أقر مجلس النواب الأردني يوم الإثنين 25 نيسان/أبريل تعديلات على مشروع قانون معدّل لقانون العقوبات، تضمنت الموافقة على عقوبة الحبس لمدة لا تتجاوز ستة أشهر، وغرامة لا تزيد عن 100 دينار أردني (140 دولار أمريكي)، أو بإحدى هاتين العقوبتين، على كل من يحاول الانتحار، على أن تضاعف العقوبة إذا كانت محاولة الانتحار قد تمّت بالاتفاق مع أكثر من شخص.
القانون الجديد يستهدف الحدّ من محاولات الانتحار في الأماكن العامة والتي تزايدت وتيرتها مؤخرًا في الأردن
القانون الجديد يستهدف الحدّ من محاولات الانتحار في الأماكن العامة والتي تزايدت وتيرتها مؤخرًا في الأردن. فبحسب الأرقام التي نشرتها إدارة المعلومات الجنائية في تقريرها الأخير عام 2021 فإن هنالك زيادة تقدر بـ 45.69% في جرائم الانتحار المسجلة، إذ قفزت من 116 حالة عام 2019 إلى 169 حالة عام 2020، وذلك بعد أن كانت قد انخفضت عام 2019 بنسبة 18.31% مقارنة بالعام الأسبق.
وقد أثار هذا التعديل على قانون العقوبات تفاعلًا واسعًا بين الأردنيين، ولاسيما المختصين بالطب النفسي والاستشارات النفسية، والعديد من الشخصيات العامة والمؤثرين، والذي انتقدوا القرار ورأوا فيه قصورًا في فهم المعضلة وراء عمليات الانتحار وتزايدها.
فالاضطرابات النفسية تتزايد بين الأردنيين، إذ تقدّر جمعية الأطباء النفسيين الأردنيين أن تصل النسبة إلى 10 بالمئة من السكّان وفق بعض الحسابات التقريبية، في ظل ضعف المعلومات الإحصائية الرسميّة المتعلقة بهذه المسألة، وما يرتبط بها من وصمة اجتماعية ما تزال تمنع كثيرين من مراجعة المختصين، بالإضافة إلى ضعف خدمات الصحة النفسية العامّة في الأردن. وقد وجد كثيرون أن القرار الأخير لن يسهم في حلّ هذه المعضلة بل قد يضاعف من آثارها.
للمزيد حول ظاهرة الانتحار في الأردن:
الناجون من الانتحار في الأردن... ما الذي يحدث بعد أن تكتب لهم الحياة؟
الأردن.. انتحار لاجئ سوري يعيد النقاش حول مآسي اللجوء إلى الواجهة
وقد تفاعل العديد من الأردنيين مع إقرار مجلس النواب الأردني لقانون يعاقب من يحاول الانتحار في الأماكن العامة، واعتبروه مخالفًا للمنطق النفسي والاجتماعي، وأنّه قد أقر بدون استشارة المختصين النفسيين واستمزاج آرائهم بشأن السبل الأفضل لمواجهة ظاهرة الانتحار بين الأردنيين.
الطبيب النفسي محمد الصالحي قال عبر حسابه على فيسبوك متسائلًا: "ماذا يعرف المشرّع عن الانتحار؟"، بعد أن وصف القانون الجديد بأنه "الأكثر تخلفًا على الإطلاق"، وأنّه لا يأخذ بالاعتبار رأي المختصين في المجال لبحث السبل الأفضل لمواجهة ظاهرة خطيرة كظاهرة الانتحار المتزايدة بين الأردنيين والأردنيات، وخاصة من فئة الشباب.
أما الطبيب النفسي الأردني محمد أبو صليح، والناشط في مجال الصحة النفسية العامّة في الأردن، فعبّر عن استيائه من قرار مجلس النواب إقرار قانون يفرض عقوبة على محاولي الانتحار، كما انتقد ترحيب البعض بالقرار على خلفيّة دينية باعتبار أن الانتحار محرّم وفق بعض الآراء الفقهية، مؤكدًا على أن الانتحار ليس قرارًا يتخذه الشخص، وإنما عرض خطير على وجود مرض نفسيّ يحتاج إلى الرعاية والعلاج. وأوضح الدكتور صليح بأن الانتحار "ليس قرارًا، بل يحصل عندما يفوق الألم إمكانية المعاني والتعبير والقدرة على تحمّل الألم". كما أشار في تعليقات أخرى إلى طرق أكثر جدوى في التصدي لظاهرة الانتحار وعدوى انتشارها بين الناس، مؤكدًا على أنّه لا يرى أي "حكمة قانونية" في معاقبة من يحاولون الانتحار.
الانتحار ليس قرار بل يحصل عندما يفوق الألم إمكانية المعاني و التعبير و القدرة من تحمل الالم. الانتحار من أعراض المرض...
Posted by Mohammad Abu Slaih on Monday, April 25, 2022
من جهة أخرى، قال المهندس ورجل الأعمال الأردني موسى الساكت، إن أي قرار وتشريع يجب أن يستند إلى حكمة ودراسة، مشيرًا إلى أن الإنسان الذي يبلغ مرحلة محاولة الانتحار يحتاج إلى رعاية نفسية، وليس إلى غرامة وسجن.
