في فيلمه الأخير "أول رجل/The First Man" يعيد المخرج داميان تشازل صياغة حياة أول رجل يمشي على سطح القمر في دراما بيوغرافية لسيرة حياة نيل أرمسترونغ. هناك هامش كبير من الحياة الخاصة للرجل في الفيلم، تكون بدايتها مع مرض ابنته الصغيرة ووفاتها لاحقًا كحادث مفصلي في حياة الرجل، وهو ما حاول المخرج أن يربطه بالكثير من جزئيات الفيلم.
يضيء فيلم "The first Man" الكثير من الأشياء لدى المشاهد. عن تاريخ الحرب الباردة بين القطبين، وانتصار الإنسان لمشاعره وقت الألم
صمت طويل، حالات انعزال عن الآخرين، بكاء مستعص. لقطات متكررة في حياة رجل الفضاء الذي لم يتوان عن المضي خلف هدفه، ولم يثنه شيء عن ذلك سواء وضعه الأسري المرتبك، ولا حتى حوادث وفاة أصدقائه وزملائه في مجال الفضاء. أو ربما بسبب تلك الوقائع كان هو يصر على وداع العالم والمشي نحو الفضاء للقاء "محبوبه" القمر الذي قال فيه جملته الشهيرة وهو ينزل هناك خلال مهمة أبولو 11 في عام 1969 "خطوة صغيرة لإنسان، ولكنها قفزة كبير للبشرية".
اقرأ/ي أيضًا: 5 أدوار سينمائية دمّرت أجساد ممثليها
لم نعرف الكثير عن مسار حياة نيل أرمسرونغ وهو صغير، تبدأ لقطات الفيلم الأولى مباشرة من محاولاته مع ناسا في الطيران لاكتشاف الفضاء، وبعدها تأتي عدة محاولات أخرى متكررة. كما كان الدور الذي لعبه رايان غوسلينغ مميزًا، لكن هناك شيء ما جعل الفيلم يقع في فخ الرتابة والبطيء غير المبررين في شريط سينمائي يقدم أكثر تجربة إنسانية إثارة وهي المشي على القمر.
كان تحدي مخرج فيلم لالاند داميان تشازل كبيرًا، هو الآن أمام سيناريو فيلم لا يجب أن يقل تشويقا عن فيلمه الأول الفائز بجائزة الأوسكار، حاول أن يضع ثقلًا معينًا لمحاولة إنسانية هامة. لكن ربما حادثة الموت التي بدأ بها الفيلم كانت تعيق ذلك، لقطات فارغة وطويلة لتفاصيل ليست ذات أهمية، أو هي رغبة غير موفقة في إبراز صمت الفضاء وفراغ العدم الذي يلف منطقة هي أبعد ما تكون عن الأرض التي تشغلنا فيها تفاصيلها اليومية الكثيرة.
بعيدًا عن هامش حبكة للفيلم، اضطر مخرج الفيلم للتأكيد على وطنية الفيلم، بعد اتهامه قبل فترة بمناهضة الولايات المتحدة لعدم نشره صور غرس العلم في سطح القمر في اللقطات الأخيرة للفيلم، رؤية المخرج جعلت نيل أرمسرونغ يتجه نحو إحدى حفر القمر ويترك هناك ذكرى قديمة آتية من ابنته الصغيرة المتوفاة، كان سوارًا صغيرًا لمعصم يدها الذي ظل معه، وتركه هناك لجعله يستقر في ذاكرة القمر كما هو مترسخ تمامًا في ذاكرة نيل أرمسترونغ الخاصة.
اقرأ/ي أيضًا: "يوم أضعتُ ظلّي" لسؤدد كعدان.. الميتافور يقتل
في "الرجل الأول" هناك المرأة الأولى أيضًا. مرافقة رجل الفضاء، الذي تلقى خبر اختياره لرحلة أبولو نحو القمر حين دخل عليه مسؤول البرنامج في ناسا وهو في الحمام، زوجته كلير فوي بدور جانيت شيرون، والتي كثيرًا ما حاولت دعم تجارب زوجها بصبر وحماس، قبل أن تنفجر مخاوفها من أن تفقده ويفقده أولاده في رحلة من رحلاته الفضائية التي كانت بدون أي ضمانات. كان هناك ذلك الوجه الصامت لزوجته وأم أولاده الحائرة بين طموح رجل يقوده نحو الموت وبين أمنية الحضور الطبيعي لهذا الشخص بينهم.
سواء كان المشاهد مصدقًا لفرضية الصعود إلى القمر أو ممن يرون الأمر برمته لا يتعدى كونه مزحة سينمائية ثقيلة، يمكن للفيلم، الذي يحكي رحلة استغرقت ثمانية أيام وثلاث ساعات، أن يضيء الكثير من الأشياء لدى المشاهد. عن تاريخ الحرب الباردة بين القطبين وقتها، وعن انتصار الإنسان لمشاعره وقت الألم وأمل تجاوزه، عن تلك الشعلة التي تسكن القلب وتدفع صاحبها للمشي خلف أحلامه لآخر رمق. وهو ما يؤكد جوهر الإنسان في الأصل.
اقرأ/ي أيضًا: