منذ قديم الأزل اختارت بعض الشخصيات القصصية والروائية لنفسها مكانًا مميزًا، ربما فاقت شهرة الرواية أو القصة ذاتها، الأمر ذاته تكرّر في السينما والدراما بحذافيره، جيسي بنكمان (آرون بول) إحدى هذه الشخصيات، وفي أجواء مسلسل "Breaking Bad" الغرائبية المُغوية يكمل صانع المسلسل الشهير فينس غيليغان سرديته الأثيرة، يصنع فيلمه "El Camino" (أُطلق في الشهر الجاري) بمداد من لدن ما كتب به مسلسله.
ظهر جيسي كأكثر شخصيات مسلسل "Breaking Bad غموضًا وتركيزًا، فصنع هالة من القداسة لنفسه
لا تتاجر شركة نتفليكس المنتجة للمسلسل بمالها إلا في المضمون، عند صناعة المسلسل اختارت أكثر شخصيات المسلسل أيقونية وجدلًا بعد والتر وايت، لا أحد يعلم إن كانت الفكرة جاءت للمخرج والمؤلف فينس غيليغان أولًا أم للقائمين على نتفليكس! المؤكد أن الاثنين أرادا لجيسي أن يحتفظ برمزيته.
اقرأ/ي أيضًا: فيلم "Joker".. كيف يأخذنا التنمر إلى أن نصبح وحوشًا
في البداية تشعر أنك تشاهد حلقتين متتابعتين من المسلسل، انطباع لا يتغير خاصة مع الاحتفاظ ذات الأجواء ونفس الرتم، كل شيء متشابه، الشخصيات ضئيلة في مواجهة عالمها الرحب، القوانين لا تعنيهم فهم يصنعون قوانينهم الخاصة، الفارق الوحيد بدا في التركيز على شخصية جيسي الأيقونية.
ظهر جيسي كأكثر شخصيات المسلسل غموضًا وتركيزا، صنع هالة من القداسة حول شخصيته، هو الشرير الذي يذنب لكنه يتألم من الداخل، يلقى العقاب على ما فعل بنفس راضية، وكأنه أدرك ماهية الحياة وسرها الأبدي الذي لا تعطيه لأحد.
هذا الفيلم عن جيسي، عنه في أحداث ما "Breaking Bad". نتذكّر أن المسلسل انتهى بقيام والتر وايت بإطلاق سراح جيسي عن أسر العصابة النازية التي حوّلته إلى عبد مقيّد، يقوم بطبخ الكريستال ميث لصالحهم، ويعيش في حفرة حقيرة. لكننا لا نعرف ما الذي حدث له بعد أن ركب السيارة وانطلق هاربًا. فيلم "El Camino" الذي يأخذ اسمه من اسم السيارة التي يركبها جيسي يروي لنا مصير هذه الشخصية، وكيف أنه كان الناجي الوحيد من بين كل شخصيات المسلسل التي انتهت قصصها تباعًا.
لعل المواصفات النفسية الخاصة لجيسي هي التي جعلت فينس غيليغان يفكّر في صناعة فيلم عن شخصيته المثيرة للجدل. صحيح أن تجربته السينمائية الأولى، المأخوذة من مسلسله الأيقوني لم تكن بنفس روعة المسلسل الأصل"Breaking Bad"، أو المسلسل المتفرع عنه "Better Call Saul" الذي لم يكن بروعة الأصل أيضًا، كأن فكرة "Breaking Bad" صعدت عاليًا ثم أخذت سلم الصعود معها.. كل ذلك صحيح، لكن الأكثر صحة أن جيسي يسجّل مأثرته الكبرى في تقرير مصير نفسه بشجاعة وذكاء.
تحولات كثيرة تشهدها شخصية جيسي، إنه يدور في فلك المجرمين، يلقى بعضهم الحتفَ على يديه، فما يزال قادرًا على القتل والفتك بمن يهدد مصالحه، الفارق هنا أنه أصبح أكثر نضجًا وتمهلًا.
جيسي الأكثر نضجًا الآن ليس شريرًا خالصًا ولا طيبًا نقيًا، هو مزيج من هذا وذاك، الخير والشر ممتزجان بداخله امتزاج الحليب بالماء فلا تستطيع الفصل بينهما.
فيلم "El camino" رسالة جديدة لفينس غيليغان يخبرنا فيها يتحولات جيسي، يدعي فيها أن هذا الصغير أصبح يفكّر قبل أن يتصرف، ما زال يصارع صراعاته الداخلية لكنه قادر الآن على البدء من جديد في مكان ناء لا يعرفه فيه أحد، وكأنه أحد المحظوظين الذين يمكنهم البداية من جديد، متناسيًا أن ما مر به ينقله من مصاف المحظوظين إلى صفوف التعساء.
اقرأ/ي أيضًا: