أخذ مشروع قانون الجرائم الإلكترونية لسنة 2023 خلال الأيام الماضية، حيزًا واسعًا في الفضاء العام الأردني، بسبب ما تضمنته بنية القانون من مصطلحات فضفاضة ومخالفات دستورية وعقوباتٍ مغلظة تقيّد حرية الرأي والتعبير المصانة في الدستور الأردني، وفقًا لدستوريين ومشرعين.
طفى مشروع القانون على السطح عندما أحاله مجلس الأمة في أولى جلسات دورته الاستثنائية إلى اللجنة القانونية، والتي بدورها أنهت مراجعته في جلساتٍ مغلقة في 25 تموز/ يوليو الماضي، ثمَّ عاد إلى مجلس النوّاب ليقرّه في 27 من الشهر ذاته في جلسة امتدت لست ساعات.
وعلى خلاف العادة، لم ينشر ديوان التشريع والرأي مسودة قانون الجرائم على موقعه الإلكتروني؛ ليتمكن العامة وأهل الاختصاص من مراجعته والاطلاع عليه بهدف إشراك كافة القطاعات والمواطنين في صياغة التقرير وصناعته.
خلّف ذلك كله مظاهرات واحتجاجات أمام مجلس النَّواب ونقابة الصحفيين ووسط العاصمة عمَّان؛ بدعوة من عدّة أحزاب ونقابات شعبية لسحب مشروع قانون الجرائم الإلكترونية، باعتبار أن مشروع القانون لم يأخذ الوقت الكافي من الدراسة والتمحيص مع أصحاب الاختصاص من دستوريين وحزبيين ونقابات ومؤسسات مجتمع المدني.
ضبابية في مصطلحات مشروع القانون
تضمن مشروع قانون الجرائم الإلكترونية لسنة 2023 موادًا جديدة ومهمة لضبط الفضاء الإلكتروني، من أهمها: حفظ أمن المعلومات، وتجريم الإباحية، واختراق الحسابات البنكية والمصرفية، والعبث بمحتوى الصورة والفيديو، وتجريم الترويج للأسلحة.
محمد قطيشات: تكمن العدالة الاجتماعية بالمحاكمة العادلة التي تتطلب بدورها نصًا قانونيًا عادلًا وعقوبةً منطقيةً تتوائم مع مستوى دخل الفرد،وذلك لم يتحقق في مشروع القانون الحالي.
إلا أن الخلاف تمحور حول المواد 15 و16 و17 على اعتبار أنها تمس بحرية الرأي والتعبير عبر مصطلحات "فضفاضة غير منضبطة"، قد تُفسَّر تفسيرًا ضيقًا فتؤدي إلى إفلات بعض الجناة من العقاب، أو تفسيرًا واسعًا يقيّد الحريات، مثل مصطلح "اغتيال الشخصية" و"خطاب الكراهية" وغيرها.
من جهته، قال رئيس اللجنة القانونية النيابية، غازي ذنيبات، إن تفسير المشرِّع لجميع مواد القانون يؤدي إلى تقييد القضاء بتفسيرٍ معين، والأصل -بحسب ذنيبات- أن تفسِّر الوقائع بحسب ظروفها الخاصة، موضحًا أن تفسير القوانين بشكل محدد قد يلحق الضرر بالمتهم.
وفيما يتعلق بمصطلح "اغتيال الشخصية" الذي أُثير حوله الجدل، بيّن ذنيبات أن هذا المصطلح ورد في قانون هيئة النزاهة ومكافحة الفساد وأنه ليس جديدًا في التشريعات الأردنية، مؤكدًا صدورعدة قرارات من المحكمة التي تفسّر مصطلح "اغتيال الشخصية"، ورغم ذلك، يرى عضو نقابة الصحفيين الأردنية، خالد القضاة، أنه لم يُعرف تعريفًا منضبطًا حتَّى اللحظة.
