08-مارس-2016

أحد الأعراس اليمنية (مروان نعماني/أ.ف.ب)

وسط الزغاريد والأفواه المدوية بالأغاني الشعبية والضحكات والأقدام الراقصة ووقع التصفيق الباعث للنشوة والحماس٬ يطلق الشباب اليمني الرصاص فوق الرؤوس في ليلة حفل الزفاف، ليلة جنونية بطقوسها، حيث يتصاعد الرصاص تكريمًا للعريس كما في العرف القبلي اليمني ويتنافسون في حجم الذخيرة التي وقع إفراغها في الهواء رغم اكتظاظ الشارع بجموع المهنئين، الطلقة الواحدة تصل قيمتها إلى دولار ونصف، تلك الحارقة الخارقة التي تلمع في الليل أثناء إطلاقها وعندما ترجع فإن قيمتها تكون حياة إنسان.

تحوّل العرس اليمني إلى مأتم ليس أمرًا غريبًا إذ يفتخر الشباب بتصاعد الرصاص تكريمًا للعريس كما في العرف القبلي اليمني

في موكب العرس وقبل أن تطأ قدماها بيتها الجديد، قُتلت العروس مع عدد من مرافقيها في محافظة تعز، وسط اليمن. كالعادة أطلق البعض رصاصات الفرح والإشهار بما فيهم ذلك الطفل الذي لا يزال يقولب السلاح بثقل ليسدل الستار على الجريمة، بحسب محسن أحمد. يصف الحاج محسن لـ"الترا صوت" تلك الدهشة التي امتلكت الحاضرين من رصاص الطفل ذي العشر سنوات وهو يستقر في جسد العروس.

اقرأ/ي أيضًا: هناهين الأعرس وزغاريدها.. طقوس الغواية ولهيب الحرب

"تحول العرس اليمني إلى مأتم ليس أمرًا غريبًا"، يقول سعيد عامر، الذي ترك حمل السلاح في المناسبات الاحتفالية منذ سنوات، ويضيف لـ"الترا صوت": "ذات يوم قام أحد الحاضرين في عرس بقريتي برفع السلاح عاليًا، وإطلاق الرصاص وما لبث أن سقط الرشاش بعد رعشات هزت يده وانطلقت رصاصات فتوزعت على السماء والأرض ما أدى إلى مقتل أربعة أشخاص وجرح آخرين".

وفي محافظة إب، وسط اليمن، أصيب علي برصاصة في يده، يقول عنها: "كان أهل العريس يطلقون النار بشكلٍ عشوائي في الهواء فرحًا بابنهم، فيما أحد المبتهجين أطلق النار فوقنا فأصيبت يدي". أما أم محمد، وهي مقعدة على فراشها منذ نحو سبع سنوات بعد إصابتها في العمود الفقري برصاصة راجعة، فتتحدث عن الذكرى الحزينة: "كان إطلاق النار كثيفًا تلك الليلة في عرس لأحد أبناء القرية المجاورة"، ثم أكمل زوجها قائلًا: "كانت زوجتي واقفة أمام المنزل وفجأة أصيبت برصاصة لَم أعلم بالأمر إلا بعد أن أحاط بها أولادي وهم يستنجدون، بعدما سقطت أمهم على الأرض بلا حراك، وإلى الآن لا تزال مصابة بالشلل".

اقرأ/ي أيضًا: لأجل من تقام حفلات الزواج؟

يتباهى الكثير من اليمنيين بإعطاء أطفالهم أسلحة وتعليمهم التعامل معها وبالذات في الأعراس، بحسب صادق الحاج، والذي أوضح أن "نسبة كبيرة من قتلى الأعراس يقتلون برصاص الأطفال والمراهقين"، ويرى أن "استعمال السلاح في الأعراس يبقى أفضل من استعماله في مواطن أخرى ولأغراض أخرى، فلا عرس عندنا إلا بإطلاق النار وفرحة العرس فرحة واحدة في العمر ولابد من الطلقات النارية لكن بعيدًا عن طيش الأطفال والمراهقين".

وبحسب الأستاذ التربوي معاذ عبد الحميد فإن ما ضاعف من ضحايا الأعراس، والذين يقدرون سنويًا بالمئات في اليمن، "هو استخدام القنابل أيضًا للتعبير عن البهجة ومكانة العريس الكبيرة". ويرتبط إطلاق النار في الأعراس بحجم الذخيرة المعتمدة، فكلما استمر دوي أصوات الرصاص مدة أطول وبذخائر أهم كلما زاد العرس قيمة.

وكانت الحكومة اليمنية الممثلة بوزارة الداخلية قد منعت إطلاق الأعيرة النارية في حفلات الزفاف ومواكب الأعراس، وعقوبته السجن وغرامة مالية، وبالفعل سجن الكثير من أهالي الأعراس وهو ما ساهم في تخفيف الظاهرة بشكل كبير. لكن في ظل الاضطراب الأمني، الذي تشهده اليمن وغياب أجهزة الرقابة والأمن، عادت هذه الظاهرة للانتشار وبشدة في أوساط الناس في المدن وخصوصًا الأرياف.

اقرأ/ي أيضًا:

الجزائر.. "من وين أجيب المهر؟"

الفرح الغائب عن حياة السوريين