أعلن قاضٍ في محكمة بالتيمور في ولاية ميريلاند الأمريكية يوم أمس الإثنين، حكمًا بإخلاء سراح رجل أمريكي مسلم يدعى "عدنان سيد"، وذلك بعد 23 عامًا على إدانته بجريمة قتل في محاكمة مثيرة للجدل.
أثارت قضية عدنان سيد تعاطفًا واسعًا في الإعلام الأمريكي بعد برنامج بودكاست قدم أدلة تشير إلى احتمال براءته
قضيّة عدنان سيد ظلت حديثًا عامًا عبر الولايات المتحدة وخارجها منذ العام 2014، بعد صدور سلسلة بودكاست استقصائية تناولت القضية المرفوعة ضدّه وأثارت الشكوك حول صحّة الحكم الذي صدر في حقّه عام 2000.
وقد خاض عدنان معركة قانونية طويلة ومضنية من أجل نيل الحريّة وتبرئة اسمه من جريمة التصقت به ويصرّ على أنه لم يرتكبها. وبعد فتح ملف القضية وإعادة النظر في أدلة الإدانة، طالب مكتب الادعاء العام في الولاية القضاء بإسقاط الحكم على عدنان ونقضه، بعد إجراء تحقيقات جديدة، أثبتت أوجه الخلل في مجريات المحاكمة الأصلية، والتي تناولها برنامج البودكاست الذي أثار الشكوك حول نزاهة الحكم.
نستعرض فيما يلي القصّة الكاملة لقضية عدنان سيد، بالاستفادة من المعلومات المتوفرة من برنامج البودكاست "Serial" والتغطيات الصحفية العديدة التي تتبّع الخط الزمني للقصّة منذ بدايتها، وملابسات الجريمة والمرافعات القضائية المنتهية بالإدانة، ووصولًا إلى الفصل القضائي الأخير وصدور قرار إخلاء السراح بانتظار محاكمة جديدة، قد تنتهي بإعلان البراءة.
مقتل هاي مين لي (1999)
قُتلت الطالبة هاي مين لي، ابنة مدينة بالتيمور، البالغة من العمر 18 عامًا، وقد تبين أنها ماتت خنقًا، بعد تشريح جثتها التي تم العثور عليها بعد شهر تقريبًا من اختفائها. وقد أشارت التحقيقات الأولية بأصابع الاتهام إلى عدنان سيد، وهو أمريكي مسلم من أصول باكستانية، كان على علاقة عاطفية مع الفتاة. تم القبض على عدنان، ومثل أمام المحكمة، إلا أنه نفى ارتكاب الجريمة، وتبرأ منها.
إدانة عدنان بالقتل (2000)
بالاعتماد بشكل أساسي على شهادة أحد معارف عدنان ضدّه، الذي ادّعى أنه ساعده في دفن جثة مين لي، وبعد تتبع لبيانات من أحد أبراج الاتصالات التي دلت على أن عدنان كان بالقرب من الحديقة حيث دفنت الفتاة في ذلك العام، توصلت هيئة المحلفين إلى أن عدنان، الذي كان بعمر 17 عامًا وقت وقوع الجريمة، مذنب ويستحق الإدانة بالاتهامات الموجهة إليه، وهي القتل العمد والسرقة والاختطاف. وقد صدر حكم المحكمة عليه بالسجن المؤبّد.
بودكاست، سيريال، (2014)
البودكاست "المنجي"، كما يعرف في الصحافة الأمريكية. فبعد أربعة عشر عامًا من سجن عدنان، فتح بودكاست "Serial" ملفات القضيّة من جديد، وبدأ بمراجعة الأدلة التي اعتمد عليها الادعاء العام لإدانة عدنان، وسلط الضوء على العديد من الثغرات في الحقائق المفترضة حول القضية. إلا أن الثغرة التي قوّضت الثقة في الحكم ضدّ عدنان، ارتبطت بتغييب متعمّد لحجّة غياب تدلّ وعلى نحو قاطع بأن عدنان لم يكن موجودًا في مسرح الجريمة وقت حدوثها. هذه الحُجّة التي من كان شأنها تبرئة المتهم، كانت مدعّمة بشهادة سيّدة قالت إنها كانت برفقة عدنان في المكتبة في الوقت المفترض للجريمة، وأعلنت لمحاميته حينها أنها على استعداد للإدلاء بشهادتها، إلا أنه ولسبب غير مفهوم، لم تتصل المحامية بها، وتركت موكّلها ليواجه حكم السجن مدى الحياة.
كما راجعت سلسلة البودكاست، التي عرضت في 12 حلقة أسبوعية، الأدلة المتعلقة ببيانات أبراج الاتصالات ومدى دقتها، كما وكشفت أن الأدلة العينية التي تم جمعها في عام 1999، واستخدمت للتدليل على آثار عدنان في موقع الجريمة، لم تخضع لفحص الحمض النووي، وهو ما ينزع عنها دلالتها القطعية من الناحية القانونية على ارتباطه بالجريمة.
هذا البرنامج، الذي استحوذت نيويورك تايمز عام 2020 على الشركة المنتجة له، قد حظي بأكثر من 100 مليون عملية تنزيل في العام الأول من صدوره، وظل حديث جمهور واسع من الناس داخل الولايات المتحدة وخارجها، وفاز بالعديد من الجوائز الصحفية المرموقة.
