نقطة الانطلاق للحديث عن فيلم "Hidden Figures" أو "أشياء مخفية"، هو الزمان والمكان الذي يحيطك من كل اتجاه، فهو يحكي عن الولايات المتحدة الأمريكية عام 1961. وكما بدأ المشهد الأول بثلاث نساء تعطلت سيارتهن على قارعة الطريق، فقد بدا وكأن القصة كلها في مشهد واحد.
الفيلم يلتقط خيط الستينيات في أمريكا، حيث ما زال العرق الأسود في الولايات المتحدة يناضل ليحجز لنفسه مكانًا في كل شيء يومي وحياتي: في الباص في المكتبة، في الاحترام وحتى في دورات المياه. لعل الرسالة الأولى التي تصل من الفيلم هو أن أمريكا في بلد يفسح المجال لمن يستحق حتى وإن كان أسودًا "أي مواطنًا من الدرجة الثانية" وقتها. وأنها دولة قانون قد يسمح في جوهره بالاستثناءات، إلا أنها كانت وحتى وقت قريب تعاني تمييزًا ليس فقط ضد السود وإنما ضد المرأة أيا كان لونها، فما بالكم بامرأة سوداء.
فيلم Hidden Figures يلتقط خيط الستينيات في أمريكا، حيث ما زال العرق الأسود يناضل ليحجز مكانًا في كل شيء يومي وحياتي
يظهر الفيلم في كل مشاهده نضال تلك المرأة السوداء في مجتمع عنصري أبيض، يؤمن بتفوق الرجل الأبيض في المقام الأول وبأحقيته في اتخاذ القرار وفي تحصيل العلم وفي بلوغ مراتبه العليا. يتحرك "أشياء مخفية" في مساحة المستحيل من ذلك العقد "الصعود إلى الفضاء"، وهو الهدف الوطني الذي يجعل الفتيات السوداء العبقريات ينلن احترامًا مبنيًا على ما يساوينه في سوق العلم، ويقدرهن فقط بالقدر الذي يحققنه من "الكمال" في مشاريعهن المهنية. ولعل اسم "ناسا" كفيل بإخراس الألسن عن العنصرية تجاهن ولو لبعض الوقت.
اقرأ/ي أيضًا: فيلم "أسد".. رحلة التيه في وقائع الخيال
ينتهي الفيلم بتحقيق النجاح المنشود أي الوصول إلى القمة، وببدء اعتراف المؤسسة الفضائية أو "العلمية" بما يجب فعله. هن "الفتيات السوداوات" يسعين إلى أن يصنعن التاريخ ولا مانع من أن يشركن الآخرين معهن في ذلك، في حين يحاول الرجل الأبيض المسيطر حولهن أن يصنع التاريخ وحده معتقدًا أنه يستطيع ذلك وحده، وحين يدرك الورطة التي أوقع بها نفسه يفسح لهن المجال، فيتفوقن عليه، ويدرك أنه لا يمكنه أن ينافس خصمه ويسحقه دون أن يفسح المجال للعباقرة، بل إن خلاصه الحضاري الوحيد هو في البحث عن هؤلاء العباقرة ووضعهم في مكانهم المستحق فنيًا.
الفيلم لا ينقصه الكمال، هو على أي حال دراما بيوجرافية أو سيرة ذاتية لثلاث نساء شكلن "الأشياء المختفية" أو الـ"Hidden Figures" داخل "ناسا". الصورة نقية وتستحق ترشيحًا للأوسكار عن أفضل صورة، كيفين كوستنر أدى دوره بما يليق بممثل قدير.
اقرأ/ي أيضًا: فيلم "ترامبو": من تاريخ ملاحقة أمريكا للشيوعيين
حتى أوكتافيا سبنسر بالنسبة إلي لم تكن مفاجأة منذ رأيتها في دورها في فيلم "The Help" الذي أُنتج عام 2011 عن نفس الحقبة الزمنية تقريبًا وعن التمييز العنصري أيضًا، وشاركتها فيه الممثلة المتميزة المرشحة لأوسكار أيضًا فيولا ديفز، لكن المفاجأة الحقيقية بالنسبة إلي كانت تاراجي بيندا هينسون، التي لعبت دور البطولة، والتي مارست فيه دورها على نار هادئة، وباحتراف، جانيل مونييه أيضًا كانت الأبرز بينهن في رأيي إبهارًا وقدرة على إثارة الانتباه، وهي التي أصبحت في نهاية الفيلم مهندسة.
يظهر في كل مشاهد فيلم Hidden Figures نضال المرأة السوداء في مجتمع عنصري أبيض يؤمن بتفوق الرجل الأبيض وبأحقيته في اتخاذ القرار
حقق الفيلم خلال فترة عرضه المحدودة في صالات السينما الأمريكية حوالي 109 مليون دولار، محتلًا المركز الأول في شباك التذاكر الأمريكية لثلاثة أسابيع على التوالي. كما حصد نقدًا إيجابيًا أوصله إلى 93% على موقع التقييم الشعبي Rotten Tomato، وكتبت عنه مقالات إيجابية عديدة، حتى قال عنه تاي بوريل في مجلة نقد الأفلام الأمريكية The Boston Globe إن الفيلم "مصنوع بالقلب أكثر منه مصنوع بالفن"، حتى الآن حصد الفيلم عدة جوائز أبرزها جائزة أفضل أغنية من الجمعية "الأفروأمريكية" للنقد السينمائي، وحصدت جانيل مونييه من جمعية "جوائز الهوليوود أورودز" جائزة عن دورها في الفيلم .
لعل أبرز ما يلفت الانتباه في تاريخ الفيلم نفسه، أنه تصدر في شباك التذاكر الأمريكي، كفيلم ينتقد العنصرية وينتصر لقيم العدالة والمساواة، وهو نفسه العام الذي يتولى فيه رجل مثل دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية. ربما هذه هي أمريكا.
اقرأ/ي أيضًا:
20 فيلمًا ينتظرهم عشاق السينما في 2017
لماذا يحتاج العالم إلى "لالا لاند"؟