، حيث إن وجودهما من الممكن أن يكون إيجابيًا أحيانًا، فيجعلون الإنسان أكثر يقظة وتركيزًا على المهمة التي يقوم بها، إلا أن استمرار التوتر واستمرار تدفق الهرمونات في جسم الإنسان لفترات طويلة يمكن أن يصبح مشكلة، فيميل الشخص المتوتر للتنفس بشكل سريع وعميق محاولًا تحسين توزيع الأوكسيجين في الدم، إنها استجابة فعالة في الأوقات العادية لكن بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من مشاكل تنفسية مثل الربو، قد يزيد من حدة الأعراض لديهم. أما هرمون الكورتيزول قد يلحق ضررًا بجهاز المناعة، ويقلل قدرة الإنسان على محاربة الأمراض، فإطلاقه في الجسم يجعل الجسم أكثر عرضة للإصابة بالعدوى والالتهابات المختلفة.
ويُحدث التوتر الحاد تأثيرًا مباشرًا على القلب والأوعية الدموية، فتزداد ضربات القلب ويرتفع ضغط الدم للتكيف مع الموقف الصعب، ويعودان إلى وضعهما الطبيعي بمجرد انتهاء التوتر الحاد، ومع ذلك، تكرار التوتر بشكل مزمن، أي على فترات طويلة يمكن أن يتسبب في تلف الأوعية الدموية والشرايين، مما يزيد خطر الإصابة بمشاكل صحية مزمنة كارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب والأوعية الدموية، والنوبة القلبية أو السكتة الدماغية. وبالإضافة إلى ذلك، يقلل التوتر من كفاءة الجهاز الهضمي، فتظهر مشاكل مثل الحرقة والانتفاخ والإسهال مشاكل الإمساك، وقد تنخفض قدرة أمعائنا على امتصاص العناصر الغذائية من طعامنا. ولا شك أن التوتر يؤثر على صحتنا العقلية، فمن الشائع مواجهة حالات مزاجية متغيرة سببها التوتر، بالإضافة للغضب وصعوبة النوم وضعف التركيز والانتباه.
اتباع نظام غذائي صحي متوازن يمنح الجسم العناصر الغذائية الغنية والمهمة التي تساهم في تخفيف التوتر كالمغنيسيوم والأوميغا 3.
استراتيجيات تخفيف التوتر
عادة ما يحتاج الأشخاص الذين يشعرون بالتوتر بشكل مفرط إلى أساليب فعالة للتخفيف منه لتحسين قدرتهم على التواصل مع الآخرين وتعزيز التواصل الإيجابي، والحد من علامات التوتر في لغة الجسد.
- التمارين الرياضية: ليس من الضروري القيام بجهد كبير لساعات طويلة، يكفي القيام بتمارين خفيفة أو المشي بانتظام لتحسين المزاج وتخفيف التوتر.
- الاسترخاء والتنفس العميق: من الممكن ممارسة تمارين تعتمد على الحركة البطيئة والإطالة والتنفس بعمق مثل تمارين اليوغا، حيث أنها تزيد وصول الأوكسجين للدماغ فيساعد على تهدئة الجهاز العصبي والاسترخاء.
- نظام غذائي صحي: إن اتباع نظام غذائي صحي متوازن يشمل الخضراوات والفواكه واللحوم بأنواعها، يمنح الجسم العناصر الغذائية الغنية والمهمة التي تساهم في تخفيف التوتر كالمغنيسيوم والأوميغا 3.
- النوم الجيد: يحتاج معظم البالغين إلى النوم من 7 إلى 9 ساعات تقريبًا كل ليلة، فهو يلعب دورًا مهمًا في تجديد الطاقة واستعادة التوازن العقلي.
- تنظيم وإدارة الوقت: تحديد الأولويات وإدارة الوقت بشكل جيد له دوره في تخفيف الضغوط والتوتر.
- التواصل الاجتماعي: يتيح التواصل الاجتماعي مشاركة المشاعر مع الآخرين كالأصدقاء والعائلة وهذا بدوره يخفف مشاعر التوتر.