جلسة استماع جديدة في القضية (2015)
في شباط/فبراير 2015، منح عدنان حق طلب الاستئناف في الحكم القديم الصادر ضدّه، وبعدها ببضعة أشهر وافق القاضي على عقد جلسة سماع أمام المحكمة للنظر في الأدلة الجديدة المتوفرة، وإتاحة الفرصة لعرض الأدلة ومناقشتها، في ضوء الجدل الواسع بشأن عدالة الحكم وصحة الإجراءات القانونية المتبعة، والاهتمام الإعلامي والشعبي الواسع بالمسألة.
محاكمة جديدة لمراجعة الأدلة (2016)
حظي عدنان بفريق جديدٍ من محامي الدفاع، والذين أوضحوا للقاضي بأن عدنان كان ضحية إهمال متعمد لدليل تبرئة في غاية الأهمية، والمتمثل بحجّة الغياب المدعومة بشهادة أحد الأشخاص. كما أثار الدفاع مسألة إهمال محامية الدفاع الأصلية في النظر في موثوقية بيانات أبراج الاتصالات، وعدم طلب التحقق من الأدلة وفحوص الـDNA من أجل التثبت من ربطها بالمتهم. وبالنظر إلى ذلك كلّه، وافق قاض في ولاية مريلاند الأمريكية على عقد محاكمة جديدة، وهو الأمر الذي أثار في الوقت ذاته ألمًا لدى أسرة الضحيّة، التي لطالما ظنّت بأن العدالة قد تحققت ولو جزئيًا لابنتهم الراحلة.
طالب المحامون في ذلك العام بالإفراج عن عدنان بكفالة، إلا أن الطلب قوبل بالرفض.
استئناف جديد في القضية (2018)
أيدت محكمة الاستئناف الخاصة في ولاية مريلاند قرار منح عدنان محاكمة جديدة وأسقطت إدانته، بعد الحكم لصالحه بأنه لم يتلق تمثيلًا قانونيًا مناسبًا. رغم ذلك، لم يتم إطلاق سراحه، وظل محبوسًا بانتظار حكم بإخلاء سبيله حتى ينال محاكمة جديدة.
تحوّل صادم وتثبيت جديد للإدانة (2019)
في العام 2019، نقضت محكمة الاستئناف العليا في الولاية القرار الصادر عام 2018 بشأن إسقاط الإدانة عن عدنان، وتوصلت هيئة المحكمة بالإجماع إلى أنه وعلى الرغم من عدم كفاءة محامي الدفاع في القضية الأصلية، إلا أنه لم يكن هنالك تحيّز في الحكم ضد عدنان. وبموجب هذا القرار، حرم عدنان من محاكمة جديدة، وصار مجددًا بحكم المدان.
في تشرين الثاني/نوفمبر من العام ذاته، رفضت المحكمة العليا للولايات المتحدة النظر في قضيته.
في أثناء ذلك، كشف فيلم وثائقي عرض على شبكة HBO، أن اختبارات الحمض النووي التي أجريت على الأدلة العينية بطلب من المحامي الجديد لعدنان، لم تعثر على أي أثر لحمضه النووي على جثة الضحية أو ممتلكاتها.
عام البراءة (2022)
في آذار/مارس الماضي، وافق الادعاء العام على إجراء اختبار جديد للحمض النووي، نظرًا للتقدم التقني في مجال التنميط الجيني. كما سمح قانون جديد في ولاية مريلاند بسلطة عدليّة تقديرية، تتيح تعديل الأحكام الصادرة على الجناة الذين قلّت أعمارهم عن 18 عامًا وقت ارتكاب جرائمهم، وأمضوا 20 عامًا على الأقل في السجن.
في 14 أيلول/سبتمبر، طلب الادعاء العام من القاضي إسقاط الإدانة عن عدنان، مشيرين إلى أن التحقيق كشف عن احتمال وجود "مشتبه بهم آخرين" في الجريمة، وهو عنصر في التحقيق يظهر أنه لم يتم عرضه لمحامي الدفاع، كما قدم الادعاء رأيه إلى القضاء بضرورة إعادة النظر في أدلة أساسية تم تقديمها في المحاكمة التي أدّت إلى إدانة المتهم.
وطالب الادعاء العام بمنح عدنان حقه في محاكمة جديدة، وإطلاق سراحه. وفي يوم الإثنين، 19 أيلول/سبتمبر، 2022، أطلق سراح عدنان سيد، بعد 23 عامًا وراء القضبان، وبعد أن تجاوز عمره 41 عامًا.
أطلق سراح عدنان سيد ، بعد 23 عامًا وراء القضبان. يبلغ عمره الآن 41 عامًا.
يذكر أن حلقات البودكاست التي تناولت قضيّة سيد، قد أثارت تساؤلات حول إمكانية أن يكون للتحيز العرقي والديني دور في التساهل في إدانته، وذلك عبر النظر في مراحل مبكرة من المحاكمة، سواء في طريقة اختيار هيئة المحلفين، والتي اعترف شخص قد طلب منه المشاركة فيها بأنه لا يمكنه كتم تحيّزه ضد المتهم لأنه مسلم، إضافة إلى إشارة ممثل الادعاء العام غير مرّة إلى عدنان بأنه "باكستاني"، لإقناع المحكمة برفض إخلاء سراحه بكفالة خلال فترة المحاكمة، واستخدام تصويرات تنميطية من قبل الادعاء بشأن معدلات الجريمة والعنف ضد المرأة بين الأمريكيين من أصول باكستانية.