كذلك يرى الخبير القانوني ومدير هيئة الإعلام سابقًا، محمد قطيشات، في تصريحات لألترا صوت، أن مصطلح "اغتيال الشخصية" غير قانوني، ولا يقوم على القاعدة الفقهية والقانونية القائلة بانتفاء الجريمة والعقاب إلا بنص قانوني واضح محدد المعيار وله ضوابط.
واعتبر قطيشات استخدام المشرِّع لعبارات فضفاضة غير منضبطة بحجة ترك المساحة للقضاء في التفسير خطأً جسيمًا، يؤدي إلى التعسف في استخدام القانون، ولا يصب في إطار الحق الدستوري الوارد في المادة 15 التي تكفل حرية الرأي والتعبير للأردنيين كافة.
عقوبات رادعة أم تعجيزية؟
ومن أهم المستجدات التي وردت في مشروع قانون الجرائم الإلكترونية بنسخته الحالية، تغليظ العقوبات في المواد من 15- 17 حتَّى وصلت الغرامات في حدها الأعلى إلى 20 ألف دينار (أكثر من 28 ألف دولار) أو المعاقبة بالحبس مدة تصل في حدها الأدنى إلى 3 أشهر في حالة الأخبار الكاذبة أو الذم أو القدح أوالتحقير أو إثارة النعرات.
وتكمن العدالة الاجتماعية بالمحاكمة العادلة، وفق قطيشات، والتي تتطلب بدورها نصًا قانونيًا عادلًا وعقوبةً منطقيةً تتوائم مع مستوى دخل الفرد، مبينًا أن ذلك لم يتحقق في مشروع القانون الحالي، بينما يعتقد ذنيبات بعجز المواطن عن دفع الغرامات المادية مهما بلغت قيمتها، موضحًا أن الهدف الرئيس من العقوبات هو الردع العام والخاص ليس إلا.
هل يمس القانون حرية الصحافة؟
ادّعت الحكومة أنَّ مشروع قانون الجرائم الإلكترونية، في كل مراحله، لا يمس العمل الصحفي، في حين يؤكد القضاة أن غالبية الصحفيين كان تحويلهم إلى المحكمة يتم بناءً على المادة 11 من قانون الجرائم الإلكترونية رقم 27 لعام 2015 بدلًا من قانون المطبوعات والنشر، معتبرًا أن المساواة بين العمل الصحفي والعمل على شبكات التواصل الاجتماعي أمام القضاء "إجحاف".
أجازت المواد القانونية الثلاث التوقيف، الأمر الذي يعتبره القضاة "عقوبة مسبقة" تخالف المبدأ الدستوري القاضي بأن المتهم برئ حتَّى تثبت إدانته، يقول القضاة إن "هناك قصصًا عن صحفيين اتهموا بكتابة مواد صحفية تحتوي على واحدة من هذهِ الجرائم ثم أثبتت المحكمة سلامة المادة الصحفية دون تقديم أي تعويضات للصحفي".
ومن تعديلات مشروع القانون، إضافة عبارة "الأخبار الكاذبة" إلى جانب الذم والقدح والتحقير، ما أثار حفيظة نقابة الصحفيين التي اعتبرت أن المواد الصحفية قد تحتوي على أخبار غير دقيقة يمكن أن تدخل في عبارة "الأخبار الكاذبة" الواردة في القانون، وهو ما استجاب له مجلس النواب بإضافة عبارة "التي تمس الأمن الوطني والسلم المجتمعي".
تعديل مجلس النواب مهم وعادل في حصر الأخبار الكاذبة المجرَّمة قانونيًا، بحسب القضاة، الذي يرى في الوقت ذاته أن الأولى من ذلك هو تفعيل قانون حق الحصول على المعلومات، والذي من شأنه تقليل الأخبار الكاذبة والإشاعات. ويضيف: "كنت آمل أن يكون هناك ذات الاندفاع الحكومي لتفعيل حق الحصول على المعلومات؛ ما سيُلغي كثيرًا من الأسباب الموجبة لمشروع قانون الجرائم وسيعالج إشكالياته".
