مع التطوّر التكنولوجي السريع الذي يشهده العالم، ظهرت تقنية جديدة تُسمّى التزييف العميق (Deep Fake)، ويتم استخدام هذه التقنية في نشر مقاطع فيديو أو صور أو حتى مقاطع صوتية وكتابية، لأهدافٍ متعددة ومتنوعة.
تستعرض هذه المقالة نبذة تعريفية بالتزييف العميق، والتطبيقات الإيجابية والسلبية لهذه التقنية، وتستعرض مثالًا على برنامج للتزيف العميق.
التزييف العميق
تُعتبر تقنية التزييف العميق إحدى أشكال الذكاء الاصطناعي، حيث تعتمد هذه التقنية الحديثة نسبيًا على استخدام خوارزميات التعلّم العميق، التي يتم إعطائها كمية كبيرة من البيانات الصورية والصوتية والنصية، وتقوم الخوارزميات باستخدام هذه البيانات لتعليم نفسها على إنتاج وسائط مزيفة تشبه الحقيقية إلى حدٍ كبير.
وهناك عدة طُرق لإنتاج وسائط التزييف العميق، لكنّ أكثر الطرق شيوعًا في تزييف مقاطع الفيديو خصوصًا طريقة تُعرف باسم شبكة الخصومة التوليدية، والتي تُعتبر أساس التعلّم العميق أو التعلّم الآلي الذي تعتمد عليه تقنية التزييف العميق. وتعتني شبكة الخصومة التوليدية بإنتاج مقاطع أكثر دقة وأقرب إلى الحقيقية، حيث تتنافس شبكتين عصبيتين على الخروج بأفضل نتيجة ممكنة.
مجالات التزييف العميق
تتعدّد أهداف استخدام تقنية التزييف العميق، وبالتالي تتعدّد المجالات التي يُمكن إنتاجها بالاعتماد على هذه التقنية، القائمة أدناه توضّح أشهر المجالات التي يتم استخدام التزييف العميق فيها:
- تبديل الوجوه: وفيها يتم استبدال وجه الشخص الموجود في المقطع الأصلي (المصدر) بوجه آخر (الهدف).
- تحريك الشفاه: يمكن تنسيق حركة شفاه شخص ما مع حديثٍ أو صوتٍ ليس له، بحيث يظهر كأنّه هو الذي يتحدث.
- تحريك الوجه: في هذا النوع يتم التلاعب بتعابير وجه شخص حقيقي ما، مثل حركة الشفاه والحواجب والعينين.
- استنساخ الصوت: ويتم فيه استنساخ صوت شخص ما واستخدامه في قول أشياء لم يقلها الشخص الذي تم استنساخ صوته.
- خلق شخصية جديدة: ويتم فيها إنتاج شخصية غير موجودة على أرض الواقع، سواء كصورة أو كفيديو، وذلك باستخدام مجموعة هائلة من مُختلف أنواع البيانات.
أمثلة على التزييف العميق
يتم استخدام التزييف العميق للوصول لأهداف مختلفة، منها ما هو متعلق بقضايا عامّة كالأحداث السياسية على سبيل المثال، ومنها ما هو شخصي أيضًا كتشويه سُمعة شخص ما. تاليًا أبرز استخدامات التزييف العميق حول العالم في السنوات الأخيرة:
- مُتحف دالي: قام مُتحف دالي الأمريكي باستخدام تقنية التزييف العميق في استحضار الرسّام سلفادور دالي الذي كان قد تُوفي عام 1989، وكان باستطاعة زوّار المُتحف التقاط الصور معه، حيث كان يلتقط الصور الشخصية (سيلفي) مع الزوار بنفسه.
- الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي: مع بداية الحرب الروسية الأوكرانية، انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يُعلن فيه الاستسلام، ولم يكُن الفيديو حقيقيًا بل تم إنتاجه باستخدام تقنية التزييف العميق.
- الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: ضمن الصراع الروسي الأوكراني متعدد الأشكال، تم استخدام تقنية التزييف العميق في إنتاج فيديو للرئيس الروسي يُعلن فيه وقف الحرب والسلام أوكرانيا.
- توم كروز: تم نشر ثلاثة مقاطع فيديو للمثل المشهور توم كروز على أحد حسابات تطبيق تيك توك وظهر توم كروز وهو يلعب الغولف ويقوم بخدعة سحرية، كما ظهر وهو يسقط على الأرض. وعلى الرغم من أنّ المقاطع الثلاثة مزيّفة، إلّا أنّها لاقت تفاعلًا كبيرًا بسبب قربها من الحقيقة وصعوبة تمييز التزييف فيها.
التطبيقات الإيجابية لتقنية التزييف العميق
يتم استخدام تقنية التزييف العميق في عدد كبير من المجالات في الوقت الراهن، كما أنّ الاعتماد على هذه التقنية يزداد ويدخل مجالات جديدة مع مرور الوقت، وذلك بسبب التطور التكنولوجي المُستمر، خصوصًا في مجالات الذكاء الاصطناعي.
القائمة التالية تعرض بعض المجالات التي يُمكن أن يُستخدم فيها تقنية التزييف العميق لتحسين النتائج:
- التعليم: يستطيع المعلمون الاستفادة من تقنية التزييف العميق في تقديم دروس جذابة وتفاعلية للطلاب، على سبيل المثال يُمكن استحضار شخصية تاريخية إلى الغرفة الصفية، الذي من شأنه زيادة تركيز الطلاب وتفاعلهم مع العملية التدريسية.
- صناعة الترفيه: يدخل الذكاء الاصطناعي بشكل عام والتزييف العميق بشكل خاص في صناعة الكثير من ألعاب الفيديو، حيث تُساعد تقنية التزييف العميق على خلق شخصيات أقرب إلى اللاعبين الحقيقيين.
- خدمة العملاء: تسعى الكثير من الشركات إلى خلق مُساعد افتراضي لتقديم الخدمات لعملائها، ويمكن إنشاء هذا المساعد من خلال التزييف العميق باستخدام الصور والمقاطع الصوتية.
- الكتب الصوتية: يمكن استخدام التزييف العميق في تسجيل الكتب بصوت مؤلفيها، ويتم ذلك عن طريق استخدام البصمة الصوتية للكاتب لقراءة الكتاب وتسجيله.
- إعادة تمثيل الجرائم: استخدم مجموعة من المحققين الذكاء الاصطناعي والتزييف العميق في إعادة تمثيل الجريمة ومسرحها، واعتمدوا في ذلك على مجموعة من لقطات كاميرات المراقبة والتقارير الأمنية والطبية.
- تحسين جودة الصور: يمكن أن تساعد تقنية التزييف العميق في تحسين دقّة الصور وجودتها.
الاستخدامات السلبية لتقنية التزييف العميق
كغيرها من التقنيات التكنولوجية، انتشرت في السنوات الأخيرة العديد من الاستخدامات غير الأخلاقية لتقنية التزييف العميق، كما أنّ الآثار السلبية لهذه التقنية تزداد مع تطورها المُستمر، حيث يُصبح اكتشافها أصعب. ومن الأمثلة على الاستخدامات السلبية والمُضرّة لتقنية التزييف العميق:
- تأجيج التوترات السياسية: يمكن استخدام التزييف العميق في خداع الجمهور وإحداث توترات سياسية أو اقتصادية أو تأجيجها، مثلما ذكر المقال في بدايته حول استخدام التزييف العميق في الحرب الروسية الأوكرانية.
- الاحتيال: أصبح استخدام التزييف العميق في الاحتيال على الشركات أو المؤسسات أو الأفراد شائعًا في السنوات الأخيرة، حيث يتم استخدام هذه التقنية في إقناع الضحية بأنّ المُحتال شخص حقيقي ويعمل على مساعدة الشخص المُستهدف.
- تشويه السُمعة: يمكن أن يُستخدم التزييف العميق في تشويه سُمعة الأفراد أو المؤسسات، وذلك بإنتاج صور وفيديوهات ومقاطع صوتية مفبركة.
- نشر الأخبار الكاذبة والمُضللة: على الرغم من أنّ نشر الأخبار الكاذبة والمُضللة وسيلة مستخدمة على مر التاريخ لإحداث البلبلة بين الجماهير أو ترهيبهم أو لأهداف أخرى، إلّا أن تقنية التزييف العميق أحدثت نقلة نوعية في نشر الأخبار غير الحقيقية، مثل إنتاج مقاطع فيديو يظهر فيها أشخاص حقيقيون، لكنّ محتوى المقطع غير حقيقي.
برنامج التزييف العميق
هناك عدد كبير من الخيارات لاستخدام برنامج التزييف العميق، ولكل من هذه الخيارات ميّزاتها وسلبيتها المختلفة. تستعرض هذه الفقرة برنامج التزييف العميق Deepfakes، وتشرح طريقة استخدامه. تاليًا أهم ما يميّز هذا البرنامج عن برامج التزييف العميق الأخرى:
- برنامج سحابي: يمكن استخدام هذا البرنامج دون الحاجة إلى تحميله، حيث أنّه يعمل باستخدام الحوسبة السحابية، كل ما على المُستخدم فعله هو رفع مقاطع الفيديو والصور والمقاطع الصوتية على الموقع الخاص بالبرنامج.
- الخصوصية والأمان: بحسب ما كُتب على موقع البرنامج، فإنّه لا يقوم بمشاركة الصور ومقاطع الفيديو والصوت وأي بيانات أخرى مع جهات ثالثة، ولا يقومون بنشرها بأي حال من الأحوال.
- إعادة الاستخدام: يُتيح برنامج التزييف العميق Deepfakes للمُستخدم إعادة استخدام النموذج الذي صنعه، ويساعد إعادة استخدام النموذج في الحصول على نتائج أفضل من الاستخدام الأول.
- التكلفة المنخفضة: يُقدّم البرنامج للمستخدمين إمكانيات إنشاء وإنتاج مواد التزييف العميق بتكلفة منخفضة نسبيًا.
كما يعمل برنامج التزييف العميق Deepfakes على الحد من استخدام المواد التي يتم إنتاجها من خلاله بشكل سلبي وضار من خلال:
- العلامات المائية: يضع البرنامج علامة مائية واضحة على كل ما يتم إنتاجه تًشير إلى أنّ الفيديو أو الصورة تم إنتاجهم باستخدام التزييف العميق.
- إنتاج مقاطع غير محترفة: على الرغم من التطور الهائل الذي وصلت إليه تقنية التزييف العميق، والتي تجعل من الصعب اكتشافها، إلّا أنّ البرنامج يترك بعض الآثار في المقاطع المُنتجة من خلاله، وذلك حتى يسهل تمييزها على أنّها مزيفة.
تطبيق التزييف العميق
يمكن لأي شخص تحميل تطبيق التزييف العميق المتوفّر بعدّة أشكال ومميزات وما إلى ذلك، وهذا يجعل من الصعب الحد من الاستخدامات السلبية لتطبيقات التزييف العميق. فعلى سبيل المثال، قام أحد المستخدمين على موقع Reddit بنشر مجموعة من الصور الإباحية لعدد من المشاهير والشخصيات العامة أنتجها باستخدام تطبيق التزييف العميق، مما أضر بسمعتهم أمام الجمهور. ومن الجدير بالذكر، شكّلت المواد الإباحية حوالي 96% من مقاطع الفيديو التي استُخدم فيها التزييف العميق ونُشرت على شبكة الإنترنت عام 2019، بحسب مؤسسة "ديب تريس" للأمن الإلكتروني.