14-فبراير-2024
بادو الزاكي

بادو الزاكي أفضل حراس المنتخب المغربي

تفيض المغرب على الدوام بالمواهب الرياضية، ولطالما مثّلت منبعًا حقيقيًا للنجوم الرياضيين في شتّى الألعاب الفردية والجماعية. وفيما يخصّ كرة القدم، قدّمت المغرب العديد من نجوم اللعبة، وأصبح بعضهم يخوض غمار أقوى دوريات العالم.
كذلك قدّمت المغرب للعالم مدربين عظام، ومنهم من حقق إنجازات تاريخية مع دول أخرى، مثلما فعل الحسين عموتة مع منتخب الأردن، والذي تكلّمنا عن حياته الشخصية ومسيرته الكروية والتدريبية في مقال سابق.

لكنّ المغرب تميّزت عن الكثير من الدول العربية والأفريقية، بتقديمها لصنف خاص من اللاعبين، فقد تخرّج من الأندية والملاعب المغربية العديد من حرّاس المرمى، والذين صنعوا الأمجاد في عالم المستديرة، فكان في كثير من الأحيان حراس المنتخب المغربي هم الأفضل بين أقرانهم في أفريقيا والعالم العربي.

 

من هو أفضل حارس في تاريخ المنتخب المغربي؟

مكان حارس مرمى المنتخب المغربي، يبقى دائمًا محل تنافسية عالية بين الحرّاس المغاربة، لأن ارتداء القفازات من أجل حماية عرين أسود الأطلس، يعتبر شرفًا كبيرًا لأي حارس، ناهيك عن الاعتراف الضمني بأنه أفضل حارس مغربي في وقته، وهذا أمر يمثّل محلّ فخر واعتزاز كبيرين.

بادو الزاكي

في تاريخ الكرة الأفريقية كلّها، هناك حارسا مرمى فقط، فازا بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا، هذه الجائزة التي كانت تمنحها صحيفة فرانس فوتبول الفرنسية، هذان الحارسان هما الأسطورة الكاميرونية توماس نكونكو، والذي جعل طفلًا إيطاليًا اسمه جيانلويجي بوفون يتخذه قدوة له، ويصبح حارس مرمى، والحارس الآخر هو أسطورة حراسة المرمى المغربية بادو الزاكي.

بادو الزاكي
بادو الزاكي يتسلم الكرة الذهبية

ولد بادو الزاكي عام 1959 في مدينة مغربية صغيرة اسمها سيدي قاسم، وهي تقع قرب مدينة القنيطرة، وبدأ مسيرته الكروية في فريق جمعية سلا، قبل أن يلتحق بسنّ الـ19 عامًا إلى نادي الوداد، ليبدأ نجمه بالسطوع رويدًا رويدًا.

أداء بادو الزاكي المبهر مع أحمر كازابلانكا، جعل مكانه محجوزًا في مرمى أسود الأطلس، حيث كان أفضل حراس منتخب المغرب، وبدأ تمثيل المنتخب المغربي بداية من عام 1979، واشتهر بثقته العالية، ورصانته، وقدرته على مراوغة مهاجمي المنافسين بكلّ هدوء، إضافة إلى المميزات الكلاسيكية لحراس المرمى.

البداية الحقيقة لبادو الزاكي كحارس للمنتخب المغربي كانت في كأس أمم أفريقيا 1980، وقتها شارك بداية من المباراة الثانية أمام الجزائر، وعلى الرغم من تقديمه لمستويات جيدة، إلا أن بادو الزاكي ودّع وفريقه البطولة من نصف النهائي، بعد الخسارة أمام نيجيريا المستضيفة، واكتفوا لاحقًا بتحقيق الميدالية البرونزية.

الاتحاد الدولي لكرة القدم اختصر حكاية بادو الزاكي مع المنتخب المغربي، حينما قال في موقعه الرسمي احتفالًا بعيد ميلاد أفضل حراس المنتخب المغربي: "على مدار سنوات طويلة، كانت مشاركة الزاكي في مباريات المنتخب المغربي تعني بالضرورة أن الفريق لن يتعرض للهزيمة، فلم يحدث ذلك إلا في مناسبات نادرة، سواء أمام مصر في نصف نهائي كأس الأمم الإفريقية ١٩٨٦، التي توج بها الفراعنة في القاهرة، أو ضد ألمانيا في كأس العالم في العام نفسه في دور الـ ١٦".

ماذا فعل بادو الزاكي في كأس العالم 1986

حينما وصلت المغرب لكأس العالم التي أقيمت بالمكسيك عام 1986، سلّم أكثر المتابعين بأن أسود الأطلس سوف يودّعون البطولة من مرحلة المجموعات، خصوصًا أنهم سبق وبلغوا كأس العالم في مرّة سابقة عام 1970، وقتها خسروا أمام ألمانيا والبيرو، وتعادلوا مع بلغاريا.

لكنّ مهمّة المغاربة كانت أصعب في كأس العالم 1986، خصوصًا أنهم يواجهون منافسين أشدّاء، فوقعوا في مجموعة ناريّة حوت إنجلترا المدججة بالنجوم، وبولندا التي تعيش أحد عصورها الذهبية، والبرتغال المنتخب القوي.

بادو الزاكي
بادو الزاكي في كأس العالم 1986

المباراة الأولى للمغرب في كأس العالم 1986 كانت أمام بولندا، وفيها صمد بادو الزاكي، ونجح في الحفاظ على نظافة شباكه حتى صافرة النهاية، ليقتنص أسود الأطلس تعادلًا ثمينًا، لكنّ التحدّي الأكبر للمغرب كان في المباراة الثانية.

كان على المغرب مقابلة إنجلترا المدججة بالنجوم، حيث سيدخل الإنجليز المباراة تحت شعار الفوز لا غير، خصوصًا أنّهم خسروا في الجولة الأولى أمام البرتغال، وأي نتيجة غير الفوز تمثّل لهم فضيحة مدوّية.

لكنّ بادو الزاكي ورفاقه رموا طموحات الإنجليز جانبًا، وأرادوا إثبات أحقّيتهم بتحقيق أحلامهم الخاصّة، فلم ينجح غاري لينيكير الذي توّج لاحقًا هدّافًا للبطولة في هزّ شباك حارس المنتخب المغربي، كذلك لم يفعل أي من رفاقه الذين يلعبون في أقوى الدوريات العالمية، لتقتنص المغرب تعادلًا آخر، ويقترب الحلم من التحقق، لكنّ ذلك مرهون بالمباراة الثالثة أمام البرتغال.

البرتغال كانت قد فازت في الجولة الأولى على إنجلترا بهدف، وخسرت في الجولة الثانية أمام بولندا بهدف، وهذان الفريقان تعادلا مع المغرب دون أهداف كما أسلفنا، وبما أن الفرق هذه تلعب في المجموعة السادسة والأخيرة من كأس العالم 1986، فكانت حسابات التأهل واضحة بشكل كبير.

لأن نظام البطولة نصّ على تأهّل أول فريقين من كل مجموعة إلى الدور الثاني، إضافة إلى أفضل أربعة أندية تحتل المركز الثالث، ومع حسم ترتيب المجموعات الخمس السابقة، سيظفر صاحب المركز الثالث في هذه المجموعة ببطاقة العبور إلى دور الستة عشر، علمًا أن نظام البطولة كان يمنح الفائز نقطتين فقط، ونقطة واحدة للتعادل كما هو معمول عليه الآن.

بادو الزاكي
بادو الزاكي أحد أبرز نجوم المغرب في كأس العالم 1986

وفقًا لهذه المعطيات، كان يكفي المغرب التعادل من أجل بلوغ الدور الثاني، مع احتمال أن تظفر إنجلترا أو بولندا بالمركز الأول، واحتلال المغرب المركز الثاني، كذلك كان يكفي البرتغال التعادل من أجل بلوغ الدور الثاني، لتتأهّل كأحد أفضل الثوالث.