يلعب السياق دورًا هامًا في تفسير علامات التوتر، إذ تختلف التفسيرات مع اختلاف الأشخاص والظروف المحيطة واختلاف الثقافات
التحكم بعلامات التوتر في لغة الجسد
إن وضوح علامات التوتر في لغة الجسد أمام اﻵخرين تعطي انطباعًا بعدم الثقة والخضوع وتقليل قيمة الذات، وتعكس عدم الرغبة في اتخاذ موقف قوي وعدم القدرة على السيطرة، في حين أن الواقع قد يكون عكس ذلك تمامًا. الحياة العملية لا تتوقف في أن تكون سببًا للتوتر، مواعيد نهائية ومسؤوليات وغيرها من المواقف الصعبة التي تجعل الأشخاص يُظهرون علامات التوتر في لغة الجسد بشكل واضح، ومع ذلك يمكننا استخدام لغة الجسد لإدارة التوتر وبناء الثقة بالنفس مرة أخرى. لكن كيف يتم التغلب على علامات التوتر في لغة الجسد؟
-
الابتسام بصدق
مقابلة الناس بابتسامة صغيرة دون المبالغة يعطي تأثيرًا سحريًا، فهي لا تجعل الشخص يبدو بمظهر ودود واثقٍ فقط، بل إنها تنشئ حلقة من ردود الفعل الإيجابية، كل ما هو مطلوب، الابتسام باستخدام العينين بجانب الفم دون تزييفٍ أو مبالغة.
-
التواصل البصري
التواصل البصري يجعل الأشخاص يبدون أكثر جدارةً بالثقة وأكثر مصداقية. إذا كان التواصل البصري أكثر من اللازم قد يبدو الشخص غريبًا وإن كان أقل من اللازم قد يبدو مريبًا، لذا المحافظة على التواصل البصري أثناء الحديث خاصة بشكل معتدل يقلل علامات التوتر في لغة الجسد.
-
التحكم في نبرة الصوت
يعتبر استخدام نبرة الصوت المنخفضة أكثر اتزانًا وثقةً من النبرة المرتفعة، كما يُفضل عدم التسرع في الردود، لتجنب إظهار التلعثم والبقاء بوضعٍ هادئ.
-
التنفس بهدوء
واحدة من أبسط الطرق وأكثرها فعالية هي التنفس بعمق، يساعد التنفس على إمداد الدماغ والجسم بالأوكسجين، مما يجعل الشخص أكثر تركيزًا ويساعده على تحسين أدائه، يكون التنفس عن طريق الأنف ببطء، وملء الرئتين والبطن بالهواء ثم الزفير ببطءٍ من خلال الفم. ويفضل تكرار ذلك عدة مرات أثناء التعرض للضغط والتوتر.
-
اتخاذ وضعية القوة
الحضور الجسدي مهم ليظهر الشخص أمام الآخرين أكثر ثقةً وكفاءةً، الجلوس بشكلٍ مستقيم مع المحافظة على الكتفين للخلف، أو الوقوف باستقامةٍ والمحافظة على مسافةٍ مناسبةٍ بين الساقين، واستخدام الإيماءات بحكمة دون عشوائية بحيث تتطابق مع الكلام وتعززه. كل ذلك يُشعر الشخص بالقوة ويجنبه الشعور بالتوتر.
-
استخدام الإيماءات المفتوحة
إن فرد الذراعين وإظهار راحة اليد، وعدم وضع الساقين فوق بعضهما، يساعد على البقاء هادئًا بالإضافة لإعطاء انطباع الحزم والثقة للآخرين، عكس الإيماءات المغلقة مثل طي الذراعين على الصدر، وتغطية الفم باليد التي تدل على علامات التوتر في لغة الجسد.
يلعب السياق دورًا هامًا في تفسير علامات التوتر في لغة الجسد، فقد تختلف التفسيرات مع اختلاف المواقف والأشخاص والظروف المحيطة بالإضافة لاختلاف الثقافات، إن وضع السياق في عين الاعتبار يساعد على تفسير علامات التوتر في لغة الجسد بشكل أفضل وأكثر دقة. الشعور بالضغط والتوتر يثقل الكاهل ويجعل اﻷشخاص أكثر سلبية، لذا علينا مواجهة المواقف الصعبة بقوة وحزم، وتجنب علامات التوتر في لغة الجسد، واستعادة الهدوء وإظهار الثقة، من خلال الاستراتيجيات المناسبة لتخفيف التوتر، حيث أنه من السهل القيام ببعض تلك الاستراتيجيات بسهولة وبأنفسنا، وسيسهم ذلك في المحافظة على الصحة الجسدية والعقلية والعلاقات الاجتماعية.