"بوينا فيستا سوسيال كلوب"، اسم الفرقة الموسيقية الكوبية الشهيرة، وما يحمله هذا الاسم من إشارة للعصر الذهبي للموسيقى الكوبية، التي أثرت في العديد من موسيقييّ العالم، فأغانيها الشهيرة مثل Chan Chan أو El Cuarto De Tulaha شكلت جزءًا من التاريخ الموسيقي الحديث لكوبا.
ألهمت فرقة بوينا فيستا المخرجة الإنجليزية لوسي والكر، التي وجهت لهم تحية بفيلمها الأخير Buena Vista Social Club: Adios 2017
كما قدمت الفرقة أسماءً كبيرة في عالم الموسيقى الكوبية، وتركت خلفها إرثًا موسيقيًا ساهم بتكوين هوية كوبا الموسيقية. ربما لا تسعنا هذه السطور لتلخيص الأثر الذي تركته "بوينا فيستا" في تاريخ الموسيقى. ولكن استطاعت موسيقاها إلهام مؤلفي الموسيقى الكبار أمثال الأمريكي راي كودر الذي أنتج ألبومهم وعمل معهم لوقت طويل.
اقرأ/ي أيضًا: كل ما تحتاج أن تعرفه عن تحفة كريستوفر نولان الجديدة.. Dunkirk
وألهمت "بوينا فيستا" مخرجي السينما كذلك، فدفعت المخرج الألماني فيم فيندرز الذي رأى في موسيقاهم معنى الاستمرار في الحياة، بعد حفلهم في أمستردام، ولمس أنغامًا ستصنع استثناءات ثقافية لموسيقى أمريكا اللاتينية، فحمل كاميرته وتوجه إلى كوبا، يتابعهم عن قرب، وريثما صنع من تفاصيلهم فيلمًا وثائقيًا نال أوسكار أفضل فيلم، Buena Vista Social Club 1999. وحمل معه أبطاله إلى نيويورك. بعيدًا عن الزمن الكوبي المتوقف، لكن القلوب هناك تنبض بحياةٍ لا تروضها مدن ولا شهرة.
وأخيرًا المخرجة الإنجليزية لوسي والكر، التي وجهت لهم تحية بفيلمها الأخير Buena Vista Social Club: Adios 2017 بعد جولاتهم الموسيقية الوداعية التي اختتمت العام الماضي مسيرة موسيقية طويلة.
يقف المغني والموسيقي الكوبي من أصل إفريقي خوان دي ماركوس غونزاليس عند مدخل ما كان سابقًا Buena Vista Social Club، يدخل ويعيد سرد الزمن، وأيّ زمن! ذلك الذي جمعه على مدار عقود مع رفاقه في هذا المكان الصغير، يصف كل بقعة وكل زاوية فيه صدحت بالموسيقى، وتمايلت على إثرها أجساد الراقصين، "هنا كانت البوينا فيستا"، من خلال الأمكنة والأشخاص الذين ما زالوا على قيد الحياة تقتفي لوسي والكر أثر خيط الزمن الذي لم يمحَ بعد عن موسيقى "بوينا فسيتا".
رغم تحول مقرها الموسيقي إلى بيت كوبي عادي، إلاّ أن لفرقة بوينا فيستا دماء جديدة وروح شبابية تنعشها بعد موت أهم أبطالها
رغم تحول مقرها الموسيقي إلى بيت كوبي عادي، إلاّ أن لفرقة "بوينا فيستا" دماء جديدة وروحًا شبابية تنعشها بعد موت أهم أبطالها الأسطوريين، وتعود بنا المخرجة مستدعيةً تاريخ كوبا بصورٍ متسارعة منذ الاحتلال الإسباني وبعد الاستقلال ومن ثم انقلاب فولغينسيو باتيستا، إلى قيام الثورة الكوبية.
تتطرق لوسي والكر للسياسي وتتعرض لحياة الأبطال الكوبين، تلجأ إلى مواد قديمة، هناك حيث كوبا البعيدة، تأخذنا إلى تاريخ أصبح بعيدًا بعض الشيء، حيث قاعة تدريبات الفرقة، وتضعنا في إطار تكوّن تلك الألحان، تركب رؤيتها عن ذكريات "بوينا فيستا" وانطلاقتهم فنراهم يتمرنون فيختلفون ومن ثم ينطلقون من جديد، فنلحظ كل ما يطفح على الوجوه المتحابة من صدق يجعل من الموسيقى الشعبية شفاءً للروح الكوبية المحظورة أصلًا والغارقة بنكباتها.
اقرأ/ي أيضًا: 5 أفلام فضحت النظام السعودي من الداخل
تتبع لوسي والكر مسار الفرقة معتمدةً على مواد مؤرشفة ومقابلات قديمة مع أعضاء الفرقة في بروفاتهم وأثناء التسجيل، ثم تعود بنا إلى الحاضر القريب حيث الصالات الضخمة المليئة بالمعجبين -بل يمكن القول المليئة بالعشاق- يتمايلون على أنغام ما بقي من الأصيل الكوبي الرحب فتطرب الآذان وربما تبكي في الجولة الأخيرة التي قام بها ما بقي من الفرقة.
تمكنت المخرجة من الغوص في تفاصيل التاريخي والموسيقي للبوينا فيستا من خلال تنقلها بين الفردي الخاص بدور كل موسيقي منهم وتأثيره في الجماعة.
حيث من الصعب الفصل المباشر بهذا الشكل بين العازف والآخر خصوصًا في تجربة مثل تجربة بوينا فيستا، ولكن ربما ما طمحت له لوسي والكر هو الغوص في تاريخ الفرقة والذي هو التاريخ الكلاسيكي للموسيقى الكوبية، والتاريخ الشخصي لكل موسيقي فيها، إلى جانب استحضار روحية التفاصيل والجزئيات في مسار الفرقة، ندخل معهم تاريخهم حيث النجاحات والتألق، خصوصًا بعد إطلاق الألبوم وفيلم "فيندرز" و"أوسكاره"، وتتويج إبراهيم فيرير مغني الفرقة بجائزة "غرامي" الموسيقية.
جاءت زيارتهم إلى واشنطن متأخرة بعض الشيء، فقد غاب عنها أهم عازفيّ الفرقة، ولكن غناءهم في البيت الأبيض بدعوة من الرئيس الأمريكي باراك أوباما، بعد سنوات من الفتور الكوبي الأمريكي، كفاتحة موسيقية من البوينا فيستا لفترة جديدة أكثر دفئًا، وجاءت بعدها دعوات الرئيس لفك الحظر عن كوبا.
ينفلت خيط الدراما، في الجزء الأخير من الفيلم، فنكون أمام تأبين مصائر الأبطال الذين كنا نراقب شبابهم مفعمًا بالأغاني قبل ساعة من الزمن، نصادف جرعة الحزن بعد تساقط حبات العقد واحد تلو الأخر، كومبايا سيغوندو، إبراهيم فرير وعازف البيانو روبن غونزاليز، كلٌ إلى شأنه الأخير.
للمغنية الكبيرة أومارا بورتندو حيز كبير من تاريخ الفرقة، كما لتاريخها الشخصي دور في فيلم لوسي والكر، فنذهب معها إلى منزلها القديم، ونعود في حكايتها الفنية إلى حفلات كانت تشارك فيها كراقصة، وقتها حلمت أن تكون راقصة باليه، ولكنها لم تتمكن لأنها ليست بيضاء، فتلقفتها الموسيقى وأحيت فيها موهبة الغناء، وصارت ركيزة أساسية من عالم "بوينا فيستا".
كان فيلم لوسي والكر الوثائقي تحية إجلال بالغة الأثر للأوركسترا الكوبية التي خلق وجودها عالم الموسيقى الشعبية الرحب
وهذا ما حصل مع المغني الشهير إبراهيم فيرير الذي رسم اسمه عميقًا في عالم الموسيقى الكوبية، والذي كان لشخصيته أثر كبير في الفرقة، وكان حضوره عاطفيًا في الفيلم الذي فاض باللحظات المؤثرة على المسرح خلال غنائه مع أومارا، فاجتمع الاثنان معًا على الشجن، الفرح والدموع.
في دراما وثائقية مدتها 110 دقيقة نطلع على جوانب من حياة فرقة "بوينا فيستا"، نودعهم ونحن أمام الشاشة في جنازات متتالية لهم انتهت بإسدال الستار على آخر حفل لهم هم Adios Tour في عام 2016 بوجود المغنية أومارا، وعازف الغيتار بارباريتو توريس وإليادي أوشوا الذي غيبت صورته على غلاف الفيلم الجديد صورة إبراهيم فيرير قبل 17 عامًا على بوستر فيلم "فندرز" المأخوذ عن صورة الألبوم.
كان فيلم لوسي والكر الوثائقي تحية إجلال بالغة الأثر للأوركسترا الكوبية التي خلق وجودها عالم الموسيقى الشعبية الرحب. ويحفظ حكايةً فريدة عن الفرقة الأشهر في العالم Buena Vista Social Club.
اقرأ/ي أيضًا:
فيلم "الملك آرثر: أسطورة السيف".. غاي ريتشي التائه في عالم الفانتازيا