تستعيد رواية "علي ونينو" صخبها مرًة ثانية، بعد تحويلها هذا العام لفيلم سينمائي، حمل العنوان عينه، في محاولة لتقديم سيرة مختصرة عن تاريخ أذربيجان قبل مائة عام، والثقافات التي كانت تنتشر فيها، بتصويرها لأشهر قصة حب ملحمية، تُعتبر من أهم الكلاسيكيات الروائية خلال القرن العشرين.
الفيلم الذي حمل إخراج بريطاني\هندي، آصف كاباديا، الفائز بجائزة الأوسكار لهذا العام، عن شريطه الوثائقي "إيمي"، وعمل على تحويل الرواية إلى نص سينمائي، كريستوفر هامبتون، أيضًا في رصيده جائزة أوسكار، عن عمل "علاقات خطرة" عام 1989 لأفضل نص مقتبس، لم يستطع الأثنان أن يقدما تلك الهالة التي رسمتها الرواية، ليبدو كمقتبس مختصر لقصة مشهورة.
وصف أحد النقاد الأذربيجانيين لفيلم علي ونينو بأنه كان يشاهد "فيلما وثائقيا تاريخيا"، ربما هو التوصيف الأدق لمجريات الفيلم
يتجاوز السيناريو الفصول الأولى من الرواية، منطلقًا من مشهد بين الطبيعة الجبلية لبطلي الفيلم، الفلسطيني آدم بكري "علي خان شريفانشير"، المسلم الشيعي المنتمي لأحد أبناء العوائل الأرستقراطية الأذربيجانية، والإسبانية ماريا فالفيردي "نينو كيبياني" الفتاة المسيحية الأرثوذوكسية لعائلة جورجية، تجمعهما قصة حب خلال الفترة التي كانت تدق الحرب العالمية الأولى أبوابها.
في إطار هذا السياق، تدور المشاهد التي تخطت مقاطعًا مهمة من الرواية، تبدأ وتيرتها بالارتفاع تدريجيًا، منذُ اللحظة التي يقرر فيها "علي خان" التقدم للزواج من "نينو"، ويواجه معارضة العائلتين بسبب الاختلاف الديني، يتخللها بعض الحوارات بين "علي خان" ووالد، الذي كان يتكلم من باب الرُشدِ والنصح، كما عندما يقول له في أحد الحوارات لحظة علمه بقرار زواج ابنه من الفتاة المسيحية "فخذها ضيق مثل جميع الجورجيات"، أو "أفخاذ المرأة أكثر أهمية من تعليمها"، أو "أن تُحب امرأة فكرة غير سديدة"، فيما كانت المشاهد الحميمية النادرة بعيدة عما هو متوقع في مجريات القصة، وعابها بعض البرود أحيانًا.
تتسارع مجريات الفيلم عندما يقوم الإيطالي ريكاردو سكامارشيو "ماليك" بقطع وعدٍ لـ"علي خان" بأنه سيتحدث لوالدي "نينو" لإقناعهما بأهمية هذا الزواج ثقافيًا، وأنه سيكون حدثًا اجتماعيًا مهمًا في تاريخ البلاد الحديث، لكنه بنظرة واحدة لقامة جسدها وهي تنظر من النافذة إلى الشارع، تجعله يقرر خطفها بسيارته أثناء عودتهما من عرض مسرحي أوبرالي.
حين يسمع "علي خان" بالخبر، يمتطي حصانه ويبدأ عملية مطاردة لـ"ماليك"، تنتهي بتلقي الخاطف طعنة بصدره من خنجر "علي خان"، بعد أن تلقى عدداً من اللكمات على وجهه، ما يحتم عليه الهرب إلى إيران حتى لا يُقتل لدواع ثأرية، ويسكن عند أحد أقارب والده المتنفذين فيها. يفوت هامبتون هنا الحديث الذي دار بين "علي خان" وأصدقائه حين دعوه لقتل "نينو"، كما جاء في النص المترجم للغة العربية، وهو ما كان سيضفي على الفيلم بعدًا مختلفًا.
يمكن القول إن وصف أحد النقاد الأذربيجانيين خلال حديث مع الصحافة الأمريكية بأنه كان يشاهد "فيلمًا وثائقيًا تاريخيًا"، هو التوصيف الأدق لمجريات الفيلم الذي حصل على تقييم عال من رواد موقع IMDB، نظرًا لاعتماده الأساسي على جرعات رومانسية في معظم مشاهدة، ما جعلها تهمل العديد من الوقائع التاريخية التي كانت ستأخذ الفيلم لمنحى آخر، من بينها التوسع في شخصيات العمل، لا جعلها محدودة.
تتوالى بعدها الأحداث السريعة، وتهرب إليه "نينو" ليتزوجا، وتبدأ الحرب التي ما تلبس أن تنتهي، ويعلن في 1918 عن تأسيس جمهورية أذربيجان الديمقراطية، أول دولة إسلامية تُقر المساواة بين الرجل والمرأة، لكن سرعان ما ظهرت أطماع الثورة البلشفية في ضم أذربيجان إلى حدودها، لما تملكه من مساحات تحتوي على النفط الذي يساعدها على البقاء. ينتهي الفيلم بمقتل "علي خان" خلال تصديه للغزو السوفييتي.
كان لاعتماد منتجي الفيلم على طاقم متعدد الثقافات، واللغة الإنكليزية، بدلًا من طاقم محلي، وعدم استخدام اللغة الأذرية في الفيلم، أثر سلبي أظهر ضعفًا في معظم المشاهد، لو لا تدخلات، داريو مارينيللي، مؤلف الموسيقى التصويرية، وإنقاذه لبعض اللقطات من حالات الملل، والذي استطاع تنسيقها مع المساحات الطبيعية، وتمكن كاباديا من استغلالها بطريقة أنيقة.
كان لاعتماد منتجي فيلم علي ونينو على طاقم متعدد الثقافات واللغة الإنكليزية بدلا من طاقم محلي، أثر سلبي أظهر ضعفا في معظم المشاهد
إذ أن هناك لقطات تأسرك فيها جماليات المكان، لها علاقة بطبيعة مواقع التصوير التي تنتقل صورتها بين مناطق تركية وأذربيجانية، أو المشاهد التي تبدو هاربة من قصص "ديزني" مثل قصة "سندريلا"، دخل فيها عامل الأزياء، والتصميم الداخلي للمنازل، إن كانت الأرستقراطية أو الفقيرة، من ضمنها على سبيل المثال، عندما يعود "علي خان" إلى إيران، ويجد "نينو" في باحة المنزل تقرأ، والطاووس يمشي أمامهما على الأرض العشبية، ويبرز صفاء اللون الأخضر القاتل بفتنته على الشاشة، ليغطي على أحداث المشهد.
من بين الأحداث التي تجاهلها الفيلم، كان عدم التطرق لاسم الطفلة التي ولدت، أو إظهار أي اهتمام لوجودها، كون "نينو" تقترح عندما يذهب "علي خان" في المرة الأولى إلى الحرب تسمية الطفل بـ"علي".
تجنّب "علي ونينو" الغوص في مفاصل الرواية، وحاول أن يركز أكثر على شخصية الشاب الأذربيجاني، واتصافها بـ"الشجاعة، الحب، الوطنية"، كانت مكثفة، واخفت جوانبًا من شخصية بطلي الفيلم عندما كانا لا يزالا طلابًا، والحوار الذي دار بينهما عن الحجاب، ما يجعل منه فيلمًا عائليًا يمكن مشاهدته في يوم العطلة بدون إزعاج.