22-أكتوبر-2024
الدفاعات الجوية الأميركية

تعدّ منظومة "ثاد" أحدث منظومات الدفاع الجوية الأميركية (رويترز)

تجاهلت الولايات المتحدة الأميركية مطالب الأوكرانيين بشأن تزويد كييف بمنظومة الدفاع الجوي "ثاد" ولم تكف برلين علاقاتها الوطيدة بواشنطن للحصول على ذات المنظومة، لكنّ إسرائيل ـ البنت المدللة ـ تحصّلت على امتياز نشر بطارية "ثاد" الأميركية للدفاع الجوي مع طاقم تشغيلها المكون من 100 شخص.

وسارعت  إلى إعلان دخولها حيز التشغيل للقيام بمهمتها المتمثلة في صد الصواريخ البالستية عالية الارتفاع، وهي الصواريخ التي تدّعي إسرائيل أنّ إيران تهددها بها، ولم تنجح قبتها الحديدية في التعامل مع معظمها في الهجوم الإيراني الأخير ردًّا على اغتيال إسماعيل هنية في طهران وحسن نصر الله في ضاحية بيروت الجنوبية.

تتعرض الولايات المتحدة لضغط عسكري غير مسبوق يهدد قدرتها على الاستجابة السريعة في مناطق تمنحها الأولوية حاليًا على غرار منطقة المحيط الهادئ وتايوان

لم تتخلّ إسرائيل عن عادتها في الطمع بالمزيد، فقد طالبت حليفتها واشنطن ببطارية "ثاد" أخرى لتعزيز الدفاعات الجوية بشكلٍ أكبر، لكن هذا الطلب أثار لغطًا في أروقة الكونغرس، حيث يخشى البعض أن يكون تعزيز الدفاعات الإسرائيلية على حساب قدرات الدفاع للولايات المتحدة الأميركية نفسها، ولذلك تبدو واشنطن مترددةً في الاستجابة لمطلب تل أبيب بإرسال بطارية ثانية، لأن ذلك من شأنه حسب مصادر في البنتاغون "أن يحمّل قوات الدفاع الجوي للجيش الأميركي متاعب وضغوط إضافية".

علمًا بأنّ هذه المخاوف من تأثر قدرة الجيش الأميركي بسبب التدفق المستمر لأسلحته إلى إسرائيل وأوكرانيا تطرح أسئلةً حقيقية على قدرته على الاستجابة لأي صراع جديد قد يطرأ في أي وقت، وخاصة في منطقة المحيط الهادئ التي تحظى باهتمامٍ أميركي متزايد بسبب المؤشرات الدالة على تجهّز الصين للقيام بتحرك عسكري في بحر الصين الجنوبي وتايوان.

لا تملك الولايات المتحدة الأميركية من بطاريات "ثاد" للدفاع الجوي سوى 7 بطاريات، توجد 4 من بينها حاليًا خارج الولايات المتحدة، اثنتان في منطقة الشرق الأوسط، والثالثة في كوريا الجنوبية والرابعة في منطقة المحيط الهادئ وبالتحديد غربه في جزيرة غوام، والبطاريات الثلاث المتبقية في البلاد، هي حسب بيتر ميتشل الخبير في أنظمة الدفاع الجوي في معهد الحرب الحديثة، ليست في حالة تسمح بانتشارها بصورة فورية إذ يتم استخدام واحدة في الأقل لاختبارات تحديث النظام ضمن عملية تكرارية متواصلة.

تحييد التهديد الإيراني، ولو مؤقتًا:

بالنظر لخصائص منظومة "ثاد" الدفاعية، فإنّ تهديد الصواريخ البالستية الإيرانية لإسرائيل سيتراجع لأدنى مستوى، لكنّ ذلك لن يكون بصورة دائمة، فثمة قلق أميركي من "نفاد مخزون الصواريخ الاعتراضية التي يتم تزويد نظام ثاد بها"، فالصواريخ الاعتراضية الخاصة بهذا النظام لا يتم إنتاجها بأعداد كبيرة سنويًا، فالسنة الماضية أعلنت شركة لوكهيد مارتن، وهي الشركة المسؤولة عن إنتاج منظومة "ثاد" ـ أعلنت أنها سلمت 800 صاروخ اعتراضي لصالح وكالة الدفاع الصاروخي التابعة لوزارة الدفاع الأميركية لتزويد أنظمة "ثاد" السبعة حول العالم. ولذلك سيظلّ التهديد الإيراني قائمًا على الأمد المتوسط وليس البعيد، بل على الأمد القريب أيضًا إذا نفّذت إيران هجومًا كبيرًا بالصواريخ البالستية ضدّ إسرائيل.

