رأى كبير مفتشي الأمم المتحدة عن أسلحة الدمار الشامل في العراق سابقًا، هانس بليكس، أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لن يخاطر بالتسبب بكارثة في محطة زابوريجيا للطاقة النووية التي تسيطر عليها قواته في أوكرانيا، وسط مخاوف دولية متزايدة بشأن سلامة هذه المحطة، وهي الأكبر في أوروبا، وفقًا لمقابلة أجراها مع وكالة الأنباء الفرنسية.
واعتبر بليكس أن بوتين "عقلاني جدًا"، و"يدرك ما يقوم به"، حيث قارن في المقابلة التي أجريت معه في منزله في العاصمة السويدية ستوكهولم بين "خطأين" يفصل بينهما عقدان من الزمن، وهما حرب الولايات المتحدة على العراق في عام 2003، وحرب روسيا على أوكرانيا منذ شباط/فبراير 2022.
وتولى وزير الخارجية السويدي السابق منصب المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة بين عامي 1981 و1997، وارتبط اسمه بشكل وثيق بالعراق حيث قاد فريقًا من المفتشين الذين عملوا على التحقق مما إذا كان نظام الرئيس العراقي السابق، صدام حسين، يمتلك أسلحة دمار شامل.
رأي كبير المفتشين الأمميين، هانس بلينكس، أن حرب العراق كانت خطأ فادحًا من جانب الولايات المتحدة، مبنيًا على معلومات خاطئة
لكن الفريق الدولي لم يعثر على أسلحة كهذه على رغم المزاعم الأميركية بامتلاك العراق لها في تلك الفترة، والتي كانت من الأسباب التي عرضتها الولايات المتحدة لتبرير غزوها العراق في العام 2003.
ورأى بليكس أن ما جرى كان "خطأ فادحًا من جانب الولايات المتحدة، مبنيًا على معلومات خاطئة، وغطرسة بأن الاستخبارات الأميركية تعرف أكثر مما نعرفه، مضيفًا أن "حرب العراق كانت انحرافًا"، لافتًا إلى أن الولايات المتحدة لم تكن تواجه حينها خطر تدخل روسيا أو الصين، وأخذت واشنطن ولندن على عاتقهما أن تكونا "شُرطيي العالم".
ندم بوتين
لكن الدبلوماسي المخضرم يبدو أكثر تفاؤلًا بشأن مصير النزاعات في العالم، ونشر العام الماضي كتاب "وداعًا للحروب"، ويقرّ بأن عنوانه "شديد الاستفزاز" نظرًا للرياح الجيوسياسية التي تهبّ في العالم، خصوصًا مع الحربين في أوكرانيا وغزة.
وكما غزو الولايات المتحدة للعراق، اعتمد بليكس التوصيف نفسه "انحراف" في الحديث عن الغزو الروسي لأوكرانيا، مضيفًا أن "بوتين ارتكب خطأ، وأنا واثق بأنه نادم عليه".
وحذّرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 17 آب/أغسطس الجاري من أن وضع السلامة في محطة زابوريجيا "يتدهور" بعد ضربة غير بعيدة منها بطائرة مسيّرة، وسيطر الجيش الروسي على المحطة في مطلع الحرب، وتعرضت لهجمات تبادل طرفا النزاع الاتهام بالمسؤولية عنها.
لكن بليكس الذي كان يشرف على الوكالة الذرية الدولية لدى وقوع كارثة مفاعل تشرنوبيل الأوكراني عام 1986، أعرب عن اعتقاده بأن روسيا لن تهاجم المحطة النووية عمدًا.
وقال حول ذلك: "لا أعتقد أن الروس سيقومون بذلك عمدًا، كلا سأفاجأ للغاية في حال لم يكن الروس قد أصدروا تعليمات لجيشهم بتجنب إلحاق ضرر بالغ" بالمحطة النووية.
كما أن بليكس ليس قلقًا من تلميحات بوتين المتكررة منذ بدء الحرب في أوكرانيا، للجوء إلى السلاح النووي في مواجهة الغرب الذي يمد كييف بالدعم العسكري، موضحًا أن بوتين "يلوّح بالأسلحة النووية ويهدد، لكنه ليس غبيًا… طالما بقي احتمال الضربة الثانية قائمًا، ثمة خطر تصعيد".
العودة” الى أوروبا والعالم
وفيما شدد بليكس على أن "القوى الكبرى، الولايات المتحدة وروسيا والصين، لا تريد بلوغ وضع مواجهة مباشرة في ما بينها"، فإنه يبقي على تفاؤله لما بعد الحرب الأوكرانية، وهو نزاع لم تشهد أوروبا له مثيلا منذ الحرب العالمية الثانية.
ترى #روسيا التقدّم الأوكراني السريع في كورسك فرصةً لاستنزاف القوات الأوكرانية المحدودة بشكلٍ أكبر، وتحقيق مكاسب في مناطق أخرى من الجبهة.
اقرأ أكثر: https://t.co/Ngnxa6RuWo pic.twitter.com/odVx4RoJmK
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) August 23, 2024
ويرى بليكس أن المعادلة بسيطة، لافتًا إلى أنه على روسيا في نهاية المطاف "أن تعود إلى العالم وأوروبا"، على رغم أن ذلك "سيتطلب وقتًا"، لكن يبقى أنه ليس هذا كل ما في الأمر، بل "ربما سيكون ثمة شعور بأن علينا الآن بطريقة ما، أن نصحح الوضع ونحسنه".
ويؤمن بليكس بـ"تعددية الأطراف" في السياسة الدولية، ويضيف بابتسامة سنوات الخبرة المتراكمة في الدبلوماسية “ثمة كمية من المشاكل في عالم مُعولَم لا يمكن إدارتها (في حال كنت) معزولًا" عن بقية الدول.
ويؤكد المسؤول السويدي السابق في ختام مقابلته مع الوكالة الفرنسية أن على المجتمع الدولي التعاون لمواجهة التحديات الكبرى، بما فيها الاحترار المناخي الذي يثير قلقه "بشكل أكبر" من مخاطر الحروب، إضافة الى الأوبئة ومواجهة شبكات الجريمة المنظّمة.