لعلها تكون لحنًا دعائيًا أو أغنية في منصة تيك توك أو أغنية شعبية، وفي جميع الحالات إليكم طريقة التحايل على العقل لإيقافها.
يصدف في كثير من الأحيان أن ينهمك الناس في أعمالهم المنزلية أو الوظيفية، فيستمعون عَرَضًا إلى أغنية أو مقطع موسيقي، ثم يتفاجؤون بأن تلك الأغنية أو الموسيقى تغلغلت في أذهانهم، وأخذت تتردد بين الحين والحين.
يقول الخبراء إن سماع ثوانٍ قليلة من أغنية مشهورة كفيل أحيانًا برسوخها في الذهن لساعات أو أيام، إذ ينتهي الحال بالمستمع إلى تكرار بعض أجزاء الأغنية أو الأغنية الدعائية في ذهنه طوال الوقت. واللافت للاهتمام أنّ حالة ديدان الأذن (earworms) شائعة بين الناس إلى حد مذهل؛ إذ أجريت دراسة علمية على مجموعة من الطلاب الجامعيين الأمريكيين عام 2020، أظهرت نتائجها أنّ نسبة 97% منهم عانوا من حالة ديدان الأذن في الشهر السابق لموعد الدراسة، فبعض الموسيقى، مثل أغنية بيبي شارك Baby Shark، تتغلغل في الذهن أحياناً دون أي محفزات سمعية.
تقول كلير آرثر (Claire Arthur)، وهي أستاذة مساعدة في كلية الموسيقى في معهد جورجيا للتكنولوجيا في أتلانتا: "ديدان الأذن ظاهرة عالمية نراها لدى الأفراد من مختلف الأعمار والثقافات، بيد أن الفارق بينها وبين أي ذكرى أخرى تنبثق في ذهن الشخص تلقائيًا، هو تكرارها الدائم غالبًا على شكل حلقة متواصلة مباشرة".
وفي بعض الأحيان يلجأ الشخص المصاب بديدان الأذن إلى وسائل أخرى لصرفها عن ذهنه، فيبدأ مثلاً بمشاهدة مقاطع تحديات عدم الضحك على يوتيوب، وربما استطاع التخلص منها بعد فيديو أو اثنين، دون أن يدري أنّه بذلك اتبع إحدى الوسائل والأساليب التي يوصي بها الخبراء للتحرر من حالة دودة الأذن؛ فصحيح أن هذه الألحان والنغمات الغامضة تعلق بذهن الشخص بكل سهولة، بيد أنه يستطيع التحرر من حلقة الجنون هذه باتباع أمور كثيرة.
ما أسباب دودة الأذن؟
لا يدري العلماء على وجه اليقين أسباب رسوخ بعض الأغاني والألحان في أذهاننا، غير أنهم يشتبهون بأن شيئًا في البنية العقلية لأدمغتنا يسبب ظهور هذه الأنماط الموسيقية وتكرارها، وتشير بعض الدراسات العلمية، مثل تلك المنشورة في دورية سايكولوجي أوف ميوزيك (Psychology of Music)، إلى ارتباط حدوث هذه الحالة ببعض المحفزات الأساسية ومنها: الجِدّة والتعود والملل.
وفي هذا السياق يقول إيمري شوبرت (Emery Schubert)، وهو باحث وأستاذ في جامعة نيو ساوث ويلز الأسترالية: "يتكون دماغنا من شبكة معقدة من الخلايا العصبية المسؤولة عن تخزين المعلومات، ولكنه حينما يسرح أحيانًا فقد يتعثر عفويًا بأغنية خُزِّنت ورُمّزت بفعل جِدّة الاستماع إليها وتكرارها. وفي الواقع يعمد بعض الفنانين عند كتابة أغانيهم إلى إدراج عنصر التكرار في موسيقاهم حتى يتعزز احتمال تكوين دودة الأذن لدى المستمعين".
وعلى العموم يطلق العلماء على ديدان الأذن مصطلح التخيلات الموسيقية اللاإرادية، أو ما يعرف اختصارًا بـ أي إن إم أي INMI، لأنها تتغلل في رؤوسنا وتتطفل علينا بغتةً؛ فعلى سبيل المثال إذا شغلنا محطة الإذاعة المحلية في المنزل، واختار منسق الأغاني أغنية قارئة الفنجان لعرضها للمستمعين، فمن المحتمل أن تعلق كلماتها وتتردد في ذهني حينما أستيقظ من المنام، وإن كنت غير معجب ولا مفتون بها، ولعلّ لساني يلهج في غناء كلمات: (في حياتك يا ولدي امرأةٌ، عيناها سبحان المعبود) حينما أنظف أسناني في وقت لاحق ليلًا.
ومن المرجح أن تعلق في ذهن المستمع الألحان الموسيقية التي تغلب عليها البساطة والتكرار، ومن المحتمل كذلك أن يدندن بها بين الفينة والفينة، ولنا في بعض الأغاني العربية أوضح مثال على هذا الأمر؛ فكثير من الناس تغلغلت في أذهانهم ألحان وكلمات الأغنية الجزائرية الشهيرة (عبد القادر). ولا تنحصر حالة ديدان الأذن بنوع محدد من الموسيقى، بل إنها تشمل الأغاني والألحان الموجهة للأطفال، فأغنية (توت توت) للفنان عبد المنعم مدبولي من الأغاني التي انغرست في أذهان جيل بأكمله. ويتأتى القول هنا إن بعض الفنانين يراعون حين تلحين أغانيهم أن تكون جذابة وميالة إلى تكرار بعض الجمل الموسيقية، وبذلك تترسخ عند المستمعين لمدة طويلة.
الأفراد المعرضون لهذه الحالة
تشيع ديدان الأذن بين أناس كثيرين حينما تغمرهم مشاعر محددة كما يحصل في حالات التعب أو الإرهاق، فربما نحن البشرَ كشخصية غولديلوكس في قصتها مع الدببة الثلاثة، إذ تصيبنا دودة الأذن إن توترنا توترًا شديدًا أو قلّ توترنا عن المستوى الصحي، أي بمعنى آخر حينما ينتابنا الملل. ولعل هذا الأمر يفسر حدوث هذه الحالة مثلًا عند الأهل ممن لديهم أطفال صغار، فالاستماع إلى الألحان الموسيقية البسيطة وقلة النوم يشكلان بيئة خصبة لترسيخ الألحان والأغاني المزعجة في أذهان الأهل.
وفي هذا الصدد يقول جيمس كيلاريس (James Kellaris)، أستاذ التسويق في جامعة سينسيناتي، والمشهور بلقب طبيب دودة الأذن: "إننا عالقون في مفارقات صارخة، فالإعراض عن التفكير بأمر معين يستلزم منا تذكر شيء حري بنا تجنبه في المقام الأول. إليكم هذه التجربة، حاولوا جهدكم ألا تفكروا بأغنية مشهورة، وليحالفكم الحظ الطيب إن نجحتم في مسعاكم!".
وتوصف دودة الأذن بأنها في جوهرها ضرب من ضروب الاجترار النفسي (rumination)، وتشير بعض الأبحاث العلمية إلى زيادة التعرض لديدان الأذن عند الأفراد المصابين بالقلق أو الاضطرابات التالية للصدمات أو اضطراب الوسواس القهري، وتقول آرثر: "إن أدمغة أولئك الأفراد موقوفة على التفكير المتواصل والدائم"، بل إن مجموعة صغيرة من الأفراد المصابين بدودة الأذن يتعاطون المنشطات. وتعرف هذه الهواجس الموسيقية بمصطلح التخيلات الموسيقية المتطفلة، أو ما يعرف اختصارًا بـ آي إم آي (IMI)، وهي إلى ذلك تدوم أحيانًا لمدة شهور أو سنين، بل إنها ربما تضر حياة الشخص وعمله.
التخلص من دودة الأذن
لا يتضايق بعض الناس كثيرًا من النغمات الموسيقية الآسرة التي تتردد وتتكرر في أذهانهم بين الحين والآخر، بيد أن دودة الأذن لا تميز بين الموسيقى التي يهواها الفرد أو يبغضها، وليست معنية إن كان المرء سعيدًا ومدركًا لذلك (لكنها تتأثر إن صفق بيديه لتشتيت ذهنه وصرفه عن الأغنية). فإذا تمكنت دودة الأذن من شخص معين وتغلغلت في ذهنه، عندئذ عليه اتباع هذه الاستراتيجيات التي يوصي بها العلماء:
- إكمال الأغنية
يحفظ الشخص أحيانًا مقطعًا واحدًا من الأغنية، فيعلق في ذهنه لوقت طويل، ولكن إذا استمع ذلك الشخص إلى الأغنية كلها، عندئذ ربما يدرك عقله أنها مكتملة الآن، فلا لزوم لتكرارها وترديدها. أما إذا عجز الشخص عن الاستماع للأغنية كلها لسبب أو لآخر، فعليه باستحضار التصفيق؛ إذ تعتمد آرثر على هذه الخدعة حتى توهم عقلها بانتهاء الأغنية، وتقول عن ذلك: "أتخيل أنني في حفلة موسيقية، وأتخيل سماع صوت الحضور يهتفون ويصفقون في ذهني".
- الإلهاء
يقر الخبراء أنّ مشاهدة الميمات الساخرة استراتيجية ناجعة للتخلص من دودة الأذن؛ فإلهاء الذهن بأمر معين، مثل القيام بمهمة أو مشاهدة صور أو سماع موسيقى، من الوسائل النافعة للتخلص من التخيلات الموسيقية اللاإرادية. وتقول إليزابيث مارجوليس (Elizabeth Margulis)، الأستاذة في جامعة برينستون ومدير مخبر الإدراك الموسيقي: "مضغ العلكة يعرقل أحيانًا وتيرة الحلقة الصوتية اللازمة لتخيل الأغنية في الذهن".
- تنويع الأغاني
إذا تضمنت قائمة الأغاني التي يستمع إليها الشخص مجموعة متنوعة النغمات ومتفاوتة الإيقاع، عندئذ يقل احتمال أن تعلق إحداها بذهنه، يقول شوبرت: "عندما تتسع مداركك وتتعرف على أنواع مختلفة من الموسيقى، فإن عقلك يركن إلى ذخيرة موسيقية أكبر وأوسع". فإذا عانى الشخص من دودة الأذن، عندئذ يسعه أن يدرج في قائمة الأغاني مقطوعة صغيرة لا تتعدى 42 ثانية مصممة تحديدًا لإعاقة وظائف الأنماط العصبية التي تتعلق بإحدى الأغنيات الآسرة. وتقول آرثر: "لا إيقاع فيه ولا لحن، وإنما يشغل حيزًا ضمن الحلقة الصوتية في ذهن المستمع".
- تغيير الكلمات
من أدوات الذكاء الاصطناعي المفيدة لهذا الغرض روبوت المحادثة الآلي شات جي بي تي (ChatGPT)، فهو وإن كان يُنتَقَد لقدرته على تأليف الكلمات بطريقة ربما تضر بمهنة المؤلفين، فإنه وسيلة نافعة للأفراد المصابين بدودة الأذن؛ فعلى سبيل المثال يستطيع الشخص أن يطلب من روبوت المحادثة أن يغير كلمات أغنية معينة وموضوعها بطريقة مسلية، فقد ينجح بذلك في التخلص من مشكلته. ولا يلزم الشخص أن يستعين بالذكاء الاصطناعي، فهو قادر على تغيير كلمات الأغنية بنفسه كيفما شاء.
ويرى كيلاريس إن محاولة كبت دودة الأذن ليس تصرفًا حكيمًا، فهو إلى ذلك يشبهها بالحكة؛ فالإمعان في التركيز على وسائل التخلص منها يفضي إلى إطالة مدة الحلقة الصوتية في الذهن، وهو إلى ذلك يوجه نصيحة للأفراد الذين تعلق بأذهانهم بعض الأغاني والموسيقى المزعجة، فيطالبهم بأن يتذكروا دومًا أنهم: "لا ينالون دومًا مبتغاهم، ولكنهم إن حاولوا أحيانًا فقد يدركون ما يلزمهم".
هذا المقال مترجم بتصرّف عن مجلة وايرد.