في البدء كان هناك ضوء، لون، فحياة. يمثل فيلم "Loving Vincent" أو "محبة فينسنت" مشروعًا طموحًا للغاية، ففكرة مشاهدة العالم من خلال أعين أحد أكثر الرسامين تأثيرًا في مجال الفن -إن لم يكن الأكثر على الإطلاق- توازي مشاهدة نيل أرميسترونغ يقوم بالهبوط على سطح القمر للمرة الأولى.
فان جوخ هو رسام هولندي من القرن التاسع عشر، رسم ما يقارب 900 لوحة ولم تبع له سوى لوحة واحدة في حياته بملغ 400 فرنك أي ما يقارب ألف دولار في وقتنا الحالي
ولكن مع كل طموح هناك مجموعة عقبات تنتظرك أثناء المسير، فإما أن تكسرها أو تكسرك، وفي كلتا الحالتين فلن تصل خط النهاية بدون بعض الجروح والكدمات! لنفهم أهمية هذا الفيلم يجب أولًا ان نفهم أهمية فان جوخ ومن ثم أهمية نقل مثل هذه الأفكار إلى الشاشة الكبيرة.
فان جوخ هو رسام هولندي من القرن التاسع عشر، رسم ما يقارب 900 لوحة ولم تبع له سوى لوحة واحدة في حياته بملغ 400 فرنك أي ما يقارب ألف دولار في وقتنا الحالي، وهو سعر لا يمثل شيئًا بالنسبة لمبلغ 66.3 مليون دولار الذي سجلته لوحته "زقاق أليسكامبس" أو "Les Alyscamps"، أما باقي لوحاته فلا تقدر بثمن.
اقرأ/ي أيضًا: كل ما تريد معرفته عن فيلم "Coco"..تحفة بيكسار السنمائية الجديدة
تكمن أهمية فان جوخ في كونه أكثر الرسامين موازنة بين السيطرة على فرشاة الرسم، وبين إطلاق العنان للإبداع. يمكن ملاحظة هذا الأمر في أغلب لوحاته، مثل: "عند بوابة الخلود"، و"صورة للدكتور غاشيه"، و"لوحة شخصية لفان جوخ"، و"مقهى الليل"، و"شرفة مقهى في الليل"، و"صورة للأب تانجي"، وبالتأكيد لوحته المشهورة جدًا "الليلة المتلألئة".
فمثلًا عند الاطلاع على لوحة "صورة شخصية لفان جوخ" من الواضح أن الشخص المرسوم هو فان جوخ نفسه أي أن السيطرة حاضرة في الحفاظ على شكل فان جوخ في اللوحة، وحتى تجسيده في الأبعاد اللامرئية أيضًا واضح، فمثلًا تستطيع ملاحظة الجمجمة مندثرة تحت الجلد والطلاء، مع أنها غير مرئية أصلًا.
ومن ناحية الضوء والألوان؛ نجد أن الإبداع هو سيد الموقف، حيث أن كل التدريجات وضربات الفرشات والضوء والظل هو انطباعي بحت، وظيفته التقاط طابع ما يتمثل أمامه وليس الشكل، ولهذا فإن الموازنة بين هذين الكفتين بالإضافة إلى تمكنه من تحويل كل معاناته في الحياة إلى جمال أثر في قلب مسيرة الفن.
ومن هنا ولدت فكرة هذا المشروع، وقد وقع على كاهل كل من دوروتا كوبيلا وهيو ويلجمان، ثقل تحقيقه، ولكن لكل حلم حصته من الكوابيس، وكان أول هذه الكوابيس (المشاكل) تنفيذ فيلم مرسوم بالكامل!
قلة هي المحاولات السابقة التي اقتربت ولو من بعيد من فكرة خلق عالم مواز أو بعد آخر للواقع وتقديمه لشاشات السينما، ومن الأمثلة على ذلك Waking Life (2001) للأمريكي ريتشارد لينكلايتر. وShirley: Visions of Reality (2013) للنمساوي غوستاف ديوتج.
ولتحقيق هذا الحلم كان على ويلجمان وزوجته كوبيلا، العمل مع أكثر من 100 رسام لعمل 66 ألف لوحة، تحاكي أسلوب جوخ الانطباعي، في عملية استمرت ست سنوات!
اقرأ/ي أيضًا: فيلم "حياة آديل" لعبد اللطيف كشيش.. دروس في الحياة
لو تحدثنا عن فيلم "Loving Vincent" كقصة وسيناريو نجد أن المحتوى عادي جدًا. القصة تدور بعد وفاة فان جوخ بسنة واحدة، إذ يتم توصية أرماند رولين من قبل أبيه بتسليم رسالة من فان جوخ إلى أخيه ثيو، ومن هنا تبدأ رحلة ما تشبه أفلام الـDetective Noir ومحاولة إيجاد عدة إجابات عما إذا كان فان جوخ قد انتحر أم تم قتله، وجمع المعلومات عبر الحديث مع عدة شخصيات عاصرته، بمحاولة من أرماند لفهم ما جرى والسبب.
وقد يكون الأداء الخاص بالممثل هو العنصر الخاسر في هذه المعادلة، فبعد كل تعبير أو إيحاء تحاول إيصاله بتقاسيم وجهك، سيقوم بعدها أحد الرسامين بإعادة رسمه من جديد، وإضافته للفيلم، ولذلك نجد أن التمثيل إلى حد ما بليد.
تكمن أهمية فان جوخ في كونه أكثر الرسامين موازنة بين السيطرة على فرشاة الرسم، وبين إطلاق العنان للإبداع. يمكن ملاحظة هذا الأمر في أغلب لوحاته
نفس الأمر ينطبق على السينماتوغراف، وحتى يحقق ويلجمان وكوبيلا رؤيتهما؛ يجب ألَّا يخلقا أي عنصر داخل لقطات الفيلم غير موجود في لوحات فان جوخ، ولهذا تم اعتماد لقطات مفتاحية هي بالأصل لوحات وتوظيفها كمشاهد ضمن أحداث الفيلم.
والسؤال هنا لو كانت قصة فيلم "Loving Vincent" اعتيادية والتمثيل بليد والسينماتوغراف غائب إلى حد ما، فما الداعي لمثل هذا المشروع؟ ما هو الجديد الذي قدمه ويلجمان وكوبيلا؟
الجواب أن هذا الفيلم يقدم نقطتين مهمتين جدًا:
الأولى: أنه أقرب محاولة للنظر بعيني فان جوخ لرؤية الألوان كما كان يراها، والضوء، والتفاصيل الدقيقة، وحتى بريق الحياة.
الثانية: ماذا لو أن فان جوخ كان يعيش في عصرنا هذا ويقدم نفس اللوحات وبنفس الأسلوب؟ وشائت الصدف أن تثير السينما اهتمامه، وفي يوم ما قرر أن يصنع فيلمًا؟!
اقرأ/ي أيضًا: