انخرطت أوكرانيا مبكّرًا في مسار الحرب الأهلية في السودان، ويذهب بعض المحللين إلى القول إنّ الساحة السودانية تمثل ساحة قتالٍ أخرى بين موسكو وكييف. فعلى الرغم من أن أوكرانيا ليست قوةً دولية حتى تكون معنيةً بتغذية الحروب خارج نطاقها الجيو سياسي، إلا أنّها وجدت في الحرب السودانية فرصةً لتحقيق بعض أهدافها الاستراتيجية على حساب روسيا، فألقت بثقلها لدعم الجيش السوداني نظرًا لوجود قوات فاغنر التي تحارب بالوكالة عن القوات الروسية النظامية إلى جانب قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو الملقب بـ"حميدتي"، ونظرًا أيضًا لوجود مصالح استراتيجية لروسيا في السودان، ولا سيما تلك المتعلقة بالذهب.
لم يستغرق الانخراط الأوكراني في مسار الحرب السودانية إلا 4 أشهر، ففي أيلول/سبتمبر 2023 أظهر مقطع حصلت عليه وكالة "سي إن إن" استهداف مسيّراتٍ انتحارية أوكرانية تجمعًا من مليشيات فاغنر الروسية التي كانت تقاتل إلى جانب قوات الدعم السريع.
وفي آذار/مارس من العام 2024، طالعتنا صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية بخبرٍ أكدت فيه أنّ رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، طلب مساعدة الرئيس الأوكراني، فلوديمير زيلنسكي، بعدما وجد نفسه محاصرًا في العاصمة الخرطوم من طرف قوات الدعم السريع.
انخرطت أوكرانيا في حرب السودان باكرًا بهدف ضرب مصالح روسيا التي تدعم قوات الدعم السريع المسيطرة على مناجم الذهب في البلاد
وبالفعل، أرسلت كييف إلى السودان كتيبةً من القوات الخاصة الأوكرانية تتكون من حوالي 100 جندي: "تمثلت مهمتهم الأولى في المساعدة على إخراج البرهان من الخرطوم نحو بورتسودان" حسب الصحيفة الأميركية.
وتنقل "وول ستريت جورنال" عن ضابط في الاستخبارات الأوكرانية قوله إن: "الجنود الأوكرانيون كانوا يعملون تحت غطاء من السرية والكتمان، وإنّ وحدته كانت تبدأ عملياتها منذ الثامنة مساءً وحتى مطلع الفجر، وذلك تجنبًا لكشف هويتهم نهارًا، الأمر الذي أتاح تنفيذ غارات مباغتة على قوات الدعم السريع التي اعتادت النوم في العراء على طول خط المواجهة"، وفق تعبير الصحيفة الأميركية نقلًا عن ضابط الاستخبارات الأوكراني.
ولم يقتصر الدعم الأوكراني على المساعدة الميدانية على الأرض، بل شمل تزويد الجيش السوداني بطائرات انتحارية مسيرة، وتقديم التدريبات العسكرية اللازمة لعناصر القوات المسلحة السودانية وخاصة سلاح الطيران، وهو ما أضاف ميزةً تكتيكية في الحرب لصالح القوات المسلحة السودانية بقيادة البرهان.
ويزعم بعض المتابعين أنّ المسيرات التي حصل عليها الجيش من أوكرانيا وغيرها من الدول، لا سيما تركيا وإيران، أسهمت في تحول ميزان القوى في الحرب لصالح الجيش، إذ استعاد الجيش بعدها الكثير من المناطق، واحتفل في آذار/مارس من العام الجاري: "بانتصاره في معركة استعادة مقر الإذاعة والتلفزيون في مدينة أم درمان". وكانت المسيّرة الأوكرانية من طرارز "إف بي في" (FPV) بطل هذه المعركة وغيرها من المواجهات المندلعة منذ ذلك الحين، وهي طائرات بدون طيار انتحارية صغيرة محلية الصنع شوهدت لأول مرة إبان الحرب الراهنة بين كييف وموسكو.
وبحسب الرواية الأوكرانية، المبثوثة في تقرير "وول ستريت جورنال"، نفذت المسيرات الانتحارية الأوكرانية من نوع "إف بي في" هجماتٍ استهدفت شاحنات صغيرة بعضها يحمل مقاتلين من الدعم السريع، بإدارةٍ من وحدة الاستخبارات العسكرية الأوكرانية التي دربت في الأثناء وحدات من الجيش السوداني على استخدام هذا النوع من المسيّرات.
ذهب السودان
بدأ الحضور الروسي مبكرًا في السودان، وكانت عين روسيا على مناجم الذهب للتخفيف من وطأة العقوبات الغربية على اقتصادها. ووفقًا لتحقيقٍ استقصائي أنجزته "سي إن إن" فقد سطت روسيا، من خلال قوات فاغنر التي عملت تحت غطاء شركة روسية سودانية تحمل اسم "ميروري غولد"، على أطنان من ذهب السودان، وقدرت الوكالة الأميركية قيمة الذهب المنهوب حينها بمليارات الدولارات.
وبمجرد اندلاع الحرب، ونظرًا لسيطرة قوات الدعم السريع على مناجم الذهب، انحازت قوات فاغنر الروسية إلى قوات الدعم السريع. ونظرًا لأهمية هذا الشريان الاقتصادي بالنسبة لموسكو، وضعت كييف نصب عينيها: "تعطيل أنشطة مجموعة فاغنر ومنع موسكو الاستفادة من الذهب السوداني وإحباط الجهود الحربية الروسية في أوكرانيا عبر تشتيتها في مسارح قتال متعددة".