بات دونالد ترامب ثاني رئيس أميركي يتولى منصب رئيس الولايات المتحدة الأميركية في فترتين رئاسيتين غير متتاليتين بعد جروفر كليفلاند. ويبدو أن الرئيس المُنتخب يريد تكرار الاستثناء، لكن هذه المرة بتولي مقاليد الحكم لأكثر من ولايتين ـ ذلك ما يُفهم من بعض تصريحاته بهذا الشأن ـ كما حدث مع فرانكلين روزفلت الذي حكم لأربع فترات رئاسية امتدت ما بين 1933 حتى 1945.
لكن الدستور الأميركي لم يكن يمنع ذلك حينها، بخلاف ما هو عليه الدستور الحالي الذي يحدد رئاسة أي شخص بفترتين، سواء كانتا منفصلتين أم متّصلتين، بسبب التعديل 22 الذي أدخله الكونغرس على الدستور بعد عامين من وفاة روزفلت. ومنذ 1952، لم يتمكن أي رئيس أميركي من تولي منصب الرئيس لأكثر من ولايتين بسبب الدستور، فهل يخطط ترامب لتغيير الدستور الأميركي حتى يتسنى له الترشح لانتخابات 2028 الرئاسية؟
من مزحة وتهكم إلى خطة
كانت البداية بالانتخابات التي خسرها ترامب عام 2020 في مواجهة بايدن، حيث صرح في آب/أغسطس من ذلك العام، أمام حشد جماهيري من أنصاره، أنه "سينتصر في الانتخابات، وربما أستمر لمدة 4 سنوات أخرى"، مسوّغًا ذلك بمزاعمه عن "تجسس تعرضت له حملته من طرف إدارة أوباما قبل عام 2016". كما صرح في تجمع انتخابي آخر، في العام نفسه، قائلًا "سوف أتفاوض للحصول على ولاية ثالثة من 4 سنوات بناءً على الطريقة التي عوملنا بها" وفق تعبيره.
من المستبعد أن ينجح ترامب في تغيير التعديل 22 من الدستور الأميركي الذي يمنع أي رئيس أميركي من تولي المنصب لأكثر من ولايتيْن
لكن قُبيل الانتخابات الأخيرة 2024، حرص ترامب على الظهور بتصريحات مختلفة، ففي مقابلة مع "إن بي سي نيوز" العام الماضي، رد بالنفي على سؤال ما إذا كان يسعى للحصول على ولاية ثالثة حال فوزه.
وخلال العام الجاري، في نيسان/أبريل الماضي، قال في لقاء مع مجلة "تايم" الأميركية: "لا أويد تمديد فترة ولايتي إذا فزت بنتيجة الانتخابات"، قبل أن "يعدل" عن ذلك الموقف في خطابات تالية. ففي مؤتمر الجمعية الوطنية للبنادق، توجه بسؤالٍ لأنصاره "هل ترون أني سأخدم لفترتين رئاسيتين أم لثلاث فترات؟".
وفي تموز/يوليو الماضي، قال في اجتماع انتخابي مع المسيحيين المحافظين في فلوريدا "لن تضطرّوا إلى التصويت بعد الآن إذا فزت في انتخابات 2024".
لا يأخذ بعض المتابعين هذه الإشارات على محمل الجد ويعتبرونها مجرّد تشجيعٍ من ترامب لأنصاره على التصويت، لا سيما المسيحيين المحافظين منهم. فالدستور وعمر ترامب يمنعانه من الحكم لثلاث فترات، فبحلول موعد انتخابات 2028 سيكون عمره 86 عامًا.
لكن محللين آخرين يحملون إشارات ترامب على محمل الجد، خاصةً من يتهمونه بتبني مشروع ديكتاتوري لحكم الولايات المتحدة الأميركية. كما أن سلوك ترامب السياسي الذي لا يقيم وزنًا للمؤسّسات وتعبيره عن إعجابه بزعماء مستبدّين، وصلته المفترضة بمشروع 2025 المثير للجدل، يزيد عندهم من احتمالات سعيه لكسر القاعدة الدستورية، ولن يكون ذلك إلا بتغيير الدستور حتى يتسنى له الترشح لفترة ثالثة.
فرضية تغيير الدستور
لكي يتمكن ترامب من الترشح لولاية ثالثة، سيكون لزامًا عليه إلغاء التعديل الـ22 للدستور الأميركي، ويكون التعديل بإحدى طريقتين: الأولى، أن يحصل على تأييد غالبية الثلثين في الكونغرس بغرفتيه، ثم يحصل بعدها على موافقة ثلاثة أرباع الولايات الأميركية، أي تأييد 38 ولاية من أصل 50 ولاية.
وتتمثل الطريقة الثانية للتعديل في موافقة 34 ولاية أميركية على انعقاد مؤتمرٍ دستوري، وحينها يلزم لإقرار التعديل أصوات 38 ولاية.
من الواضح أنّ مسألة التعديل الدستوري معقّدة، وأن حصول ترامب على هذا الامتياز مستبعد. فالحزب الجمهوري لا يتمتع بأغلبية الثلثين الضرورية في مجلسي النواب والشيوخ.