رأت صحيفة "دير شبيغل" الألمانية أنه من الممكن القول إن فوز ترامب يمثل "نقطة تحول سياسية، ليس بالنسبة للولايات المتحدة فحسب، بل للعالم أجمع". وبقدر ما كانت "الصدمة السياسية" من عودة ترامب هي سيدة الموقف، خاصةً بالنسبة إلى حلفاء واشنطن في أوروبا وآسيا والشرق الأوسط، بقدر ما بدأ الجميع بشكل مبكّر "التودّد الدبلوماسي لترامب"، وهم قلقون من رؤاه "الانكفائية في السياسة الخارجية" من جهة، وعدم القدرة على التنبؤ بخياراته وقراراته من جهة ثانية.
وفي نبرةٍ تشاؤمية، قالت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية إن: "فوز ترامب بمثابة كارثة وجودية ليس بالنسبة للديمقراطيين بل لأنها قد تقود إلى تغيير قواعد اللعبة بالنسبة لحلفاء واشنطن"، منوّهةً إلى أن ترامب حصل بموجب نتائج الانتخابات: "على تفويض شعبي جديد لتغيير الولايات المتحدة بطريقة راديكالية للغاية"، إلى درجة أنه: "لن تكون هناك عودة إلى الوراء بعد النتيجة المزلزلة للانتخابات"، حسب الصحيفة.
أما في باريس، فشدّدت صحيفة "لوموند" على أن ترامب: "عائد إلى السلطة وهو مدفوع بغريزة ورغبة في الانتقام داخليًا وطروحات متهورة خارجيًا". وحول هذه النقطة الأخيرة، رجّحت وسائل إعلام دولية عدة أن يتسبب ترامب في فوضى كبيرة على الساحة الدولية.
قد يغيّر ترامب قواعد اللعبة فيما يخص حلفاء بلاده، ويتسبب بفوضى كبيرة على الساحة السياسية الدولية
أوروبا غير مستعدة لعودة ترامب
ترى بعض كبريات الصحف الأوروبية أن مشكلة أوروبا الكبيرة أنها: "غير مستعدة تمامًا لترامب"، إذ لا يوجد زعيم أوروبي في الوقت الراهن لديه القدرة على أخذ زمام المبادرة في التكتل الأوروبي، خاصةً أن فرنسا وألمانيا تمرّان بأزمات سياسية توصف بالخطيرة.
وفي هذا الصدد، ترى صحيفة "نويا تسورخر تسايتونغ" في سويسرا، أنه على: "أوروبا أن تؤدي واجبها بسرعة كبيرة على صعيد قيادة الغرب، قبل أن يتولى المسؤولية شخص مثل فيكتور أوربان أو فلاديمير بوتين نفسه".
وفي حال عدم تحقق ما سبق، ترى "دير شبيغل" أنه: "من المتوقع حدوث تغييرات هائلة في السياسة الخارجية والأمنية الأميركية، من المرجح أن تكون لها تداعيات سلبية، خصوصًا بالنسبة للأوروبيين. إذ يرى ترامب العالم بمثابة غابة لا ينطبق فيها إلا قانون الأقوى".
وعلى صعيد الحرب في أوكرانيا، تتزايد المخاوف بالنسبة إلى كييف مِنْ أنْ تتبدّد كل الآمال التي عقدتها على الدعم الأميركي والأوروبي، خاصةً أن ترامب قطع على نفسه عهدًا بإنهاء الحرب، ما أثار مخاوف أوكرانيا وأوروبا من أن يتم ذلك بتسليم مقاليد الأمور لروسيا، ورفع واشنطن يدها عن حليفتها، وإرغام "الناتو" على التراجع عن الحدود الروسية، ما يعني أن إنهاء الحرب سيكون بمثابة "إعلان استسلام" من طرف كييف.
روسيًا، يبدو الموقف الرسمي متحفظًا من خلال عدم التعليق على فوز ترامب، ولعل ما يفسر ذلك هو ما كتبه الباحث الروسي في العلوم السياسية ديمتري سولونيكوف، حيث قال إنه من الصعوبة بمكان: "التنبؤ بخطوات الرئيس الأميركي المنتخب في الأيام المقبلة، فهو شخص غريب الأطوار وأحيانًا كثيرة تكون أفكاره متناقضة، وبناءً على خطابه الانتخابي، يمكننا استنتاج أنه سيتبع سياسة عدائية من موقع القوة، من موقع السيد المتحكم في العالم"، وفق تعبير سولونيكوف الذي يضيف أن ترامب مع كل ذلك، سيضغط على الطرفين الروسي والأوكراني معًا لإنهاء الحرب، وفق التصور الذي يراه.
الشرق الأوسط: التطبيع والعقوبات والتّحصيل
حضرت اتفاقات أبراهام بين إسرائيل ودول عربية في خطابات ترامب خلال حملته الانتخابية، كإطار عام لرؤية الرئيس الأميركي المنتخب للسلام في الشرق الأوسط، وذلك بالطبع على حساب الحقوق الفلسطينية بتغاضي ترامب عن الاستيطان والاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها. وليس معروفًا بالضبط النهج الذي سيتبعه ترامب في: "وقف الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان". ففي ظلّ هذه الحرب، تتعطل كل خططه "للسلام" عبر تفعيل اتفاقات أبراهام وتوسيعها.
أما بالنسبة إلى إيران، فيرى مراقبون أنها من أكثر الخاسرين من عودة ترامب، لأنه يعارض الاتفاق النووي، ويتوعّد بتسليط عقوبات قاسية على الاقتصاد الإيراني، الأمر الذي سيفاقم التوترات في المنطقة حسب البعض، وسيؤدي ذلك إلى سعي دول الخليج إلى تعزيز دفاعاتها بإقبالها على شراء الأسلحة الأميركية.
أردنيًا، تتخوف عمّان بشكل خاص من تصريحات أدلى بها ترامب خلال حملته الانتخابية، عندما تحدث عن توسيع مساحة دولة الاحتلال الإسرائيلي، حين قال منتصف آب/أغسطس الماضي خلال لقاء مع داعمين يهود: "عندما تنظرون إلى خريطة الشرق الأوسط، تجدون أن إسرائيل بقعة صغيرة جدًا مقارنةً بهذه الكتلة العملاقة من اليابسة المحيطة بها، لذلك تساءلت: هل ثمة طريقة للحصول على مزيد من المساحة؟".