ألتراصوت- فريق الترجمة
في عرس صغير متواضعـ تزوجت لارا كوفينغون وجورج سوفيس وبعد أن قضيا شهر العسل في ولاية أوريغون الأمريكية، عادا، كلٌّ منهم إلى بيته، ليسكنا بعيدًا عن بعضهما مسافة 70 كم تقريبًا.
اختار الزوجان عدم العيش تحت سقف واحد، وأن يكونوا منفصلين سكنيًا، لمدة ثمانية أعوام على الأقل، إلى أن يكبر الأولاد قليلًا.
يجد عدد متزايد من الأزواج أن التنائي السكني يمنحهم شيئًا من المرونة ويخفف الضغط اليومي عليهم، وقد يساعدهم في العديد من الحالات على استعادة المفقود في علاقتهم وإنقاذ زواجهم
عن هذا الخيار المستغرب في نظر كثيرين، يقول الزوجان في حديث مع "وول ستريت جورنال" الأمريكية، إنهما على قناعة بضرورة العيش معًا بعد فترة من الوقت، إلا أنّ ذلك الآن غير ممكن، لأنهما يعتقدان أنه سيؤثر سلبًا على حياتهما، وعملهما، وعلى الأطفال أيضًا. وهذا ما يؤكده بلا مواربة الزوج، السيد جورج، والبالغ من العمر 43 عامًا، ويعمل في المحاماة، وله طفلان من طليقته، وكلب. أمّا الزوجة، لارا، فتبلغ من العمر 48 عامًا، ولديها أربعة أطفال من زواج سابق، وكلبان.
اقرأ/ي أيضًا: ما هو الطلاق العاطفي وما هي أسبابه؟
تقول السيدة لارا: "ليس هنالك قانون يقول إن على الزوجين أن يعيشا معًا في نفس البيت على الدوام. أنا لست مضطرة مادية لوجود رجل في حياتي على هذا النحو، فأنا لا أريد مالًا ولا مساعدة من أحد، وكل ما أحتاج إليه أن أشعر بأن هنالك شخصًا ما يحبني ويمكنني أن ألجأ إليه وأتواصل معه بثقة على الدوام، ولا يشترط أن يكون معي في البيت نفسه كي يفعل ذلك".
هذه القصّة بحسب الجورنال، ليس فريدة الآن في المجتمع الأمريكي، حيث طرأ تغير كبير على نمط العلاقات الزوجية وما تعنيه وتستلزمه على مستوى الالتزامات المشتركة بين الطرفين، والتي لا تشمل بالنسبة لكثيرين الآن، المساكنة تحت سقف واحدة بالضرورة. والعديد من هذه القصص التي استعرضتها الصحفية، تشتمل على أزواج مرّوا بتجارب زواج فاشلة، ولديهم أطفال، ولا يرغبون بإرباكهم عبر الانتقال إلى منزل جديد، أو إقحام شخص جديد في حياتهم، وما قد يعنيه ذلك من توتّر وتهديد على الأطفال وسلامتهم النفسية، وعلى الزواج الناشئ نفسه في حال بدأت الأمور تخرج عن السيطرة.
أمّا آخرون، فقد شعروا أنهم قد وصلوا إلى أجزاء وعرة في العلاقة في نفس البيت، وأن أحدهما لا بدّ أن يكون بحاجة لمساحة مع نفسه، دون الطلاق، ووجدوا أن التنائي السكني يمنحهم شيئًا من المرونة ويخفف الضغط اليومي عليهم، وقد يساعدهم في العديد من الحالات على استعادة المفقود في علاقتهم وإنقاذ زواجهم.
في الولايات المتحدة، ما تزال هذه الظاهرة محدودة، وتشكل نسبة بالكاد تصل إلى 5% من مجموع المتزوجين، أو حوالي 3.6 مليون شخص وفق بيانات هيئة الإحصاء الأمريكية، وهي أرقام تشمل أيضًا أولئك الأزواج المنفصلين بالسكن بشكل اضطراري، لأسباب تتعلق بالعمل مثلًا، أو الخدمة العسكرية.