وتضمن مشروع القانون مواد أخرى قوبلت بالنقد والاعتراض ولو بدرجة أقل من المواد السابقة، منها المادة 25 التي حمّلت مدير الموقع الإلكتروني أو صاحب الحساب أو المنصة أو القناة مسؤولية المحتوى غير القانوني، سواء في المحتوى ذاته أو في التعليقات عليه، مستثنيًا كلًا من الدوائر الحكومية والمؤسسات الرسمية والحسابات الشخصية ما لم يُثبَت امتناع مالك الحساب الشخصي أو الشخص المسؤول عن إزالة المحتوى غير القانوني بناءً على طلب الشخص الذي وجهت إليه الإساءة.
ويرى المحامي قطيشات أن هذه المادة مخالفة للمبدأ الدستوري القاضي بأن الأردنيين أمام القانون سواء، مؤكدًا أهمية استشارة أصحاب الاختصاص من فنيين وتقنيين حتى تكون واقعية وقابلة للتطبيق.
وتقوم فكرة المادة القانونية على إخلاء مسؤولية الدوائر الحكومية والمؤسسات الرسمية بشكل كامل من التعليقات غير القانونية، أما الدوائر غير الرسمية فإن الشخص المسؤول عن إدارة الصفحات أو الحساب الشخصي يخلي مسؤوليته عن طريق حذفه للتعليق المسيء أو المنشور عند طلب الجهات الرسمية ذلك.
وفي عام 2012 صدر تعديل مشابه على قانون المطبوعات والنشر جعل التعليقات التي تنشر في المطبوعة الإلكترونية جزءًا من المادة الصحفية تقع مسؤوليتها على الصحفي ورئيس التحرير للموقع، ما أدى إلى إغلاق باب التعليقات في مجمل المواقع الإلكترونية بشكل احترازي وأنتج حالة من التضييق على الحريات آنذاك.
ويوضح القضاة أن هذه المادة ستؤثر بشكل مباشر على المحتوى الأردني الذي سيسعى -بسبب القانون- أن يكون على مبدأ "سكِّن تسلم"، إذ إنه في حين أن "هذهِ العقوبات المشددة ضد الخطاب غير العقلاني العشوائي، فإن الخطاب العقلاني في البلاد سيسكته خوف أصحابه من الوقوع في الشبهات"، بحسب القضاة.
ومن بوادر ذلك، ما أعلنه الكاتب وصاحب موقع "سواليف" أحمد حسن الزعبي، عن إغلاق حسابات الموقع على صفحات التواصل الاجتماعي، وإغلاق حساباته الشخصية كذلك، "احتجاجًا على إقرار القانون العرفي، وحفاظًا على مبادئي وقيمي ورسالتي"، على حد تعبيره.
كذلك أعلن ناشر موقع "جو 24" الصحفي باسل العكور، عن إغلاق صفحات موقعه وصفحاته الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي؛ احتجاجًا على تمرير مجلس النواب لمشروع القانون، فيقول: "لا أريد أن أدفع كلفة هذهِ التشريعات التي ستزج بنا في السجون"، كما وصف.
منصات التواصل الخارجية داخل القانون
ومن المواد المُشكِلة في مشروع قانون الجرائم كذلك، المادة 37 التي نصت على "أن على منصات التواصل الاجتماعي خارج المملكة والتي لديها عدد من المشتركين يزيد عن 100 ألف مشترك في المملكة إنشاء مكتب لها داخل المملكة للتعامل مع الطلبات والإشعارات الصادرة عن الجهات القضائية والرسمية" وإلا فإنها تُعاقب بحظر الإعلانات أو حظر تردد الإنترنت بنسب محددة.
