هل يعد فيلم "Tesla" من إخراج "Michael Almereyda" ردًا على فيلم سابق عالج تقريبًا الفترة التاريخية نفسها والصراعات العلمية والابتكارية ذاتها ولكن من وجهة نظر العالم الأمريكي إديسون؟ الفيلم السابق يدعى "The Current War" ويضمّ نخبة من ممثلي هوليوود الكبار أمثال "Benedict Cumberbatch" في دور إديسون و"Michael Shannon" في دور جورج ويستينغهاوس. الاختلاف بين الفيلمين كبير من حيث المضمون والأسلوب. فأحدهم يدور حول إديسون وصراعه مع ويستينغهاوس وفي الثاني فإن العالم يدور حول تيسلا وفقط تيسلا.
التكنولوجيا الحديثة في فيلم "Tesla" ليست إلا تعبيرًا عن شخصية وحضور تيسلا، ويستحق المخرج ثناءًا وتقديرًا لفرادة مقاربته لشخصية الرجل الغامضة
يؤدي الممثل الأمريكي "Ethan Hawke" دور العالم الصربي-الأمريكي تيسلا في الفيلم الذي يحمل اسم العالم نفسه. وعلى الرغم من حضور إديسون (في دور مميز للممثل "Kyle MacLachlan") والمنافسة الواضحة بين العالمين، إلا أن العمل مخصص لتيسلا ومخيلته وصراعاته الداخلية، خاصة في القسم الأخير من الفيلم الذي يربك المشاهد ويفقده بوصلته المعرفية التي يلقنها له الفيلم في البداية.
اقرأ/ي أيضًا: فيلم "تحت فراء الذئب".. الوحدة التي تُعيد الإنسان كائنًا بدائيًا
يفتتح الفيلم بمشهد مميز يتحدث فيه إديسون عن حادثة بعيدة من طفولته، ويبدو من خلال هذا المشهد التوتر الواضح بينه وبين تيسلا الذي كان ما زال حديثًا في البلاد ويعمل في ورشة إديسون العلمية. مكمن الصراع بين العالمين هو كيفية إنتاج الكهرباء، بين إصرار إديسون على التيار الكهربائي المستمر، والذي تبنته الولايات المتحدة الأمريكية آنذاك، وقناعة تيسلا بالتيار الكهربائي المتردد، والذي سيتبناه جورج ويستينغهاوس ("Jim Gaffigan" في هذا الفيلم) لاحقًا ويروج له في إحدى أشهر الصراعات العلمية والتي عرفت باسم "حرب التيارات". هنا تدخل آن مورغان ("Eve Hewson") ابنة جي بي مورغان أحد أكبر رجالات الأعمال آنذاك.
تقوم آن، إضافة إلى صداقتها مع تيسلا، بدور الراوي. ومن خلالها نكتشف أولى علامات الافتراق في الأسلوب بين هذا العمل وفيلم "The Current War" السابق ذكره. ما هو هذا التفصيل الذي يستدعي الإشارة إليه؟ بكل بساطة، تقوم آن في زيّها المتسق مع أزياء ذلك العصر بفتح حاسوبها الشخصي واستعراض صور نيكولا تيسلا على محرك البحث غوغل. هذا التفصيل ومشاهد أخرى - مثل إخراج إديسون هاتفه الآيفون من جيبه فيما يستعرض تيسلا إختراعه الذي افتتح عالم السينما بالتزامن مع الأخوين لوميير في فرنسا – هي أمور عابرة، وربما أقل غرابة من الاتجاه الذي سيتخذه الفيلم لاحقًا، في مقاربة ما بعد حداثية من قبل المخرج "Michael Almereyda" لعالم يمكن إطلاق صفة ما بعد حداثية على مخيلته، لا لشيء إلا لطبيعة أفكار المخترع ومحاولاته العلمية المستقبلية. لذلك، فإن التكنولوجيا الحديثة في الفيلم ليست إلا تعبيرًا عن شخصية وحضور تيسلا، ويستحق المخرج ثناءًا وتقديرًا لفرادة مقاربته لشخصية الرجل الغامضة. لكن لسوء الحظ هذا الثناء يقتصر على المحاولة وبالكاد يتجاوز الحصيلة النهائية للفيلم.
هل كان بالإمكان مقاربة القصة بطريقة كلاسيكية ومباشرة؟ بكل تأكيد. لكن بعد هذه المحاولة الطموحة، فإن أي تصور اعتيادي وتقليدي لشخصية تيسلا ستكون قاصرة لا محالة. المخرج (وهو كاتب السيناريو أيضًا) فتح لنا الباب على مصراعيه لتخيل الرجل ونوعية أفكاره وانشغالاته الفكرية. إلا أنه رغم الغنى البصري في الفيلم، فإن المُشاهد لا يصل إلا الشرارة الإبداعية التي يبتغيها صنّاع الفيلم. يمكن التجرؤ والقول إن المُشاهد يصيبه بعض الملل وهو يحاول أن يجد سبيله في متاهة العمل. لتجنب أي التباس، فإن من الضروري التشديد على أن هذه المتاهة والغموض هما هدف المخرج. وهو نجح في ذلك ولكن فشل في جذب المُشاهد تمامًا إلى عالم تيسلا الداخلي.
مع أن فيلم "Tesla" من المفروض عن تيسلا، فإن المفارقة تكمن في أن الحضور الأقوى في الفيلم هو لإديسون
وللمفارقة، فإن الحضور الأقوى في الفيلم هو لإديسون وليس تيسلا. وهنا أيضًا تعبير عن شخصية تيسلا المنغلقة بالمقارنة مع استعراض إديسون وبحثه الدائم عن الأضواء. لكن سبب آخر هو أداء "Kyle MacLachlan"، الذي يُعرف أكثر من أي شيء من خلال تعاونه مع المخرج "David Lynch" وخاصة في دوره الأشهر في مسلسل "Twin Peaks". كل مشهد له يزيد من حيوية الفيلم.
اقرأ/ي أيضًا: أربع من كبرى ملاحم السينما
هذه ليست محاولة المخرج الأولى خارج السياق الكلاسيكي للسرد. فثمة محاولة أقل طموحًا من ناحية الأسلوب لكن بكل تأكيد أكثر نجاحًا من ناحية الحصيلة النهائية، وهو فيلم "Experimenter" المميز، ويعالج فيها سيرة حياة أخرى. هذه المرة هي قصة التجربة ذائعة الصيت – أو ربما سيئة الصيت – التي قام فيها عالم الاجتماع الأمريكي ستانلي ميلغرام في الستينات من القرن الماضي من خلال بحثه عن طبيعة انصياع البشر للأوامر أو للسلطات. ربما الاختلاف بين السيرتين هو الفرق في غموض العقليتين، وانغلاق عقل تيسلا على أي تطفل بشري خارجي.
اقرأ/ي أيضًا:
فيلم "Waiting for the Barbarians".. نظّارة الاستعمار الشمسية
فيلم "Chaos Walking".. من عمل موعود بمسائل فلسفية إلى فيلم مطاردة