مع اقتراب الرئيس جو بايدن من نهاية ولايته الرئاسية، تُثار تساؤلات حول الخطوات التي يمكن أن تتخذها إدارته فيما يخص الملفات الخارجية، خاصةً المتعلقة بالعدوان المستمر على غزة والحرب الجارية في أوكرانيا.
ففي الفترة التي تسبق نهاية ولاية الرئيس، والتي تُسمى فترة "البطة العرجاء" في إشارة إلى أن الرئيس في وضع سياسي ضعيف بعد انتخاب خليفته، لكن المفارقة أن هذه الفترة توفر للرئيس المنتهية ولايته حرية فريدة للتصرف بجرأة، إذ يواجه مخاطر سياسية أقل وفرصًا أكبر لترسيخ إرثه السياسي.
وهنا يُثار سؤال حول ما إذا كانت إدارة بايدن ستتبع النهج الذي اتبعه الرئيس الأسبق باراك أوباما في الأشهر الأخيرة من حكمه، خاصةً وأنه يتعين على ترامب الانتظار لنحو 11 أسبوعًا لتسلّم مهامه في البيت الأبيض.
فترة "البطة العرجاء" هي التي يعيشها الرئيس الأميركي بعد انتخاب خليفته. والمفارقة أن هذه الفترة توفر للرئيس المنتهية ولايته حرية فريدة للتصرف بجرأة
فقد أصبحت إدارة الرئيس الأميركي المنتهية ولايته الآن أمام موعد نهائي للخروج من البيت الأبيض، ومعها قائمة مهام، وعلى الأرجح سيستغل بايدن الصلاحيات المتبقية له كرئيس.
وتعتبر الحرب على غزة من أبرز التحديات التي واجهت الإدارة الأميركية بعد الفشل الذي صاحب المبادرات التي طرحها الرئيس جو بايدن، كان آخرها مبادرة "الفرصة الأخيرة" لوقف إطلاق النار في غزة، والتي أفشلها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
#عاجل | #دونالد_ترمب يفوز برئاسة #الولايات_المتحدة ويصبح الرئيس 47 للبلاد بعد تجاوز عدد أصواته بالمجمع الانتخابي حاجز 270. pic.twitter.com/UhTHHqdKOb
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) November 6, 2024
وقالت صحيفة "الغارديان" البريطانية إن إدارة جو بايدن أجلت فرض ضغوط على نتنياهو إلى ما بعد الانتخابات، رغم الإحباط المتزايد منه بسبب عدة أمور، مثل منع دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، وحملته ضد الأمم المتحدة، وعرقلته صفقة لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح المحتجزين، ودعم حكومته لمستوطني الضفة الغربية المحتلة.
وذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية أن إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد تعمد إلى تصفية الحسابات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، خلال الفترة المتبقية من ولايته. وقد سُئل بايدن في مؤتمر صحفي عُقد مؤخرًا عن مخاوفه بشأن تدخل نتنياهو المحتمل في الانتخابات، فرد بايدن قائلًا: "لم يساعد أي رئيس إسرائيل أكثر مني. يجب على نتنياهو أن يتذكر ذلك. لا أعرف ما إذا كان يحاول التأثير على الانتخابات".
وفي هذا الإطار، سيسعى الرئيس بايدن إلى اتخاذ خطوات جريئة لتعزيز إرث سياسته الخارجية، كما فعل أوباما في نهاية ولايته، حين امتنعت إدارته عن استعمال حق "الفيتو" في مجلس الأمن الدولي بشأن القرار 2334، الذي أدان بناء إسرائيل للمستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية واعتبرها غير شرعية وانتهاكًا صارخًا للقانون الدولي. وقد حدد أوباما خمسة مبادئ لـ"مفاوضات جادة لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي"، على رأسها وقف الاستيطان.
وقد تكون إحدى الطرق لتحقيق ذلك هي الضغط بشدة من أجل التوصل إلى صفقة لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح المحتجزين في غزة والمعتقلين لدى إسرائيل، ليسجل أنه الرئيس الذي أنهى الحرب بدلًا من ترك منصبه والحرب لا تزال مستمرة.
يقول البروفيسور في جامعة حيفا، بنيامين ميلر، إن بايدن إذا اختار "طريق أوباما"، فقد ينطوي ذلك على زيادة الضغط على إسرائيل دوليًا، كما قد يدفع هذا النهج إسرائيل للسماح بدخول المزيد من الغذاء والمساعدات إلى غزة. مشيرًا إلى أن بايدن قد يدفع أيضًا بخطة لـ"حكم مدني" في غزة كجزء من الصفقة، تشارك فيه جهات محلية إلى جانب السلطة الفلسطينية بدعم عربي ودولي.