وتستند هذهِ المادة إلى الاستراتيجية العربية الموحدة للتعامل مع شركات الإعلام الدولي (منصّات التواصل الاجتماعي) والتي أعدّها الأردن، وأقرّها مجلس وزراء الإعلام العرب في دورته الثالثة والخمسين في الرباط. وتضمنت الاستراتيجية مشروع قانون استرشادي عربي موحّد لتنظيم عمل وسائل التواصل الاجتماعي وحماية وسائل الإعلام العربية وجمهور المستخدمين.
طرحت هذه المادة استفهامًا حول إمكانية تطبيقها أو كيفية إلزام منصات التواصل الخارجية على ذلك، لكن النائب الذنيبات يجيب فيقول: "أنا كمشرع لا أدخل في تفاصيل تنفيذ القانون، وإنما أضع النص فقط"، موضحًا أن تطبيق النص يكون من قبل الجهات التنفيذية التي ستصدر أنظمة توضح آلية عمل المكتب وغيره من التفاصيل.
تستند المادة 37 على الاستراتيجية العربية الموحدة للتعامل مع منصات التواصل الاجتماعي التي أعدها الأردن وأقرها مجلس وزراء الإعلام العرب في دورته الثالثة والخمسين في الرباط.
وذلك قد يؤدي إلى فتح صراع، بحسب القضاة، بين الأردن والمنصات العالمية التي يزيد عدد المشتركين فيها عن 100 ألف مشترك، مبينًا أن عملية التنظيم التي سعى لها المشرع اعتمدت على التجريم، وكان من الأولى فيها تعزيز حقوق المواطنين وحرية التعبير، ومنحها مجالًا أوسع للعمل.
مطالعة قانونية
قدمت 14 مؤسسة مجتمع مدني أردنية مطالعة قانونية حول مشروع قانون الجرائم الإلكترونية، أحصت فيها 48 عقوبة في القانون يمكن التوقيف فيها، في الوقت الذي يعاني الأردن بشكل كبير من تفشي ظاهرة التوقيف سواء التوقيف الإداري، أو التوقيف ما قبل المحاكمة.
ومن ضمن مواد مشروع القانون والبالغ عددها (41)، رصدت المطالعة (48) جريمة، منها (33) جريمة جديدة لم تكن موجودة في قانون الجرائم الإلكترونية ساري المفعول، ولكنها في أغلبها كانت مجرمة في تشريعات أخرى وإن كانت بمسميات وعقوبات مختلفة.
ورأت مؤسسات المجتمع المدني أن المشروع يأتي في مرحلة أعلنت بها الدولة الأردنية مُضيها إلى إصلاح سياسي، وتفعيل للحياة الحزبية والديمقراطية، "لا يمكن لأي حياة سياسية أو حزبية أو ديمقراطية أن تقوم، وتزدهر دون قدرة الأفراد، والمعارضين على نقد السياسات العامة، وأداء المسؤولين في مختلف السلطات" بحسب المطالعة.
ورغم كل ما سبق تصر الحكومة على دستورية مشروع قانون الجرائم الإلكترونية لسنة 2023، مستدلةً على ذلك بعدم وجود أي طعون به أمام المحكمة الدستورية المخولة الوحيدة بدستوريته من عدمه، وذلك بحسب تصريحات وزيرة الدولة للشؤون القانونية، نانسي نمروقة.
من جانبه، يرى الصحفي القضاة أن نقابة الصحفيين والمؤسسات الإعلامية قصرت في الدفاع عن حرية الصحافة، والتزمت الصمت أمام عدّة انتهاكات ارتكبت في حق الحريات الصحفية، حتى تراكمت وصارت "ظاهرة مجتمعة" على منصات التواصل، "نحن مهدنا الطريق لإقرار هذا القانون"، بحسبه.
اعتراضات خارجية على القانون
بالتزامن مع الاحتجاجات الداخلية على مشروع قانون الجرائم الإلكترونية، ظهرت أصوات خارجية ناقدة لبعض المواد، بدعوى احتوائها أيضًا على "عبارات فضفاضة" أو اشتمالها على عقوبات مغلظة تقيِّد حرية الرأي والتعبير.
آدم كوجن: بنود القانون تفتح الباب أمام السلطة التنفيذية الأردنية لمعاقبة الأفراد على ممارسة حقهم في حرية التعبير، وللحكومة الأردنية تاريخ طويل في استغلال أحكام جنائية لقمع حرية التعبير والتجمع.
تأتي هذه الانتقادات رغم تصريح الحكومة بأن مشروع القانون جاء تماشيًا مع التوجه العالمي بسن قوانين تنظم مجال تقنية المعلومات وتتوائم مع المعايير الدولية.
هذهِ السردية من قِبل الحكومة ليست الأولى من نوعها، بل سبقها ما يُماثلها عام 2017 لمَّا طرحت حكومة هاني الملقي تعديلات قانون الجرائم الإلكترونيّة، فوصف وزير العمل السابق، نضال القطامين، التعديلات مثلًا بأنها "ومضات مُضيئة" تقتدي بالجهود التي تبذلها ألمانيا وبريطانيا في مكافحة خطاب الكراهية على السوشال ميديا.
منظمة هيومن رايتس ووتش مع 13 منظمة حقوقية أخرى أصدرت بيانًا موحدًا موجهًا للحكومة الأردنية، حذرت فيه من تبعات إقرار مشروع قانون الجرائم الإلكترونية بنسخته الأخيرة، مضيفةً أن المشروع سيعطي السلطات صلاحيات كاسحة لحجب المواقع الإلكترونية أو منصات التواصل الاجتماعي أو الخدمات من الشبكة الوطنية، أو منع الوصول إلى المحتوى المخالف.
يقول نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة هيومن رايتس ووتش آدم كوجن، في تصريح خاصّ، إن مواد القانون احتوت على مجموعة ألفاظ فضفاضة، لا يقيّدها تعريف محدد مثل "اغتيال الشخصية"، و"إثارة الفتنة"، و"النيل من الوحدة الوطنية"، و"ازدراء الأديان"، فهذه المفردات، بحسب كوجن، لا تندرج ضمن شروط القانون الدولي الخاصة بصياغة قوانين دقيقة تسمح للمواطنين بتنظيم سلوكهم وفقًا لها.
تفتح مثل هذه البنود الغامضة، بحسب كوجن، الباب أمام السلطة التنفيذية الأردنية لمعاقبة الأفراد على ممارسة حقهم في حرية التعبير، ويقول كوجن إن "للحكومة الأردنية تاريخ طويل في استغلال أحكام جنائية لقمع حرية التعبير والتجمع".
ولا يرى كوجن أن القانون يتماشى مع القوانين العالمية أو أنه يخضع للمعايير الدولية، فيقول: "مثلًا القوانين الدولية تجرِّم الذم والقدح بالعقوبات المالية ولا يمكن أن تصل للحبس".
وفي انعكاساته على الحياة المدنية، يتوقع آدم أن القانون سيكون واحدًا من الأسباب التي تؤدي إلى تدهور مرتبة الأردن في معدل الحريات المدنية، من خلال تضييق مساحات الحوار الإلكتروني، ولم يتلقَ البيان أي رد من الحكومة الأردنية لغاية اللحظة.
من جهته، أصدر معهد الصحافة الدولي، ومقره فيينا، بيانًا انتقد فيه مشروع قانون الجرائم الإلكترونية مطالبًا مجلس الأمة برفض التشريع وتطوير نصوصه وإشراك الصحافة والمؤسسات المدنية في ذلك. وبحسب البيان، فإن هذا التشريع بصياغته الحالية سيصبح من الناحية العملية أكثر استخدامًا لمعاقبة النقَّاد والصحفيين، وهو بمثابة "حرب قانونية" ضد الصحافة.
