لم تخلُ كارثة زلزال تركيا وسوريا الأخيرة من بعض المشاهد التي وفدت من قلبها لتعيد تجسيد الإنسانية وتصوّرها في أكثر لحظاتها نبلًا وجمالًا، ولعلّ أبرز تلك المشاهد كانت مشاهد من يُعرفون بأصحاب "الخوذ البيضاء" وهم يهرعون إلى التكبير والتهليل في اللحظة التي ينجحون فيها في إنقاذ حياة بشرية واحدة كان من الممكن أن تنتهي تحت الركام.
ومشاهد فرحة أصحاب الخوذ البيضاء -التي يُعبرون عنها بالتهليل والتكبير- عندما تنجح فرقهم في إنقاذ الناجين العالقين تحت ركام وأنقاض البيوت والمباني المهدمة في الشمال السوري، هي مشاهد تستحقّ أن تؤرّخ باعتبارها دلالة واضحة على جماليات الإنسانية الكامنة في هؤلاء المجموعة من البشر الذين نذروا أنفسهم منذ سنوات عديدة لإنقاذ حيوات الرجال والنساء والأطفال السوريين.
يُبيّن فيلم "The White Helmets" أنّ أصحاب الخوذ البيضاء هم مجموعة من السوريين غير المنتمين لأي فصيل أو حزب، تطوعوا للعمل في الدفاع المدني السوري في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في سوريا
فيلم "The White Helmets" أو "الخوذ البيضاء" هو فيلم وثائقي يسلّط الضوء على هذه المجموعة، ويستعرض جماليات الإنسانية الكامنة فيهم وفي جوهر عملهم في سوريا.
يُبيّن الفيلم بأنّ أصحاب الخوذ البيضاء هم مجموعة من البشر السوريين غير المنتمين لأي فصيل أو حزب، تطوعوا للعمل في الدفاع المدني السوري في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في سوريا، حيثُ كرسوا حياتهم لإنقاذ من هم في حاجة إليهم في مختلف مناطق المعارضة في سوريا.
يتحدّث الفيلم عن بداية تأسيس منظمة أصحاب الخوذ البيضاء الذي يعود إلى عام 2013، وذلك مع اشتداد عمليات القصف السوري والروسي -بالبراميل المتفجّرة وغيرها- لمناطق المعارضة في سوريا، ويوضّح بأنّ لديهم العديد من المراكز المنتشرة على طول أراضي مناطق المعارضة في سوريا، وانّ طبيعة عملهم تتمثّل في التواجد الفوري لحظة حصول قصف لأحد المباني قي تلك المناطق، ومحاولة إنقاذ أكبر عدد من الأشخاص العالقين تحت أنقاضه وركامه.
يَعمل الفيلم على تسليط الضوء على حياة المتطوعين من أصحاب الخوذ البيضاء، حيثُ يوثّق في أحد المشاهد آلية عملهم لحظة حصول قصف في إحدى مناطق المعارضة السورية، وكيف هرعوا إلى مكان القصف وكانوا حريصين على أن يكونوا أول المتواجدين فيه، وأن يبدأوا عملهم في إنقاذ الناجين حتى مع احتمالية الخطر الكبيرة المحدقة بهم، جراء تقصّد طيران النظام وحلفائه على استهدافهم والتعامل معهم ومع مراكزهم ومقراتهم كأهداف مشروعة ومطلوبة.
يستكمل الفيلم عرضه لطبيعة عمل أصحاب الخوذ البيضاء، ويوضّح بأنّ المتطوعين في الخوذ البيضاء ونظرًا لكونهم في معظمهم أشخاص لا يملكون خبرة سابقة في عمليات الإنقاذ، فإنّهم يخضعون لدورة تدريبية مدتها شهر في تركيا، يتدربون فيها على إطفاء النيران واستخدام أجهزة التنصت على الأشخاص العالقين تحت الركام وغيرها من الأمور التي تُساعدهم على السرعة والاحترافية في إتمام عمليات الإنقاذ.
يستعرض الفيلم لحظة مؤثرة يتمكّن فيها أصحاب الخوذ البيضاء من إنقاذ طفل رضيع بعمر الشهر، وذلك بعد أن يظلّ عالقًا لمدة ستة عشر ساعة تحت ركام مبنىً مهدّم بفعل طيران النظام وحلفائه، ويجيء مشهد ابتساماتهم الممزوجة بدموعهم لحظة إنقاذ "الطفل المعجزة" ليعكس ذلك النبل الإنساني المتأصّل فيهم وفي قلوبهم البيضاء كما هي ألوان خوذهم.
يُنهي الفيلم مشاهده بصوت أحد المتطوعين وهو يُلقي الشعار الذي يتبناه أصحاب الخوذ البيضاء كشعار يُعبّر عنهم وعن أهدافهم، "ومن أحياها فكأنّما أحيا الناس جميعًا"، ويأتي الصوت في نهاية الفيلم كمن ينطق بلسان الإنسانية الرحيمة ويدافع عنها ويُفنّد جمالياتها المخبوءة.