مرة اخرى .. اي قرار يجب ان يَستند الى حِكمة ودراسة. الذي يصل الى حالة الانتحار هو بحاجة الى رعاية نفسية وليس الى غرامة وسجن!
— Musa Al Saket | موسى الساكت (@MusaSaket) April 25, 2022
الكاتبة الأردنية علا عليوات فقد فسّرت هذا القانون بأنه محاولة لضبط أي محاولة فرديّة في المجال العام للتعبير عن الظلم الاجتماعي عبر محاولة الانتحار، والتأكّد من وجود الآلية لقمعه وردعه، مشيرة إلى أنّ القانون لا يترك مجالًا للمواطن إلا أن يحرص على أن يكون انتحاره جادًا، أو أن يموت كمدًا.
وهنا يظهر حسن نية الدولة، بدهم يحفظوا للانتحار هيبته ويتأكدوا ألا يقدم عليه إلا الجادين فقط، أما من يهدد بالانتحار كوسيلة للاحتجاج على الظلم الاجتماعي فلا بد من المساواة بينه وبين بقية المواطنين بقمعه وردعه عن الاحتجاج، فإما أن يموت كمدا أو أو يقدم على الانتحار بجدية والتزام
— علا عليوات (@Ola_Eliwat) April 25, 2022
من جهته عبّر محمد الهندي عن معارضته للقانون الذي يعاقب من يحاول الانتحار، مطالبًا بتوفير برامج وطنية للتأهيل النفسي لمن هم بحاجة إليه، يحفظ خصوصية وكرامة المرضى، ويقيهم من الوصول إلى مرحلة محاولة الانتحار.
قرار حبس من يحاول الانتحار شو الهدف منه؟
يعني يتم انقاذه من الانتحار ويُحبس؟
يعني بمعنى آخر سيحرص على أن ينتحر ويموت حتى لا يتعرض للحبس؟
أعارض هذا القرار وأطلب استبداله بتحول من يحاول الانتحار الى برنامج وطني للتأهيل النفسي بشكل سري يحفظ خصوصيته وكرامته..
— Ammar Hendi | عمّار الـهندي (@AmmarHendi) April 25, 2022
الكاتب الصحفي والناشط أحمد حسن الزعبي وصف ما جرى تحت قبة البرلمان الأردني بأنه "مجزرة قوانين".
مجلس النواب المتخلف...يفتعل مجزرة من القوانين هذا اليوم#الأردن_مش_بخير pic.twitter.com/x6WV7w0Lxz
— احمد حسن الزعبي (@alzoubi_ahmed) April 25, 2022
وقد لاقى القرار انتقادات عامّة أخرى بين الأردنيين على وسائل التواصل الاجتماعي. المعلق هيثم الخصاونة قال: "أليس الأصح هو معالجة دوافع الانتحار ثم إن من يفكر في الانتحار اليس من الممكن ان ينتحر داخل السجن، وهل سيكون لديه فارق اذا انسجن مرة مرتين او اكثر".
استغرب مقترح مجلس النواب الاردني بتعديل قانون العقوبات لسجن من يحاول الانتحار شهرين او ثلاثة، هل السجن سيثنيه عن تكرار المحاولة، أليس الأصح هو معالجة دوافع الانتحار ثم إن من يفكر في الانتحار اليس من الممكن ان ينتحر داخل السجن، وهل سيكون لديه فارق اذا انسجن مرة مرتين او اكثر
— Haitham Ahmad Khasawneh # Jordan (@hoell60) April 25, 2022
كما انتشرت تعليقات ساخرة على القانون. المغرّد الأردني محمود العايد قال إن الحكومة تقول للمواطنين "ادفع الغرامة وانتحر"، مؤكدًا على أن القرار لا يعطي أي اعتبار لمصلحة الناس، ولا تتعامل إلا بعقليّة أمنيّة مع المشاكل الاجتماعية.
الحكومة بتقول للشعب .. قبل ما تفكر في الانتحار .. ادفع الغرامة وتوكل على الله انتحر. pic.twitter.com/Bda5k3Iz83
— محمود العايد (@alayed90) April 25, 2022
أما خليل الهروط فقال إنّ الحكومة تحذّر من محاولة الانتحار، وتشجّع على الانتحار الفعلي عبر إقرار هذا القانون.
اذا انتحرت والله لأسجنك وازيد دينك دين وهمومك هموم واخليك تتمنى الموت 🙃
اذا اقدمت على الانتحار نفذ وإلا ستسجن #شعار_المرحلة_الحكومية— خليل الهروط (@7all64) April 25, 2022
في حين أكّد معلق آخر على أنّ الهدف وراء القانون هو إحكام سيطرة السلطة على المجال العام ومنع أي محاولات للتعبير عن الغضب أو الإحباط من الأوضاع الاقتصادية والحقوقية العامة في الأردنّ عبر محاولة الانتحار في الأماكن العامة.
و يستمر مسلسل القمع و ازدراء للمواطن الأردني بسن تشريع يعاقب من يهدد بالانتحار .
المستهدف هو من فقد كافة السبل لإيصال مظلمته و غُلقت في وجهه الأبواب فمن اقدم على الانتحار سينتحر بصمت و دون تجمهر اما من يريد التلويح لغاية هو المستهدف .#الأردن_مش_بخير #الحرية_للمعتقلين— Yazan Assrhany (@YazanAlsrhany) April 26, 2022