أما منظمة مراسلون بلا حدود، فأشارت في تقريرها السنوي لحرية الصحافة الصادر في 3 أيَّار/ مايو الماضي، أن مرتبة الأردن لهذا العام تراجعت 26 درجة مقارنة مع العام الماضي، إذ وصلت لمرتبة 146 من أصل 180 دولة، مسجلةً بذلك أحد أكبر التراجعات في المنطقة في مؤشر حرية الصحافة.
وعلّقت المنظمة في تقريرٍ نُشر تزامنًا مع إقرار مشروع القانون، أن طرحه من أعراض "التراجع الخطير" الذي تشهده حرية الصحافة في الأردن، إذ إنه يميل إلى "النزعة العقابية" في صياغته، ويشجع على الرقابة الذاتية، داعيةً إلى استبداله بقانون يحمي حق المواطنين في الحصول على المعلومات، لا أن يحمل في طياته تهديداً لحرية الصحافة.
خالد القضاة: الحكومة الأردنية دائمًا ما تدّعي في تصريحاتها وبياناتها أن تشريعها للقوانين يأتي انسجامًا مع التوجه العالمي ويتفق مع المعايير الدولية، لكنها في الحقيقة تقارن نفسها بدول محيطة، لها ظروفها السياسية الصعبة المفارقة لظروف البلاد.
كما أصدرت الخارجية الأمريكية بيانًا قالت فيه "إن مشروع القانون جاء مقيدًا لحرية التعبير في الخارج، وإن تعريفاته ومفاهيمه الغامضة يمكن أن تقيد جهود الإصلاح الاقتصادي والسياسي المحلية، وتحد من الحيز المدني المتاح أمام الصحفيين والمدونين، وقد يؤدي إلى عرقلة الاستثمار المستقبلي في قطاع التكنولوجيا".
وردًا على ذلك، أصدرت نقابة الصحفيين بيانًا رفضت فيه تدخل الخارجية الأمريكية في القوانين الأردنية المحلية فيما أسمته "شأنًا وطنيًا داخليًا"، معبرةً عن أسفها لعدم أخذ الحكومة بكامل ملاحظاتها واعتراضاتها على مشروع القانون من قبل اللجنة القانونية النيابية.
يقول القضاة، إن الحكومة الأردنية دائمًا ما تدّعي في تصريحاتها وبياناتها أن تشريعها للقوانين يأتي انسجامًا مع التوجه العالمي ويتفق مع المعايير الدولية، لكنها في الحقيقة تقارن نفسها بدول محيطة، لها ظروفها السياسية الصعبة المفارقة لظروف البلاد.
تتفق دول العالم المُوقِعة على مواثيق ومعاهدات لتنظيم الإنترنت على تجريم اختراق أمن المعلومات والحسابات البنكية، وتجريم تجارة الأسلحة والعبث بالمحتوى وغيرها، "هذه المواد لا خلاف عليها ونتفق مع الحكومة في تجريمها"، يقول القضاة، مستدركًا أن الدول المتقدمة لم تذهب إلى سنّ هذهِ القوانين على حساب حرية التعبير والرأي.
هل حُسم مشروع قانون الجرائم الإلكترونية؟
وصل مشروع القانون إلى آخر مراحل الإقرار، فرغم كل الضجة التي أثيرت حوله في الفضاء الأردني، إلا أن مجلس الأمة بشقيه النواب والأعيان أقرّه، ليبقى القرار أمام الملك في المصادقة عليه أو ردّه.
"المجتمع الأردني مجتمع حي"، يؤكد الصحفي القضاة، ويضيف أن مرحلة التطبيق المبدئي بعد صدور الإرادة الملكية على مشروع قانون الجرائم الإلكترونية لسنة 2023، لا تمنع خوض معارك جديدة لطرحه من جديد، وإثبات تسببه بإشكالات جديدة.