الأردن (المملكة الأردنية الهاشمية) دولة عربية في قارة آسيا، يحدها 3 جراح نازفة: من الشمال سوريا وفي الشرق العراق وعلى يسارها فلسطين المحتلة؛ الضفة الغربية لنهر الأردن الذي سميت الأردن باسمه، وفي الجنوب المملكة العربية السعودية أرض الحرمين. وتطل على البحر الأحمر من خليج العقبة. وهي تاريخيًا وجغرافيًا جزء من منطقة الهلال الخصيب، تأسست الدولة الحديثة في 1920 كإمارة شرق الأردن، ثم كمملكة عام 1964، عملتها الدينار الأردني ونظام حكمها ملكي وراثي.
تزخر الأردن بالعديد من الآثار التي تحكي قصة تاريخها العريق ومرور الحضارات فيها ونزاعاتها للسيطرة عليها. فما هي الحضارات التي قامت في الأردن؟ ومنذ متى بدأت فصول الحياة فيها تُسجل في كتاب التاريخ.
الحضارات التي قامت على أرض الأردن
منذ فجر التاريخ استوطن البشر منطقة الهلال الخصيب التي من ضمنها الأردن، وتشير الآثار إلى استيطان البشر في منطقة الأزرق ورغم عدم عثور علماء الآثار على أي هيكل بشري يعود إلى العصور الحجرية إلا أن بعض الأدوات التي تدل على وجود سكان وحضارة ما وجدت في مناطق مختلفة من الأردن ومن هذه الآدوات (الفؤوس المصنوعة من الصوان والسكاكين وبعض أدوات الكشط) هذه الآثار تشير إلى أن المنطقة كانت مأهولة خلال العصر الحجري القديم والحديث والعصر النحاسي. ولم تكن طبيعة المنطقة صحراوية كما هي عليه الآن، بل كانت أكثر رطوبة ومليئة بالغابات والسهول الخصبة، فاعتاش البشر آنذاك على الصيد وجمع الثمار. وخلال الفترة الممتدة بين (8500-4500) عام قبل الميلاد كان الناس قد استقروا في قرى صغيرة وتجمعات، مع بدأ نشاط زراعة بعض الحبوب والرعي، ولاحقًا بدأت صناعة الأدوات الفخارية. هذا الاستقرار انعكس إيجابًا بطبيعة الحال على زيادة أعداد السكان وتكاثرهم المطرد.
-
العصر النحاسي
سمي العصر النحاسي بهذا الاسم لأنه في الفترة الممتدة بين (4500-3200 ق.م) صُهر النحاس لأول مرة واستخدم في صنع العديد من الأدوات كالفؤوس والخطافات ورؤوس السهام، وتحسنت خبرة البشر في الزراعة وتنوعت المحاصيل التي ضمت إلى جانب الحبوب زراعة التمر والزيتون. وتعد منطقة تليلات غسول الواقعة قرب دير علّا في وادي الأردن ومنطقة تل أبو حامد في الأغوار الشمالية من المناطق التي كشفت عن وجود آثار تعود إلى العصر النحاسي.
-
العصر البرونزي
مع نهاية العصر النحاسي كانت الحياة الحضرية للسكان قد بدأت بالتشكل بملامح أكثر وضوحًا وذلك في الفترة الممتدة3200-1950) فقد بنيت القرى واتخذت أسوارا بغرض التحصين، ويتبدى من الآثار المكتشفة وجود أكثر من 20 ألف مقبرة متعددة الحجرات في منطقة باب الذراع في وادي عربة، ووجدت كذلك عظام بشرية وأسلحة، وهناك أدلة على وجود حركة تجارية بين الاردن وبلاد الرافدين ومصر، وخلال العصر البرونزي المتوسط كانت طبيعة المناخ آخذة بالتغير، فارتفعت درجات الحرارة وقلت الأمطار، هذا أثر على حركة انتقال السكان من أماكن عيشهم لتأسيس قرى في مناطق ظروفها أكثر ملاءمة، فانتعشت حركة التبادل التجاري وتطورت صناعة الأسلحة والأدوات من البرونز والقصدير. وفي أواخر العصر البرونزي كانت حضارات عديدة قد بدأت تتشكل بالفعل مع نهاية العصر البرونزي وبداية العصر الحديدي.
-
الحضارة الأدومية
قامت حضارة الأدوميين في منطقة الطفيلة حاليًا، وكانت عاصمة دولتهم بصيرا، واستوطنوا في منطقة الشراة ووادي عربة والبادية الشرقية الأردنية حتى خليج العقبة. وقد كانت صناعة الأسلحة مزدهرة وكذلك الأدوات المنزلية، وقد تأثر سكانها بالكنعانيين الذين استوطنوا فلسطين في تلك الفترة. واستطاعوا تأسيس قوة بحرية، رغم ان تكوينها قبلي عشائري، ونظام الحكم فيها ملكي ينتقل بالوراثة بين الذكور.
-
الحضارة المؤابية
تأسست المملكة المؤابية (1300-400 ق.م) في منطقة الكرك جنوب الأردن وتمتد على حدود شرق نهر الأردن والبحر الميت حتى الشوبك، وكان أهلها يعبدون (الإله كاموش) وهناك آثار مكتوبة بلغتهم تشير إلى إرثهم الحضاري العقدي وتلقي الضوء على جزء من طبيعة الحياة وعلاقاتهم مع دول الجوار واتخذوا من ذيبان عاصمة لهم. وقد عاش المؤابيون في صراع مع اليهود من بني إسرائيل الذين سكنوا في المناطق المجاورة، ومن أهم الآثار المتروكة من تلك المملكة حجر ميشع أو نقش ميشع، وهو مسلة حجرية ضخمة تخلد انتصارات ملك المؤابيين ميشع ضد بني إسرائيل. وعدا عن ذلك أو إضافة إليه فقد كانت منطقة الهلال الخصيب وقتها تشهد صراعا سياسيا واقتصاديا محتدما بسبب الغزو الآشوري والمصري، ومحاولة الإمبراطويتين السيطرة على طرق التجارة ومناطق النفوذ الاقتصادي والعسكري، وانتهى الحال بمملكة مؤاب أن صارت ولاية بابلية زمن نبوخذ نصر، وقد ذكرت هذه المملكة في النصوص التوراتية ضمن مملكة إسرائيل.
-
الحضارة العمونية
تأسست الحضارة العمونية في حدود (1250 ق.م) في شمال الأردن بالتزامن مع الحضارتين الأدومية والمؤابية، والعمونيون أسسوا حضارتهم من عدة قبائل سامية وكانت عاصمتهم عمّان أو (ربة عمّون) كما كانت تُسمى، وامتدت الأراضي الخاضعة لحكمهم من سيل الزرقاء شمالًا حتى وادي الموجب جنوبا. من أبرز آثار حضارتهم تطور صناعة الفخار باستخدام القرص الدوار، وتطورت صناعة الأسلحة. وفي منطقة جبل القلعة ما زالت هناك آثار للمعمار العموني في الجدران والأسوار، بالإضافة إلى اكتشاف 4 تماثيل تعود إلى القرن الـ8 ق.م لملوك عمونيين.
صنف اليونيسكو مدينة البتراء ضمن عجائب الدنيا السبع الجديدة عام 2007.
-
حضارة الأنباط
تأسست حضارة الأنباط في فترة (300 ق.م) وهم من العرب الذين سيطروا على أراض واسعة من جنوب الأردن وفلسطين تمتد من حدود منطقة بصرى في سوريا وصولا إلى مدائن صالح في الجنوب، وقد اشتهروا بالآثار المتروكة في جنوب الأردن وأهمها وأجملها خزنة البتراء المحفورة من الحجر الوردي لصحراء جنوب الأردن. كما أنهم برعوا في تأسيس قنوات المياه التي تسهل جلب الماء إلى مناطق السكان في الصحراء الواسعة، وقد كانت مملكة الأنباط مركزًا تجاريًا هامًا حتى احتلها الرومان وفقدت أهميتها مع الوقت حتى تشتت ملكها ولم يبق إلا الآثار الدالة على تلك الحضارة البديعة، وقد صنفها اليونيسكو ضمن عجائب الدنيا السبع الجديدة عام 2007.
-
الحضارة الرومانية
امتدت سطوة الإمبراطورية الرومانية حتى وصلت الأردن، واستمر الوجود الروماني قرابة 4 قرون حتى قرابة القرن الأول ق.م، ومن أبرز ملامح تلك المرحلة تأسيس مدن الديكابوليس وإعادة تسمية المدن الأدومية والعمونية، والمدن الأردنية التي ضُمت إلى حلف الديكابوليس هي (جرش (جراسا وأم قيس (جدارا) وأربد (أربيلا) شمالا عمّان (فيلاديلفيا) مع مدن فلسطينية وجنوب سوريا. وكان هذا الاتحاد بين المدن بغرض تمكين الروابط الاقتصادية والثقافية والمصالح المشتركة. وتظهر الآثار الرومانية في المدن بوضوح لتدل على الطابع المعماري وبصمة الرومان، وقد كان لمدينة جرش حظ الأسد من الاهتمام الروماني، وذلك ظاهر من خلال العمران الروماني والآثار المتروكة في المدينة من شارع الأعمدة والمدرجات والمسارح الشاهدة على آثار الحضارة الرومانية.
-
الحضارة البيزنطية
خضعت الأردن للحكم البيزنطي في الفترة (64 ق.م -395 م)، وفيها ازدهر المعمار ذو الطراز البيزنطي، ومنذها والكنائس تشيد ودور العبادة في مختلف مناطق الأردن، ولعل من أبرز الآثار الدالة على تلك الفترة الفسيفساء الموجودة في مادبا وهي توثيق لجغرافيا الديار المقدسة في كنيسة القديس جوارجيوس.
-
الحضارة الإسلامية
كان تأسيس الدولة الإسلامية ونهضتها إيذانًا بانتهاء الحكم البيزنطي في منطقة الأردن وما حولها، تبدى ذلك في نتائج معركة مؤتة وانتصار الدولة الوليدة من العرب المسلمين. وبعدها في عصر الخلافة الراشدة والفتوحات الإسلامية، إذ تحتضن أراضي الأردن أضرحة الكثير من الصحابة الفاتحين، الذين صارت قبورهم مزارات للسياحة الدينية. وبعد طي صفحة الحضارات الماضية، وانبثاق الحضارة الإسلامية بروحها المتقدة، وتمدد الخلافة من الراشدة إلى الأموية والعباسية حتى العثمانية وما بينها من ممالك وإمارات توالت على حكم المنطقة، اغتنت الأردن بالكثير من الآثار العمرانية، وفيما يلي تفصيلها:
أبرز إنجازات الحكم العثماني تأسيس خط سكة حديد الحجاز من دمشق مرورًا بالأردن حتى المدينة المنورة
- الأردن خلال الحكم الأموي: شهد الأردن انتعاشا اقتصاديا وعمرانيا بسبب قربه من حاضرةالخلافة وعاصمتها دمشق، فكان الأردن معبرا هاما لقوافل الحج، كما بنى الأمويين العديد من القصور والحمامات كقصر عمرة في الأزرق بقبته الثلاثية البديعة، وقصر الحرانة
- الأردن خلال الحكم العباسي: تعرضت منطقة الأردن إلى نوع من الإهمال بسبب انشغال العباسيين في توثيق حكمهم أول الأمر ومن ثم بسبب بعد عاصمة الخلافة بغداد عن الأردن، ولاحقا حين ابتدأت الحروب الصليبة احتل الصليبيون الشوبك والكرك وأنشأوا حصونهم لحراسة بيت المقدس، وتحررت الأردن من الصليبين على يد صلاح الدين، وقد أمر ببناء قلعة عجلون الباقية حتى الآن شاهدة على تلك المرحلة
- الأردن خلال الحكم العثماني: اعتنى العثمانيون بالأردن بوصفه معبرًا وطريقًا تاريخيًا للحج، وبنوا سلسة من القصور بغرض تأمين طريق الحج وحماية الحجاج؛ وهي قصر القطرانة وقصر ضبعة وقلعة الحسا، وبالإضافة إلى المساجد والمدارس والمنشآت الخدمية. ولعل من أبرز إنجازات الحكم العثماني تأسيس خط سكة حديد الحجاز من دمشق مرورًا بالأردن حتى المدينة المنورة وتوقف المشروع قبل تمامه.
لاحقًا في أواخر الحكم العثماني في مطلع القرن العشرين أُعلنت الثورة العربية الكبرى للاستقلال عن الخلافة العثمانية، واتخذت الأردن شكلها الحديث، وخضعت للانتداب البريطاني حتى تحررت عام 1946. وما زالت الأردن بلدًا بتراث عريق ممتد منذ عصور ما قبل التاريخ، مر على أهلها الكثير من الحضارات والممالك والحروب والصراعات، وآثارها تشهد بهذا الإرث وتحكي قصته.