إلا أن حارس المنتخب المغربي بادو الزاكي، تألّق بشكل كبير في مواجهة البرتغال، وحقق ورفاقه انتصارًا تاريخيًا على البرتغال بثلاثة أهداف لواحد، انتصارٌ جعل أسود الأطلس يبلغون الدور الثاني كمتصدرين لمجموعتهم النارية، بعدما ظنّ الكثيرون أنّهم سيكونون بمثابة محطّة عبور للمنتخبات الأخرى، وفوق كلّ ذلك، لم تهتز شباك المغرب سوى مرّة واحدة، حدث ذلك حينما سجّلت البرتغال حفظ ماء الوجه بالدقيقة 80، بعد تأخّرها بثلاثة أهداف دون رد، ما يعني أن الشباك المغربية صمدت 260 دقيقة قبل أن تهتز للمرة الأولى، وهو إنجاز تاريخي غير مسبوق للكرة العربية في كأس العالم، ويحسب به الفضل لأفضل حارس في تاريخ المغرب بادو الزاكي.

لم تقف إنجازات بادو الزاكي في كأس العالم 1986 عند هذا الحد، حيث ضربت المغرب موعدًا مع ألمانيا الغربية في دور الستة عشر، وقتها كانت ألمانيا الغربية مرشحة فوق العادة لنيل اللقب، لما تملكه من نجوم لامعين في عالم المستديرة، وكونها كانت وصيفة المونديال السابق 1982 خلف إيطاليا، وهي الآن تسعى لنيل اللقب.
المنتخب المغربي بقيادة الحارس بادو الزاكي صمد بشكل مميز أمام هجمات الألمان الخطرة، وكان على مشارف تحقيق التعادل وتمديد اللقاء لوقتين إضافيين، إلا أن لوثر ماتيوس نجح في خطف هدف الانتصار قبل نهاية المباراة بثلاث دقائق، لتعبر ألمانيا إلى ربع النهائي، وتصل لاحقًا للمباراة النهائية، وتودّع المغرب البطولة بشكل مشرّف، بعد أن أضحت أول منتخب عربي وأفريقي  يتخطى مرحلة المجموعات في كأس العالم.

بادو الزاكي لفت أنظار الأندية الأوروبية إليه بعد التألق في كأس العالم، وكسب توقيعه ريال مايوركا الإسباني، وهناك كان هو أحد أفضل نجوم مايوركا، فنال جائزة أفضل حارس بالدوري الإسباني، وساهم ببلوغ فريقه نهائي كأس ملك إسبانيا، وهو أحد 3 نهائيات وصل له الفريق منذ نشأته.

لذلك لم ينس نادي ريال مايوركا فضل بادو الزاكي عليه، وبعد مرور عقود على تألق حارس المنتخب المغربي معه، كرّمه في عام 2019 بوضعه في مقدّمة الأسماء المخلّدة في تاريخ النادي، حيث وضع النادي في مقره جدارية تضم عدد من النجوم الذين تم إدخالهم إلى قائمة أساطير الفريق عبر التاريخ، وكان في مقدمتهم بادو الزاكي.

بادو الزاكي في جدارية ريال مايوركا
بادو الزاكي في جدارية ريال مايوركا

نحن لم نتكلّم سوى القليل عن مسيرة بادو الزاكي مع الأندية، سواء في المغرب أو تجربته الاحترافية في الخارج، لكننا حصرنا في هذا المقال المؤهلات التي جعلته يستحق مكانه كأفضل حارس في تاريخ المغرب.

كذلك يمتلك بادو الزاكي مسيرة تدريبية رائعة، قاد فيها العديد من الأندية للألقاب والبطولات، أيضًا قاد فيها المنتخب المغربي في مناسبات عديدة، جعلته يحتل مكانه في قلوب أجيال عديدة من المتابعين المغربيين والعرب، فمنهم من أحبّه لاعبًا في أندية ومنتخب المغرب، ومنهم من أصيب بعشق بادو الزاكي وهو يتألّق في الليغا الإسبانية، وآخرون لم يعهدوا تلك الفترة، فشاهدوا بادو الزاكي مدرّبًا محنّكًا يقود بخبرته العديد من الأندية والمنتخبات، ويعتبر من أفضل المدربين في قارّة أفريقيا والعالم العربي.