يذكر أنّ نظام "ثاد" مصمم لإيقاف الصواريخ الباليستية قصيرة المدى (أقل من 1000 كم) ومتوسطة المدى (من 1000 إلى 3 آلاف كم) وفوق المتوسطة (من 3 آلاف إلى 5500 كم)، وتستطيع ذخائره ضرب أهداف على مسافة تراوح ما بين 150 كم إلى 200 كم على ارتفاع 150 كم، إذ تهدف الصواريخ الاعتراضية إلى ضرب الصواريخ داخل وخارج الغلاف الجوي للأرض أثناء المرحلة الأخيرة من رحلتها قبل الوصول إلى أهدافها الأرضية.

تعزيز تصرفات إسرائيل العدوانية:

في وقت سابق قالت صحيفة "غلوبال تايمز" الصينية الحكومية إن الأزمة الإقليمية والصراعات الجارية قد تتفاقم إذا نشرت الولايات المتحدة نظام الدفاع الصاروخي للارتفاعات العالية "ثاد" في "إسرائيل"، وذلك في تعليقها على إعلان واشنطن عزمها نشر منظومة الدفاع الجوي تحسبًا للرد الإيراني على الرد الإسرائيلي المرتقب.

حيث حذرت الصحيفة الصينية من أن نشر منظومة الدفاع الجوية "ثاد" قد يؤدي إلى كسر توازن القوى في المنطقة، مضيفةً أنه "إذا تم تنفيذ هذه الخطوة، فإن تهديد إيران تجاه إسرائيل سوف يضعف، وستكون إسرائيل قادرة على القيام بأعمال أكثر مباشرة وحزمًا ضد إيران ودول إقليمية أخرى دون قلق".

وأشارت "غلوبال تايمز" إلى أن "هذا من شأنه أن يكسر توازن القوى في المنطقة، وسيجبر طهران على اتخاذ إجراءات لمنع حدوث ذلك"، موضحة أنه "من خلال مهاجمة إيران وغيرها من القوى المناهضة لإسرائيل في المنطقة، تبني الحكومة الإسرائيلية عن عمد بيئة أمنية خطيرة لنفسها وتصنع عمدًا أكبر عدد ممكن من الأعداء".

الأزمة الإقليمية والصراعات الجارية ستتفاقم إذا نشرت الولايات المتحدة نظام الدفاع الصاروخي للارتفاعات العالية "ثاد" في "إسرائيل

وتابعت الصحيفة الصينية مضيفة "أن هذا من شأنه أن يجبر الولايات المتحدة على إنفاق المزيد من الموارد لحماية إسرائيل وسيكسب المزيد من الدعم والإمدادات من الولايات المتحدة"، وتابعت مشيرة إلى أن "رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ثابت في اعتقاده بأن الولايات المتحدة ستحمي إسرائيل دون قيد أو شرط، ولهذا السبب فإن إسرائيل لا تشعر بالقلق بشأن التصرف بعدوانية".

واعتبرت أنه "بسبب التسامح أو الدعم من الولايات المتحدة، أصبحت تصرفات إسرائيل أكثر فظاعة على نحو متزايد، حيث تطلق القوات الإسرائيلية النار الآن على قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في المنطقة"، في إشارة لاستهدف قوات السلام التابعة للأمم المتحدة "اليونيفيل" في جنوب لبنان خلال الأيام الماضية.

وختمت الصحيفة الصينية الحكومية تقريرها قائلةً إنه "كلما كان الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة لإسرائيل أكبر، كلما تصرفت إدارة نتنياهو بشكل أكثر فظاعة، وكلما أصبحت أكثر خطورة وعزلة وكراهية في المنطقة وبين المجتمع".