وتعليقًا على هذا النمط الجديد في إدارة الحياة الزوجية في المجتمع الأمريكي، تقول سوزان براون، وهي عالمة اجتماع ومديرة في المركز الوطني الأمريكي لأبحاث الأسرة والزواج في جامعة "باولينغ غرين"، تقول إنه لم يعد هنالك شكلٌ وحيد مقبول للحياة الزوجية [في المجتمع الأمريكي]. وتقول: "نحن نتزوج بحثًا عن السعادة الشخصية وتحقيق الذات، وللناس مذاهب عديدة فيما يعنيه ذلك".
كما ترى الدكتورة سوزان بأن التنائي بين الزوجين، بمعنى أن يعيش كل في بيت منفصل عن الآخر، هو جزء من تحوّل تدريجي يصبح الزواج فيه ذا طبيعة أكثر فرديّة، وهو تحوّل قد تضاعفت وتيرته في السنوات الماضية، وانعكس على عدد الأزواج الذين اختاروا هذا النمط من المعايشة عن بعد، والذي ارتفع من 6% في العام 1980 إلى 13% في العام 2018 حسب البيانات المتوفرة، علمًا أن هؤلاء أزواج لم يقرروا التنائي بسبب خلاف أو شقاق بينهما، بل كخيار لإنعاش العلاقة وبث روح جديدة فيها، وضمان ما هو أصلح للطرفين ماديًا ونفسيًا.
من الأمثلة التي يرويها تقرير وول ستريت جورنال، قصة ريبيكا هاف، وزوجها شوان هاف، واللذين وصلًا إلى نقطة حرجة في علاقتهما بعد 16 عامًا من الزواج، لكنهما فكرا بالخيارات المتاحة، واستثنيا الطلاق، وقررا أخيرا بيع البيت الذي يقطنان فيه معًا، والانتقال إلى عمارة سكنية، فاختارت هي الطابق الثالث لتعيش في شقة مع ابنتها (من طليقها)، أما هو فسكن في شقة في الطابق الثاني مع ابنه (من طليقته).
وللتأكيد على أن هذا الاختيار قد بدأ يتحوّل إلى ظاهرة فعلًا، قام شخص يدعى شارون هايمان بإنشاء مجموعة على فيسبوك، عام 2015، أطلق عليها اسم "Apartners" أي الأزواج غير المساكنين لبعضهم البعض، ويعيش كل منهما في شقة منفصلًا عن الآخر، وهو ما يصفه بعض الأكاديميين بعبارة متناقضة في ظاهرها، وهي "العيش منفصلين معًا". المجموعة تضم 2400 شخصًا، وجميعهم متزوجون وأعمارهم تتراوح بين 35 و54 عامًا. أما هدف المجموعة فليس الدعوة والتشجيع على هذا النمط من العيش، ولكن تذكير الأزواج بأن ثمة خيارًا معقولًا دون الطلاق.
الناس يفترضون أن العلاقة بين الزوجين ذات شكل واحد فقط، وهو ما يفرض ضغوطًا نفسيًا هائلة على الزوجين في مراحل حياتهما وتقلباتهما النفسية والاجتماعية المختلفة
السيدة هايمان، من مونتريال الكندية، ترى أن الناس يفترضون أن العلاقة بين الزوجين ذات شكل واحد فقط، وهو ما يفرض ضغوطًا نفسيًا هائلة على الزوجين في مراحل حياتهما وتقلباتهما النفسية والاجتماعية المختلفة، لأنهما يشعران باستمرار بضرورة الانسجام مع التوقّعات السائدة بشأن ما يجب أن تكون عليه شكل العلاقة بين الزوجين. السيدة هايمان، متزوجة منذ 23 عامًا، ولكنها لم تسكن مع شريكها تحت سقف واحد أبدًا.
اقرأ/ي أيضًا:
وسم سعودي يدعو إلى الزواج من "الميسورات" يشعل الجدل بين الناشطين