في الملف الأوكراني، لدى بايدن صلاحيات استخدام الموارد المالية والعسكرية لدعم أوكرانيا، التي قد ستواجه قريبًا ضغوطًا من الرئيس المنتخب دونالد ترامب وإدارته القادمة للجلوس على طاولة المفاوضات مع روسيا للتوصل إلى عقد اتفاق سلام. واعتبارًا من أواخر تشرين الأول/أكتوبر، كان لدى إدارة بايدن أكثر من 6 مليارات دولار لدعم المجهود الحربي الأوكراني.
ويتجسد هذا الدعم في بطاريات دفاع جوي ودبابات وصواريخ أميركية بعيدة المدى. وقبل انتهاء فترة حكم الرئيس بايدن، قد يظهر منظور جديد لدى واشنطن يتمثل في تخفيف القيود الأميركية على استخدام أوكرانيا للأسلحة الأميركية لضرب العمق الروسي.
وقد ناشدت أوكرانيا خلال الأشهر الأخيرة أن يُسمح لها باستخدام تلك الأسلحة، خاصةً مع التقدم الروسي على الجبهة، وقد تحصل الآن على هذه الفرصة.
وفي هذا السياق، كشفت مجلة "بوليتيكو" الأميركية أن إدارة بايدن تخطط للإسراع في دفع آخر المساعدات الأمنية لأوكرانيا، والتي تزيد عن 6 مليارات دولار، بحلول يوم التنصيب، بينما يستعد الفريق المنتهية ولايته لإنهاء العملية بمجرد تولي الرئيس المنتخب دونالد ترامب منصبه.
ووصفت الخطة، التي تحدث عنها مسؤولان في الإدارة رفضا الكشف عن هويتهما بسبب مناقشة الشؤون الداخلية، بأنها الخيار الوحيد الذي تملكه إدارة بايدن لمواصلة إرسال المعدات إلى أوكرانيا للتصدي للهجمات الروسية المستمرة.
لكن الخطة ستواجه عدة عراقيل وصعوبات، إذ يستغرق عادةً إرسال الذخائر والمعدات إلى أوكرانيا شهورًا، لذا فإن الشحنات على الأرجح لن تصل بالكامل حتى بداية فترة إدارة ترامب، الذي قد يقوم بوقفها بصفته القائد الأعلى وفق الصلاحيات الدستورية.
ومن أبرز المعوقات التي تحول دون إرسال هذه المساعدات بسرعة أن إدارة بايدن لا تستطيع إرسال سوى المعدات الموجودة بالفعل في مخازن الجيش الأميركي. وفي حين أن الأموال المخصصة لتعويض وزارة الدفاع عن تلك المعدات متوفرة، فإن الأمر يعتمد على سرعة إنتاجها أو التعاقد على استبدالها.
يقول المسؤول السابق عن ميزانية وزارة الدفاع والذي يعمل الآن في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، مارك كانسيان: "كنا نرسل كل شهر ما تستطيع الصناعة الحربية إنتاجه، لكن المشكلة هي أنه لا يمكنك إرسال هذه الأسلحة إلا بعد تصنيعها"، وأضاف: "يمكن للإدارة أن تستغل المخزونات وترسل المعدات بسرعة أكبر، لكن من غير الواضح ما إذا كان البنتاغون يريد القيام بذلك لأنه قد يؤثر على استعداداته".
من جهته، قال المتحدث باسم البنتاغون، المقدم تشارلي ديتز: "سيظل البنتاغون على المسار الصحيح لمواصلة تقديم المساعدات المعلن عنها لدعم أوكرانيا"، وأضاف: "نتوقع تقديم المزيد من المساعدات في الأسابيع المقبلة".
يُذكر أن الأموال المتبقية من حزمة المساعدات الأوكرانية البالغة 61 مليار دولار، التي تم تقديمها في نيسان/أبريل الماضي، موزعة على قسمين: 4.3 مليار دولار لسحب من المخزونات الحالية و2.1 مليار دولار لتمويل عقود الأسلحة مع شركات الدفاع الأميركية.
وخلال الزيارة الأخيرة للرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، إلى واشنطن في أيلول/سبتمبر الماضي، أصدر الرئيس جو بايدن توجيهاته إلى البنتاغون بتخصيص ما تبقى من المساعدات العسكرية لأوكرانيا قبل نهاية ولايته.