رغم تحول المغنية أندرا داي (Andra Day) إلى التمثيل بسبب هذه الدور تحديدًا، وإثباتها لقدراتها الأدائية وتميزها في لعب شخصية المغنية الأمريكية بيلي هوليداي (Billie Holiday)، وعلى الرغم من القصة المفترض عرضها في الفيلم، إلا أن فيلم "The United States vs. Billie Holiday" فشل في تقديم ما طمح وزعم من عرضه في هذا العمل البيوغرافي لحياة بيلي هوليداي، أو بالأحرى لفصل معين من حياتها.
يعرض فيلم "The United States vs. Billie Holiday" في البداية محاولات الإف بي آي إسكات بيلي هوليداي ومنعها من أداء أغنيتها "Strange Fruits"
يقترح عنوان الفيلم قصة معينة للمشاهد، وهي صراع هوليداي مع الحكومة الأمريكية، أو تحديدًا محاربة المكتب الفدرالي لشؤون المخدرات للمغنية الأفرو-أمريكان، ومحاولة منعها من الغناء على المسرح بسبب أغنيتها "Strange Fruits" التي تتحدث فيها عن جرائم القتل التي كان يقوم بها البيض العنصريون في الولايات المتحدة الأمريكية ضد المواطنين الأفرو-أمريكان، والتي أخذت شكل شنقهم على أغصان الشجر.
اقرأ/ي أيضًا: فيلم "Judas and the Black Messiah".. قصة القائد الكاريزماتي يرويها مُخبر
يعرض الفيلم في البداية محاولات الإف بي آي إسكات بيلي هوليداي ومنعها من أداء هذه الأغنية. يقود هذه الحملة هاري أنسلينجر (Garrett Hedlund) الذي كان يرأس المكتب الفدرالي بشؤون المخدرات. وبسبب تحدي المغنية لمحاولات المنع هذه، اتجه أنسلينجر إلى ملاحقتها لتعاطيها المخدرات والنجاح في الحصول على حكم بسجنها لسنة ويوم. هذه العملية نجحت بفضل جهود أحد العناصر التي تعمل تحت إمرة أنسلينجر، وهو جيمي فلتشر (Trevante Rhodes)، الأفرو-أمريكان الذي تقرّب من بيلي كأحد معجبيها، لكن لاحقًا ندم على ذلك وانتهى في علاقة عاطفية معها.
تكمن إحدى مشاكل الفيلم، الذي أخرجه لي دانييلز (Lee Daniels)، في ابتعاده عن الواقع. فعلى سبيل المثال، لا يوجد أي دليل على العلاقة بين المغنية وجيمي فلتشر. الأمر كله من مخيلة صنّاع الفيلم. فلتشر هو شخص حقيقي وكان يعمل تحت إمرة أنسلينجر وحاول التقرب من هوليداي، لكن لا توجد دلائل تؤيد تفاصيل أبعد من ذلك. لكن أكثر ما أضعف الفيلم هو بالأحرى عدم التزامه بما يقترحه عنوانه، وخوضه بشكل عابر في أكثر من حبكة أو تفصيل من حياة بيلي هوليداي، من علاقاتها مع بعض الرجال الذين استغلوها وعنّفوا بها، إلى الإشارة العابرة لعلاقتها المحتملة مع الممثلة تالولاه بانكهيد ("Natasha Lyonne"، للأسف في دور ثانوي جدًا وبلا تبعات بخصوص الحبكة)، ولكن الأهم من ذلك في تصوير إدمانها على المخدرات وصراعها الدائم معه.
ضاعت أغنية "Strange Fruits" في غمرة هذه الحبكات والاستطالات. يمكن القول أيضًا أن حضورها اقتصر على الجزء الأول من الفيلم. ربما كان من الأفضل لصنّاع الفيلم لو أنهم وجهوا اهتمامهم أكثر إلى الأغنية، وتقديم حياة المغنية عن طريق عرض تاريخ الأغنية التي تم تسجيلها لأول مرة في العام 1939، اقتباسًا من قصيدة للشاعر الأمريكي – الشيوعي آنذاك – آبل ميروبول "Abel Meeropol". الأغنية هي احتجاج على عمليات القتل ضد الأفرو-أمريكان التي كانت منتشرة آنذاك في الجنوب الأمريكي. هذه التفاصيل كانت كلها غائبة عن الفيلم، لا كيف تم تسجيلها ولا أي شيء أو حضور للشاعر في الفيلم. بل إن أحداث الفيلم تنطلق من العام 1947. بكل الأحوال، لم يهتم الفيلم بكل هذه الأمور. كان لابد له من الأنطلاق من ذاك التاريخ لكي يتمكن التركيز على العلاقة بين المغنية وجيمي فلتشر.
كانت حياة بيلي هوليداي حافلة، وصراعها مع الإف بي آي كان معبّرًا عن صراع جيل كامل من الأفرو-أمريكان مع الحكومة آنذاك
اقرأ/ي أيضًا: فيلم "Waiting for the Barbarians".. نظّارة الاستعمار الشمسية
رغم فقدان البوصلة، لا يخلو الفيلم من متعة المشاهدة. أحد أسباب جاذبيته هنا هو أداء وحضور أندرا داي المميزين، ولكن أيضًا باقي الممثلين. إضافة إلى ذلك، تميّز الفيلم بأزيائه وتصويره وإضاءته، ولكن حتى قصة الفيلم المشحونة. فحياة بيلي هوليداي كانت حافلة وصراعها مع الإف بي آي كان معبّرًا عن صراع جيل كامل من الأفرو-أمريكان مع الحكومة آنذاك، ليس بشكل خاص بسبب أغاني محددة ذات طابع متمرد، ولكن بسبب النوع الموسيقي الذي كان سائدًا آنذاك، وهو موسيقا الجاز الذي استهدفه هاري أنسلينجر لأنه اعتبره نوعًا موسيقيًا هجينًا وخطيرًا. لكن للأسف رغم الجهود الكبيرة المبذولة في هذا الفيلم إلا أنه كان في المحصلة فرصة ضائعة.
اقرأ/ي أيضًا:
فيلم "The White Tiger".. بين هند الظلام وهند النور
فيلم "Chaos Walking".. من عمل موعود بمسائل فلسفية إلى فيلم مطاردة